كيف كانت تبدو صورة الحياة في سنة 1900؟!... في الأيام الأولى من القرن العشرين؟! كيف كان يفكر الناس في ذلك الوقت؟!... وبأي الطرق كانوا يتصلون ببعضهم البعض؟!... وما هو المدى الذي وصلت إليه العلوم والفنون والأداب؟!... وما هي القضايا الجوهرية التي كانت تشغل العقل البشري؟! هذه الأسئلة كلها وجدت الإجابة عن البعض منها، وليس كلها بالطبع. عندما تصفحت أعداد مجلة الهلال المصرية التي صدرت في السنة الأولى من القرن الماضي... بعد أن نشرت طبعة جديدة منها اخيراً. لست في حاجة إلى ترديد قول أستاذنا الراحل أحمد بهاء الدين «أن الإنسان حيوان له تاريخ». ذلك أن تقليب صفحات هذا التاريخ. فضلا عن المتعة والدهشة التي تطل من العينين عند قراءة أي كلمة من كلمات هذا الزمان البعيد... فإن الحكمة التي يخرج بها الإنسان من هذه العودة إلى الوراء... تقول: ما أشبه الليلة بالبارحة. يقول رئيس تحرير مجلة الهلال وقت صدور العدد مصطفى نبيل: إن الهلال صدرت سنة 1892 في 48 صفحة. وكانت تصدر مرة واحدة في الشهر. ولأنه حدث إقبال ضخم على المجلة... فتقرر في السنة الثانية أن تصدر مرتين في الشهر... الأولى في اليوم الأول، والثانية في منتصف الشهر. وأصبحت صفحات كل عدد 32 صفحة. فلما دخلت المجلة سنتها الثالثة. زاد عدد الصفحات ثماني فأصبحت 40 صفحة كل نصف شهر. وكل هذا التطوير كان يتم بعد استطلاع آراء القراء، واستمرت في الصدور نصف شهرية لمدة أربع سنوات. عادت بعدها شهرية. وفي سنتها الثالثة عشرة كانت تصدر شهرية لمدة عشرة أشهر. خلال الحرب العالمية الثانية... صدرت الهلال مرة كل شهرين. واستمرت تصدر عشرة أعداد في السنة... حتى تولى رئاسة تحريرها الدكتور أحمد زكي سنة 1947. فجعل سنتها اثنى عشر شهرا، وهو المعمول به حتى اليوم... وعندما كانت الهلال تصدر عشرة أعداد في السنة... كانت تصدر بديلا للمجلة في غيابها كتابا هدية. وفي سنة 1900 كان هذا الكتاب هو: «علم الفراسة الحديث». وقد كتبه جرجي زيدان. الذي كان يلقب بمنشئ الهلال. هلال 1900 صدرت في مجلدين: الأول احتوى على عشرة أعداد... من يناير إلى مايو، والثاني كان عبارة عن ثمانية أعداد من يونيو إلى ديسمبر، وعلى الرغم من أن الهلال كانت في ذلك الوقت مجلة نصف شهرية، إلا أنها كانت ديوانا للحياة سواء في مصر أو الوطن العربي أو العالم. وكانت اهتماماتها مرتبة على النحو التالي: الهلال مجلة علمية تاريخية صحية أدبية... قيمة الاشتراك ستون قرشا بالقطر المصري. و20 فرنكا في الخارج تدفع مقدما، وكان الدفع يتم لوكلاء تنشر المجلة أسماءهم بموجب إيصالات موقعة من مدير مجلة الهلال، وإن كان يتضح من المجلدين أن المجلة استمرت في الوصول إلى القراء الذين تخلفوا عن سداد اشتراك سنة كاملة، وقد تجاوزت في توزيعها الوطن العربي فوصلت علاوة على أوروبا وأميركا إلى فارس وآسيا الإسلامية. وكانت تصدر عن مطبعة الهلال بالفجالة بمصر. غلاف العدد الأول تتصدره صورة سسل رودس... وقدمت قصة حياته، وأهم ما فيها أنه كان صاحب مشروع وصل الإسكندرية مع رأس الرجاء الصالح بخط سكة حديد، وهو المشروع الذي لم ير النور... وتصور لو نفذ هذا المشروع... لكان لدينا