العراقيون في رمضان يعبرون نفقاً مظلماً محيط - شيرين صبحي تقع دولة العراق في جنوب غرب آسيا، إلى الشمال من المملكة العربية السعودية، وإلى الجنوب من تركيا ، وتحدها من الشرق سوريا والأردن، ومن الغرب إيران. ويمثل المسلمون95 % من الشعب العراقي ما بين شيعة وسنة، تختلف التقديرات حول عدد الشيعة في العراق، والنسبة الأقرب إلى الواقع هي أنهم يشكلون ما يقرب من60% من السكان ، ويتمركزون في الجنوب وفي مناطق الوسط حول بغداد تقدر نسبة أفراد المذهب السني في العراق40 % من إجمالي المسلمين، ويتمركز أغلبهم في مناطق الوسط والشمال، ويجمعون بين عدة أعراق من العرب والأكراد والتركمان، وينتمي أغلب أفراد المذهب السني إلى اتجاهات ليبرالية وبعثية والنسبة الأقل تنتمي إلى تيارات إسلامية ، ولا يشكل المسيحيون سوى3 % فقط من السكان. يوضح محلل شؤون الشرق الأوسط "روجر هاردي" أن الشيعة عامل لا يمكن تجاهله في المعادلة السياسية لعراق ما بعد الحرب، حيث أن لديهم شعور متأصل بالظلم فيما يتعلق بحقهم في المشاركة العادلة في الحكم ، فالشيعة منقسمون بين ديني وعلماني، وتتنافس هاتان الفئتان في محاولة السيطرة على الحوزة العلمية في مدينة النجف الأشرف، معقل الشيعة في جنوب العراق، حيث أن الحوزة العلمية في النجف هي المرجع الرئيسي للسلطة عند شيعة العراق. يتكون الشعب العراقي عرقيا من العرب ويمثلون الغالبية من السكان فنسبتهم 70-80 % من السكان ويقطنون الجنوب والوسط وأغلب مناطق العراق باستثناء الشمال الذي يقطنه غالبية من الأكراد وأقليات عربية وتركمان وأشوريين ، أما الأكراد فيقدر تعداد الأكراد بالعراق بحوالي أربعة ملايين نسمة بنسبة 15-20% من إجمالي السكان يعيشون على 18% من الأراضي العراقية ويعتنق الأكراد الدين الإسلامي، وغالبيتهم (75%) يتبعون المذهب السني ، بينما تتبع 25% المذهب الشيعي. أحوال بالغة الصعوبة يهل شهر رمضان على العراق هذا العام، وقد وصل عدد اللاجئين العراقيين الي حوالي مليوني لاجئ توجهوا إلى بلدان الجوار إضافة إلى مليون وثمانمائة ألف نازح داخل العراق نفسه حسب تقدير المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة. ومأساة العراقيين ليست فقط في الخارج إذ يقدر عدد العراقيين المشردين داخل العراق بأكثر من 1.5 مليون عراقي وهم بحاجة إلى الماء والغذاء والدواء والتعليم لكن تخفيض المعونات المالية والغذائية تجعلهم في معاناة لا تنتهي. وازدادت معاناة اللاجئين بعدما قامت الدول المانحة مؤخرا وهي الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوربي واليابان وأستراليا بخفض حجم تبرعاتها لتمويل برنامج الوكالة الدولية للاجئين العراقيين رغم زيادة عددهم بعد بدء الحرب بالعراق في 2003م. التنصير علي جانب أخر فتحت عدد من كنائس الأردن وبالتعاون مع الكنائس الغربية من خلال إرسالياتها، أبوابها للاجئ العراق على الأراضي الأردنية مسيحيين ومسلمين، سنة وشيعة وأكرادًا على حد سواء، بالإضافة إلى الصابئة والصوفية وغيرهم من مختلف الديانات ، ومن خلال تقديم المساعدات الإنسانية من غذاء وكساء، بالإضافة إلى الإرساليات الطبية المزودة بالأدوية الطبية والمستشفيات المتنقلة، يتم تنصيرهم . وقامت إحدى الكنائس الأردنية وبالتعاون مع إرساليات الكنائس الأجنبية من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وكوريا وماليزيا، بفتح فصول دراسية تحت غطاء الكنيسة لأطفال العراق اللاجئين في الأردن، من خلال العمل في مظلة قرار منع قبول العراقيين اللاجئين في المدارس الأردنية حكومية كانت أو خاصة، ممن لم يتمكنوا من الحصول على الإقامة الدائمة. وأكد القس "بهنام مملوك" مساعد مدير كنيسة النعمة تبني كنيسته، ومن خلال التعاون المشترك ما بين كنائس الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا، بالإضافة إلى كنائس دول شرق آسيا للاجئي العراق، وبحسب تقرير صحيفة ال'ديلي تليغراف' البريطانية في موقعها الإلكتروني أنه وتحت غطاء من السرية، وخلف ستار تقديم المساعدات الإنسانية، يتدفق المنصرون ومعظمهم من البروتستانت على العراق، لنشر الدين المسيحي، من خلال أعمال الإغاثة. دوامات لا تنتهي في 20 مارس 2003 وبعد انقضاء 90 دقيقة على المهلة التي اعطاها جورج بوش لصدام حسين و نجليه بمغادرة العراق دوت الانفجارات في