الاعتذار عن الاستعمار زهير ماجد كيف يعتذر المستعمر عن استعماره لبلدان ما وهي كانت محط خيراته وانتاجه وسياسته الواسعة. فالرئيس الفرنسي ساركوزي تأبط مواقف سلفه من رؤوساء فرنسا حين زار قبل أيام كلا من الدولتين الإفريقيتين الغابون والسنغال بعدم الاعتذار عن مرحلة استعمار بلاده لهما وان كان وصف تلك المرحلة " بالخطأ الكبير " . ومع ان البلدان التي استعمرت ( بكسر الميم ) تريد اعتذارا إلا أنها لا تزال تكمن في روحية منها انشدادا ليس لذلك الزمن بل لما يعنيها حاليا من التعاون المميز والخلاق مع فرنسا. منذ سنوات ليست بعيدة كنا نقول: إن مرحلة الاستعمار ولت الى غير رجعة، وان احتلال البلدان الضعيفة من قبل الدول الكبرى حادثة تاريخية لن تتكرر.. بل ان العصبية التي شدت بلدان اوروبا في حملاتها الصليبية نحو الشرق تغيرت مفاهيمها وظروفها. وكنا نعتقد ان افكار الدول الكبرى تغيرت هي الاخرى مهما قاست من "تمرد " الدول الصغرى فيمكن احاطتها بالطرق الدبلوماسية او فرض حصار اقتصاد ومالي وسياسي واجتماعي عليها كما حصل بين الولاياتالمتحدة وكوبا. لكن على مايبدو لم نوفق كثيرا في كتاباتنا وفي قراءتنا من توقيف عجلة التاريخ الذي يهرول في بعضه نحو المستقبل. وكنا نقول دائما: إن ثمة استعمارا جديدا هو الاقتصادي والثقافي والمالي وان الدول التي استقلت لم تستطع بناء نفسها في شتى الميادين فاضطرت الى تبعيتها للدول الكبرى، بمعنى ان الاستعمار خرج من الباب ثم دخل من الشباك.. وهو في الحقيقة لم يترك الامكنة التي كان له فيها باع طويل ووجود مباشر، بل كان يرمقها دائما بعين الاعجاب كونها مازالت على مسافة منه وستبقى الرابطة بينهما شديدة الاحكام طالما ان مسيرة ماسمي بالعالم الثالث لم تنتج احداثا تهدد العلاقات بين مصالح الغرب معه، على الرغم من قيام ماسمي بسياسة التحرر التي انتهجتها دول افريقية وآسيوية وسعت من خلالها لترتيب تيار دعي بعدم الانحياز او الحياد الايجابي، فإذا بدوله قد وقعت أسيرة المساعدات الاميركية على وجه التحديد وظل ذلك العنوان مجرد شعار لاقوة له ولا نفوذ. وفيما الافكار على هذا النحو، اجتاحت الولاياتالمتحدة العراق بآلاف الجنود وبقوة مدرعة لامثيل لها. وهكذا انكسرت شتى الكتابات عن زوال الاستعمار وعادت موجة من التعبير عن عودة الاستعمار في حلته القديمة: الاحتلال والهيمنة على شتى القطاعات وخلق سياسات تابعة لها ووضع اشخاص ملائمين لتلك المرحلة وهم من اتباع الاحتلال الجديد وفي دمهم نهم لغسل ماضيهم الفكري بالانتماء المباشر لعالم الاحتلال. صار مضحكا بعد تجربة احتلال العراق ان يطالب مستعمر ما بالاعتذار عن مرحلة اعتذاره .. لم يقل ساركوزي ذلك لكنه يشعر في هذه الظروف ان مااقترفته فرنسا في عالم استعمارها القديم لم يزل حاضرا اليوم وقد يطل ايضا في اماكن اخرى. لكن الذي لايذكره ساركوزي ان كل استعمار كان مجلبة لعار نفسه وكان متعبا لوجوده، ولعل الجزائر خير دليل، بل يمكن القول: إن المستعمرات القديمة كلها قدمت لوحات من التعبير عن ثقل الاستعمار وعانت منه وقدمت شهداء من اجل استقلالها منهم من يذكر ومنهم من يتم نسيانه. اختبر ساركوزي في جولته الافريقية صعوبة نسيان الشعوب مراحل تعبيرها عن أساها. ولابد للعراق المصاب بلوثة الاستعمار الاميركي ان يظل وفيا على مهماته التحريرية لكنه لن ينسى ذلك التاريخ وسيظل يحارب واقعه وحتى ظلاله مدى الدهر. فحادثة الاحتلال ليست عابرا بقدر ماهي مشكلة ابدية. عن صحيفة الوطن العمانية 30/7/2007