الآن أفريقيا أخرى. لسانها عربي مبين ومصالحها جزء من مصالح الوطن العربي، ولكن هل كان سيسمح الاستعمار الغربي بذلك؟! ولأن هذه السنة هي نتاج للسنوات السابقة عليها والقرن خرج من رحم القرن السابق عليه. فإن تعداد المصريين. كان قد وصل إلى ثلاثة ملايين نسمة في زمن الاحتلال العثماني لمصر. في حين أن هذا التعداد كان قد وصل إلى ستة ملايين قبل هذه الفترة. بالتحديد في العصر الأيوبي وعصر المماليك. فانظر إلى مقاومة المصريين الحكم العثماني ولكن بالحيلة وليس بالمواجهة والتحدي. وفي هذه السنة 1900 أصدرت حكومة اليابان قانونا للمطبوعات يمنع النساء من تأليف الكتب أو نشرها لأن ذلك - حسب زعمهم - غير لائق ولا مستحسن. وشهد هذا العام في مصر ميلاد «المرسح» الوطني الجديد في القاهرة... وتفصيل ذلك: أنه لم يكن في القاهرة «مرسح» للتمثيل غير الأوبرا الخديوية والحكومة تضن بها على الأجواق الوطنية. وأكبر هذه الأجواق بمصر جوق إسكندر أفندي فرح الشهير. وكان قد بنى «مرسحا» في شارع عبدالعزيز يمثل به جوقة. فلما رأى الإقبال يتزايد عليه، وقد أخذت الأذواق ترتقي والناس يشتاقون إلى حضور التمثيل هدم «مرسحه» المشار إليه وبنى مكانه «مرسحا» جديدا بالغ في إتقانه. وأضاءه بالنور الكهربي وزاد في معدات جوقه وأكثر من الملابس ونحوها ما يبشرنا بارتقاء فن التمثيل العربي بيننا. ومثلما جرى مع نهايات القرن العشرين من جدل حول سنة 2000 هل هي المتممة للقرن العشرين. أم هي فاتحة القرن الجديد؟ حدث هذا في سنة 1900. هل كانت آخر القرن التاسع عشر أم أول القرن العشرين؟ قالت الهلال: - أدهشنا ما قرأناه في بعض الصحف عن اعتبار ألمانيا آخر العام الماضي آخر القرن التاسع عشر. ولا ندري ما الذي سوغ لهم ذلك. على أن خطأهم فيه من البساطة والوضوح بحيث لا يحتاج إلى نظر أو جدل. لأننا نفهم لأول وهلة أن المئة لا يقال انها انقضت حتى ينقضي آخر واحد منها. فالقرن التاسع عشر ابتدأ في أول المئة التاسعة عشرة أي سنة 1801 فكيف ينقضي في آخر 1899. وكيف يكون أول عام 1900 أول القرن العشرين... وإذا كان عذرهم أن واضعي تاريخ الميلاد أخطأوا بوضعه فأخروه سنة عن ميلاد المسيح. فإذا استطاعوا إثبات وقوع هذا الخطأ وجب عليهم أن يقدموا التاريخ الميلادي سنة، أي أن يجعلوا هذا العام 1901 لا أن يبقوه 1900 ويعدوه أول القرن العشرين. وفي هذا العام 1900... تم اكتشاف جمهورية جديدة تشمل مملكتي «البرازيل وبوليفيا»، وكانت هناك كتابات عن توحيد العملة في العالم... وأن ماركوني اخترع التلغراف من دون سلك. وأنه باع هذا الاختراع بمئتي ألف جنيه وأن الشركة التي ابتاعته ميزانيتها 3 ملايين جنيه. وكان عدد الذين يتكلمون الإنكليزية 125 مليونا والفرنسية 50 مليونا والألمانية 70 مليونا والإيطالية 23 مليونا والروسية 100 مليون والإسبانية 45 مليونا. وعن دخل الجرائد في فرنسا قالت: إن جريدة السكان أعظم الجرائد السياسية الفرنساوية، وقد بلغ ربحها في العام الماضي 11.000 جنيه، وأما جريدة البيتي جرنال المشهورة فقد بلغ ربحها الصافي 157.182 جنيها. أي نحو خمسة عشر ضعف تلك. ** منشور بصحيفة "الراي" الكويتية 18 أغسطس 2008