كانت الصحف المصرية وحتى منتصف الثمانينيات من القرن التاسع عشر تصدر إما من القاهرة عاصمة البلاد ومقر الحاكم، وإما من الإسكندرية صنو القاهرة والعاصمة الثانية لمصر. وقد يكون هذا الأمر طبيعيا فى ذلك الوقت من تاريخ الوطن، بسبب توافر المدارس وانتشار التعليم إلى حد ما فى هاتين المدينتين، ومن ثم وجود المتعلمين والمثقفين بهما، إلى جانب تركز المطابع فيهما. أول النزهة ولقد استمر هذا الوضع حتى أوائل عام 1886م عندما صدرت مجلة (النزهة) فى مدينة أسيوط، كأول صحيفة إقليمية تصدر خارج مدينتى القاهرةوالإسكندرية، ومن جانب آخر فقد كانت (النزهة) هى أولى صحف الصعيد، لتبدأ من هنا مرحلة النشأة والتكوين فى صحافة مصر الإقليمية عموما وصحافة الصعيد منها خصوصا. لقد كان طبيعيا أن تكون أسيوط أولى مدن الصعيد التى تعرف الصحف، حيث يعود ذلك إلى كونها مدينة كبيرة أشبه بعاصمة للصعيد وكانت مركزا تجاريا مهما فى بلاد الصعيد، إلى جانب اهتمام كثيرين بتأسيس المدارس فيها، مما ساعد ذلك على خلق طبقة من المثقفين وقاعدة لا بأس بها من القراء. صدرت (النزهة) فى يوم الاثنين الموافق 15 فبراير 1886م وهى مجلة (كانت تقول إنها نبذة)، أدبية علمية فكاهية، نصف شهرية، وكان مديرها جورجى خياط ومحرراها خليل إبراهيم ويوسف تادرس بدار العلوم الأمريكانية بأسيوط. وكانت تُطبع بمطبعة المقتطف فى القاهرة. صدر العدد الأول منها وعلى الغلاف بيتان من الشعر: هذى رياض للمعارف تجتنى منها الفوائد فى صحاف لجين غنى هزار العلم فى دوحاتها فاسمع سررت ونزه العينين جاءت افتتاحية المجلة فى العدد الأول منها تحت عنوان «على قدر أهل العزم تأتى العزائم»، وفيها تخاطب أبناء النيل وتقول «ها يناديكم بنو أمكم بأن أمسكوا بأيدى طفيل آداب أبوه ابتغاء التقدم ولدته أم محبة الجنس على سرير الشعور بالواجب هاكم نبذة علمية صاغتها أنامل من كانوا يحسبون القيام بخدمة بلادهم من أجل الواجبات. فهل ترى تقضى طوالع سعود النزهة بتزاحم فئام بنى الوطن فى مرسح آدابها لتقديم عمادها هل ترى يرعاها أبناء مصر كغيرها من صحف الآداب التى قد استأنست مجالس ألبابهم بها. شهد الله وهو خير الشاهدين أنه إن لم يتدارك أهل الفضل تأييد المشروعات المفيدة فليقل الراغبون فى بث المعارف وتعزيز شأن العلم أن الله على ضلة المسعى. فيا غرة الدهر يا أبناء الجنس هلا تجعلون لنا أسوة بغيرنا هلا تسندون أغصان النزهة الغضة بأيدى غيرة وطنية مصدرها قلوب ساهرة على الخير العمومى. ولا جرم أنه بقدر أهل العزم تأتى العزائم فيا من ديدنهم السلوك فى صراط الأدب إنا أتيناكم بشىء قليل ولا ريب عندنا أن بلوغ أقاصى الأمانى معقود بيد أهل الحجى فلئن أحسنوا الصنع وأنزلوا ما أتيناهم خير منزلة فلهم فضل غير ممنون. وكيف لا نستبشر برواج سوق الآداب ونشر ألوية التمدن على آفاق مصر إذا تطاولت همم أهل العزم إلى ترقية ما ينجم عنه خير الجمهور فاسمعوا يا ذوى الأفهام وتبصروا إن الله يحب كل مفضال بصير». والواقع أن ثمة اتفاقا بين عدد من المؤرخين والباحثين، منهم سامى عزيز وإبراهيم عبد الله المسلمى ومحمد صادق الكاشف، على أن صحيفة (النزهة) هى أول صحيفة إقليمية باللغة العربية تعرفها مصر، إذ صدرت بعيدا عن القاهرة وبعيدا أيضا عن الإسكندرية وأنه بهذه المجلة بدأ دور النشأة والتكوين فى صحافة مصر الإقليمية، ومن جهة أخرى فقد كانت (النزهة) أولى صحف الصعيد. جاءت (النزهة) فى 8 صفحات بالغلاف، حيث كانت المادة التحريرية تبدأ من خلفية الغلاف الأمامى، وكانت صفحاتها نهر واحد، وذات قطع صغير، وقيمة الاشتراك فيها بالقروش الميرية 24 بأسيوط و30 بالخارج عن سنة، و14و17 عن ستة أشهر، و8 و10 عن ثلاثة أشهر، والدفع يكون سلفا، وكانت (النزهة) تنشر على صفحاتها مقالات اجتماعية وتاريخية واقتصادية وطبية، ذلك بالإضافة إلى حكم وأمثال ومعلومات، وألغاز ولطائف ونوادر، وقد كتب فيها وراسلها كثيرون من داخل أسيوط وخارجها، من سوهاج وجرجا والفيوم والقاهرة. وكان آخر عدد صدر من مجلة (النزهة) هو عددها التاسع عشر من السنة الأولى الصادر يوم الاثنين 15 نوفمبر 1886م، وليس فيه ما يشير إلى أنها سوف تتوقف، فقد نشرت المجلة مقالتين لهما بقية هما (القانون الطبيعى) وآخر عنوانه (الأرض أمنا).. ولكن جاء فى الصفحة الأخيرة من هذا العدد أنه «لشدة ارتباكنا بالفحص السنوى النهائى نستسمح القراء الكرام فى تأجيل صدور عدد النزهة لشهر ديسمبر المقبل وإن شاء الله نبيعهما تباعا والعذر عند كرام القوم مقبول». وعند حديثه عن مجلة (النزهة) يذكر قسطاكى الحلبى صاحب كتاب (تاريخ تكوين الصحف المصرية) أنها «نبذة نصف شهرية ثم أضحت جريدة أسبوعية صدرت فى أسيوط أولا ثم انتقلت للإسكندرية أصحابها جورجى خياط وخليل إبراهيم ويوسف تادرس»، إلا أننا لم نستطع العثور على أى من أعداد مجلة (النزهة) بعد عددها التاسع عشر، وهو الأمر الذى يتفق مع ثبت فهرس الدوريات الخاص بدار الكتب المصرية والذى يشير إلى أنها صدرت فى الفترة بين 15 فبراير 1886م و15 نوفمبر من نفس العام. وأغلب الظن أن (النزهة) قد توقفت عن الصدور ولم تتحول إلى صحيفة سكندرية حسبما يذهب قسطاكى الحلبى. ومن بعد (النزهة) أخذت الصحف الإقليمية، التى تصدر خارج القاهرة، فى الصدور الواحدة تلو الأخرى على مختلف أشكالها ما بين جرائد ومجلات وتنوع مضامينها ما بين صحف عامة وأخرى متخصصة. هذا ومن المتوقع أن تشهد البلاد العام المقبل، 2011م، مرور 125 عاما على ظهور أول صحيفة إقليمية عرفتها مصر