أسعار النفط التي فقدت نحو 70% من قيمتها خلال أقل من ستة أشهر أبدت رد فعل قوي مع بداية الأسبوع للأحداث الدامية التي تشهدها غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي الذي دخل يومه الثالث لتقفز الأسعار بأكثر من 10% متجاوزة ال 40 دولار. وتعد تلك التحركات السريعة لسعر النفط الخام مؤشر إلى إمكانية عودة العامل الجيوسياسي رغم استمرار تداعيات الأزمة العالمية كورقة ذات تأثير في اتجاه السوق البترولي، خاصة وأن الأحداث الراهنة قد بدأت تثير المخاوف إزاء أية تطورات مفاجئة تعوق الإمدادات النفطية من منطقة الشرق الأوسط والتي تسهم بنحو 33% من إجمالي المعروض العالمي. وقد تلقت أسعار النفط مع بداية الأسبوع دعما أيضا نحو الارتفاع وذلك بعد أن أعلنت الصين المصنفة كثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم عزمها على تعويض مخزون الطوارئ البترولي في ضوء المستويات المنخفضة الراهنة لأسعار النفط. كما يأتي ارتفاع أسعار النفط وذلك بعد تأكيد دولة الإمارات التزامها بإجراءات خفض إنتاج "أوبك" والتي تم الاتفاق عليها الشهر الماضي. وفيما يتعلق بتحركات الأسعار أشارت شبكة بلومبرج الإخبارية عبر موقعها الاليكتروني إلى ارتفاع سعر النفط الخام لعقود شهر فبراير الآجلة خلال التعاملات الاليكترونية في بورصة نيويورك للسلع بنحو 4.49 دولار أو ب 12% ليبلغ 42.2 دولار. وكان سعر النفط الخام قد قفز بنحو 6.7% في نهاية الأسبوع الماضي ليبلغ 37.71 دولار وهو ما اعتبر أعلى ارتفاع لسعر عقود فبراير الآجلة للنفط في بورصة نيويورك. وعلى الرغم من الارتفاع الملحوظ في أسعار النفط في نهاية الأسبوع الماضي في بورصة نيويورك إلا أن تراجع الأسعار على مدى الأسبوع قد قدر بنحو 11% خاصة وأن العقود الآجلة قد وصلت في 19 ديسمبر الماضي إلى ادني مستوياتها منذ نحو أربعة أعوام. وفي بورصة البترول الدولية بلندن ارتفع سعر عقود شهر فبراير الآجلة ب 4.81 دولار أو 13% ليبلغ 43.18 دولار. وكانت أسعار النفط الخام قد وصلت لمستوى قياسي حين ذلك في يوليو عام 2006 نتيجة الهجوم الإسرائيلي على جنوب لبنان حيث كان سعر الخام 78.4 دولار. وقد شهدت أسعار النفط تقلبات حادة العام الحالي لتصل إلي اعلي مستوياتها في يوليو الماضي بعد أن سجلت 147 دولار للبرميل في الوقت الذي يرجع فيه البعض إمكانية استمرار الارتفاعات وصولا لمستوي ال200 دولار خلال النصف الثاني من العام. غير أن التوقعات حاليا تشير إلي إمكانية بقاء الأسعار دون ال50 دولارا للبرميل وهناك إجماع بين المحللين علي أن الأسعار ستتراوح بين 25 و 50 دولار للبرميل. والواقع يؤكد حاليا أن الأزمة المالية الراهنة وما سببته من انهيار مالي طال اغلب الاقتصادات الكبرى قد أدت إلي انكماش ملحوظ في مستويات الطلب علي النفط في الوقت الذي ترجع فيه تقديرات وكالة الطاقة الدولية إمكانية استمرار تباطؤ معدلات الاستهلاك خلال 2009. وقد رجحت تقديرات سابقة قبيل تفجر الأزمة العالمية إمكانية تصاعد حجم الطلب علي النفط من دول مثل الصين والهند ليفوق مستويات المعروض. ويشير تقرير أوردته صحيفة شيكاغو تريبيون غلي انه خلال النصف الأول من 2006 وفقا جولدن ساكس ارتفع حجم الطلب العالمي علي النفط بنحو 500 ألف برميل يوميا في المتوسط ليصل إلي نحو 86 مليون برميل. غير أن الطلب تراجع في النصف الثاني من نفس العام بنحو مليون برميل يوميا. وتتوقع مؤسسة جولدن ساكس حدوث تراجع اضافي لحجم الطلب وذلك في حدود المليوني برميل يوميا خلال النصف الأول من 2009. ويري أحد المحللين إلي أنه بات من الواضح إمكانية تراجع الطلب علي النفط بشكل ملحوظ في الدول الناشئة مع احتمالات توقف ذلك النمو. ويوضح التقرير أن الوضع الراهن للاقتصاد العالمي أصبح وضعا بالغ الصعوبة حيث شهدت أسعار النفط تراجعا بنحو 28% وذلك بعد ثلاثة أيام من إعلان منظمة أوبك بان حجم التراجع الإجمالي الذي ستشهده الأسواق من قبل الدول الأعضاء سيكون في حدود ال4.2 مليون برميل يوميا اعتبارا من بداية العام المقبل.