اكتسب وزير خارجية فرنسا الحالي "برناركوشنير" شهرته التي تملأ الآفاق من تأسيسه - قبل سنوات - جمعية "أطباء العالم" ثماستغراقه في عمل انساني وانقاذي في افريقيا السوداء وعلاقاته الوطيدة بعدد من الناقدين والمؤثرين في السياسة الدولية.. والاهم انه كان - لعدة سنوات - من "دعاة البوشية" نسبة الي الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش الذي كان يؤمن بأفكاره ويتحمس لسياساته واستراتيجياته الخاصة بالتدخل العسكري. لكن المسكوت عنه في حياة برناركوشنير هو أعظم وأخطر.. وقد ترتعد منه الفرائص لانه ليس بهذه الصورة الانسانية التي يرسمها عن نفسه.. وهذا المسكوت عنه اصبح ملء السمع والبصر بعد صدور كتاب فرنسي بعنوان: "العالم كما يراه كي" و"كي" هنا تشير الي كوشنير. مؤلف الكتاب صحفي فرنسي يدعي بيير بيان تمكن من الوقوف علي كل كبيرة وصغيرة في حياة وزير الخارجية الفرنسي ويفضح انغراسه في أزمة دارفور والي "اي حد قام بتفجير الموقف الدولي بشأن هذه المنطقة الواقعة في غرب السودان. يذكر الكتاب ان كوشنير لا يعمل بمفرده وانما عبر صلات قوية بدوائر امريكية واسرائيلية ولتحقيق مصالح شخصية تتعلق بالاستثمار في هذا الاقليم الغني بالنفط واليورانيوم ونهب ثرواته باعتباره من اشد المدافعين عن اسرائيل داخل فرنسا. ويذكر المؤلف "بيير بيان" ان "برناركوشنير كان اول من اسس منظمة اغاثة دارفور، وهو يرجح دائما فكرة التدخل العسكري الانساني ويطالب بها من اجل حل مشكلة دارفور وهو اول من اتهم الحكومة السودانية بجريمة الابادة الجماعية التي يزعم ان الرئيس السوداني قد ارتكبها في دارفور. ويؤكد كتاب "العالم كما يراه كي" ان منظمة إغاثة دارفور التي تتحرك بإشارات من كوشنير وضعت ميثاقا لدعم دارفور وكانت ودعت المرشحين الرئاسيين في فرنسا في عام 2007 للتوقيع عليه كما دعت في الوقت ذاته الي عقد مؤتمر دولي حول دارفور. ولا يزال كوشنير حتي هذه اللحظة يؤكد ان دارفور تشهد مقتل عشرة آلاف شخص شهريا ويستقي معلوماته من عبدالواحد نور رئيس حركة تحرير السودان المقيم في باريس.. ولعل اخطر ما فضحه الكتاب ان كوشنير ليس ملاكا كما يقول عن نفسه دائما هو رجل مسكون بالاطماع وتحركه مصالحه الشخصية في القارة السمراء حيث وقع عقودا استثمارية مع الجابون والكونغو وعدد من الدول الافريقية وقد عادت عليه بعمولات وفوائد مادية كبيرة. هذا الكتاب يكشف خبايا الموقف الفرنسي مما يحدث في الشرق الاوسط ويسلط الضوء علي فرنساالجديدةفرنسا ساركوزي التي يسيل لعابها من "أجل لحظة استعمار جديدة. ماذا يحدث في جزر القمر؟ رحم الله الفيلسوف الجزائري مالك بن بني الذي وضع نظرية لم يلتفت اليها الكثيرون في حينها هي نظرية القابلية للاستعمار والتي تقفز الي ذهني في هذه الايام عندما اتابع نتائج الاستفتاء الذي يجري في احدي جزر القمر حول مسألة انضمام هذه الجزيرة الي فرنسا.. بمعني العودة مرة اخري الي زمن الاستعمار والحق ان هذه الواقعة ليست الاولي فلقد سبق ان صوت سكان جزيرة أخري داخل هذه الدولة الاسلامية دولة جزر القمر واختاروا العودة الي فرنسا، وتباكوا علي زمن الاستعمار الفرنسي الذي يمزقهم الحنين اليه.. ولقد سخرت في ذلك الوقت الصحف الفرنسية من هذا الاجراء العجيب اذ كيف يطالب شعب ايا كان باستعمار دولة كبري له.. واذا حدث ذلك فما معني قيم مثل النضال، والكفاح، والاستقلال التام او الموت الزؤام!. غريب امر شعب هذه الجزيرة الذي يبدو انه استمرأ الذل تحت وطأة الاستعمار.. وطابت له حياته تحت نير الاحتلال.. والكاتب ان هذا الموقف قد اجبر رجال السياسة في العالم الي مراجعة الاشياء لمعرفة السبب