بغداد وبعد 45 دقيقة صرح الرئيس الأمريكي انه اصدر اوامره لتوجية "ضربة الفرصة" الذي علم فيما بعد انه كانت ضربة استهدفت منزلا كان يعتقد ان صدام حسين متواجد فيه. وكان الغزو سريعا فبعد حوالي ثلاثة اسابيع سقطت الحكومة العراقية، وفي 9 ابريل 2003 بدأت عمليات سلب و نهب واسعة النطاق في بغداد وبعض المدن الأخرى. وقد وصل عدد العراقيين الذين قتلوا منذ بدء الإحتلال الأمريكي إلى 665 ألف مدني عراقي، وفق دراسة نشرتها مجلة "لانست" العلمية البريطانية ، و هذا الرقم أكبر بكثير من الأرقام السابقة التي أشارت إلى أن القتلى من المدنيين العراقيين يقارب الخمسين ألف مدني عراقي . وسجلت منظمة هيومن رايتس ووتش من خلال التحقيقات التي قامت بها في العراق الاستخدام المنهجي للاعتقال التعسفي، والاحتجاز لفترات مطولة قبل المحاكمة دون مراجعة قضائية، وتعرض المحتجزين للتعذيب وسوء المعاملة، وحرمان الأسر والمحامين من زيارة المحتجزين، والمعاملة غير المناسبة للأطفال المحتجزين. ويوضح دانيال جوردان، المحاضر في كلية فنتورا، ونيل ولمان، المحاضر في جامعة مانشستر، في دراسة مشتركة إن الفقر في العراق ازداد بنسبة 20 %، وتضاعفت نسبة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، وحقوق الأقليات معرضة للتهديد، وتتعرض الأقليتان الآشورية والتركمانية إلي الاضطهاد والتمييز. ما بعد الانسحاب مستقبل غامض ينتظر العراق حتي اذا تحقيق الانسحاب الذي يطالب به الجميع، حيث يضع المحللون والمنظرون عدد من السيناريوهات لا تنذر بأوضاع مستقرة. ففي مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" كتبه وزير الخارجية الامريكى هنرى كيسنجر بالتعاون مع وزير الخارجية الامريكى الاسبق جورج شولتز، أبدي كيسنجر قلقه من عدة نقاط أولها أن انسحاب الولاياتالمتحدة الطائش – علي حد وصفه- لا بد ان يثير حربا اهلية, وحجمها لا يضاهى ادنى درجة من الحرب الاهلية اليوغسلافية. ويفترض أحد السيناريوهات المتوقعة تحول العراق إلى فوضى شاملة بحيث يتحول إلى مناطق مفرزة لعشرات الجماعات التابعة للقاعدة أو غير القاعدة أو لحزب البعث أو للمليشيات الكردية والشيعية بحيث يتمزق العراق إلى 30 أو 40 " كانتون " ويستحيل إقامة دولة من أي نوع ، وهذا أيضًا سيحوِّله إلى مرتع لكل جماعات وعناصر الإرهاب من كل الأطياف . يبقي القول إن إنعدام الأمن وفقدان السيطرة وتدهور الخدمات وإنحطاط الوضع الإقتصادي وسيطرة المليشيات على مقدرات الدولة، هو الوضع السائد اليوم في العراق الذي أصبح ينتظر مصيرا مجهول. رمضان العراقي يتميز العراق بالكثير من العادات التي ينفرد بها، ومن هذه العادات التي يحرص الأولاد على ترديدها في ليالي رمضان الكريم، هي "الماجينة" الأغنية الشعبية المتوارثة عند أطفال مناطق العراق، حيث تقوم مجموعة من الأطفال وعقب تناول طعام الإفطار بالتجمع في الأحياء، ويحمل أكبرهم سنّاً كيساً من القماش أو النايلون، ليدور مع زملائه على بيوت الحي، فيبدأ أحد الأطفال بطرق أحد أبواب الجيران، ويردد مع الآخرين بصوت واحد الأغنية وعندها تقوم ربّة المنزل بالخروج حاملة كمية من الحلويات أو النقود لتوزعها عليهم، يقومون بالدعاء لأبن صاحب الدار ومن الألعاب الشعبية التي تقام بعد أداء صلاتي العشاء والتراويح وإقامة المجالس والقراءات الحسينية لعبة تعرف ب "المحيبس" وتعني "الخاتم" وتضم عدداً كبيراً من أهل المحلات وتشمل حتى المدن ليشاركوا في هذه الألعاب التي تمتد حتى وقت السحور ويتبارى فيها فريقان وتقوم فكرتها على إخفاء الخاتم من قبل الفريق الأول بينما يقوم احد أعضاء الفريق الثاني بالبحث عنه. ومن الأطباق المشهورة الزوري "صغار السمك" والمصموطة "السمك المجفف" واكلة "المحروق إصبعه" وهي عبارة عن بقايا فتات الخبز بعد مزجه بالطماطم وقليه على النار لمدة طويلة. وقد ألقت الظروف الأمنية في العراق ظلالها على عادات شهر رمضان في البلاد ، حيث تراجعت وتيرة أداء الشعائر الدينية والطقوس الرمضانية المعتادة أمام الخوف من القتل أو الاعتقال. وتراجع عدد المصلين في صلاة التراويح إلى حد كبير، وأصبح أئمة المساجد ينصحون المصلين بإتباع أكثر الطرق أمنا لدى قدومهم للمساجد، وأن يتحركوا جماعات خوفا من تعرضهم للاعتقال، وألا يوقفوا سياراتهم قريبا من المسجد خشية مفخخة تستهدفه وتستهدف من فيه.