الذي يجعل شعبا يدعو فرنسا الي استعماره مجددا واستنزاف خيراته. وهل هذا الأمر الغريب يعود الي ان شعب هذه الجزيرة يؤثر السلامة ويري ان اعتماده علي الاستعمار افضل الف مرة من اعتماده علي اعوان الاستعمار في الداخل. ام انه لا يثق في حكامه من ابناء جلدته ويري أنهم ليسوا مؤهلين لممارسة الحكم، ولذلك بدأ يشعر بالحنين "او الفوستالجي" الي فترة كان المستعمر الفرنسي هو صاحب الكلمة والرأي وتنعقد له القيادة.. ام ان هذا الشعب شعب احدي جزر القمر لم يبلغ بعد الرشد السياسي ولا يزال يري نفسه "قاصرا" "عاجزا" عن ادارة شئون بنفسه.. لهذا ارتمي مجددا في أحضان الفرنسيين الذين يقود استعمارهم لهذه الدولة الي زمن بعيد. ثم يطرح البعض اسئلة أخري تتعلق بفرنسا.. وهل ستقبل العودة كاستعمار بحسب الطلب القمري.. وفي حال عودتها سيكون وجودها الجديد مثل وجودها السابق ام انها ستقوم بتغيير في الأوضاع والتعاطي مع أزمات الشعب القمري.. بمعني هل سيكون استعمارا استنزافيا كعادة اي استعمار ام سيكون حالة من حالات الانتداب.. أخيرا إنها خطوة اشبه بالنكتة ولا نملك الا ان نتذكر فيلسوف الجزائر "مالك بن نبي" ونتأمل فكرته المؤلمة. أوباما في تركيا ليس من شك في ان تاريخ العلاقات الدولية بشكل عام وتاريخ علاقات الدول الكبري بمنطقة الشرق الاوسط يقف علي اعتاب مرحلة فارقة مما اعتدنا.. علي "رؤيته" "ومعايشته" في اعقاب الحرب العالمية الثانية بدأت معادلاته تتفكك لتتأسس بدلا عنها معادلات جديدة.. ولعل المثال الصارخ والاعتراف الاكبر في هذا الصدد يأتينا من فرنسا وامريكا.. فالرئيس ساركوزي لا ينكر انه ينتمي الي جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية ومن ثم لا علاقة له بالمعادلات السياسية القديمة، لذلك كان صادقا مع نفسه عندما اعلن "القطيعة" مع سلفه جاك شيراك ورفض ان يطلق عليه البعض اسم تلميذ شيراك ووريثه فقال في شبه تحد: انه ليس تلميذا لأحد وان فرنسا لا تورث. واكاد اري ملامح ذات الموقف مع الرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما الذي لم يعد يخفي استنكاره لسياسة سلفه جورج دبليو بوش الذي جعل كراهية العالم لامريكا، قاسما مشتركا بين جميع شعوب الارض وتسبب في وقوع ازمة اقتصادية عالمية ستزعزع الاستقرار النقدي والمالي والتجاري لسنوات مقبلة، ولذلك كان علي وعي كامل بدقائق الموقف الدولي واعلن منذ حملته الانتخابية ان جاء من اجل التغيير. وها نحن نلمس "امارات هذا التغيير في جولته الاوروبية الاولي التي توقف فيها في لندن، وبراغ واخيرا تركيا.. وفي هذه الدولة الاخيرة" يشارك في منتدي تحالف الحضارات وسوف يلقي خطابا غير مسبوق في البرلمان التركي يرسم فيه ملامح سياسته الخارجية مع العالم الاسلامي التي تتأسس علي قاعدتي: الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.. ولانه شديد الاعجاب بصورة الاسلام علي الطريقة التركية وبراعة هذا البلد في قلق معادلة: علمنة الإسلام أو أسلمة العلمانية، فلقد اختارها من دون الدول الاسلامية الاخري. واذا تذكرنا رسائله التي لا تخلو من غزل تجاه ايران ورغبته في اجراء حوار متعمق معها واعترافه بحقها في ان تتبوأ مقعدا يليق بتاريخها وحضارتها الفارسية.. لادركنا اننا امام رؤية امريكية جديدة للشرق الاوسط تنطلق من جسور صداقة وتفاهم مع دولتين كبريين في المنطقة هي تركيا وايران.. ولا يجب ان ننسي الضلع الثالث من هذا المثلث وهو اسرائيل التي تربطها علاقات طبية بتركيا مع غزل خفي تجاه طهران.. بالقطع هذه القواسم المشتركة في هذه الرؤية ثلاثية الأبعاد تؤكد اننا فعلا امام جغرافية جديدة لمنطقة الشرق الاوسط.