بيروت: صدر حديثاً عن دار الساقي بالعاصمة اللبنانية بيروت كتاب جديد بعنوان "معارك التنويريين والأصوليين في أوروبا" من تأليف الكاتب والمفكر السوري المقيم بفرنسا هاشم صالح، ويقع الكتاب في 384 صفحة من القطع الكبير. يوضح صالح من خلال كتابه ما شكله عصر التنوير من بدايةً لنهضة أوروبا وتفوّقها، ولم يتحقّق هذا إلا بعد صراعات بين الانفتاح والتجديد من جهة، والتقاليد والهيكليات المتوارثة من جهة أخرى، كما شمل الصراع أيضاً السلطات الدينية القائمة. وبحسب الناشر يوضح المؤلف من خلال كتابه أسباب الصدام بين الأصولية الكاثوليكية والروح العلمية المتوثبة نحو الحداثة، مستنداً إلى كبار المفكرين أمثال ديكارت، روسو، فولتير، كنط، هيجل، سبينوزا وغيرهم. يؤكد المؤلف على نقطة في غاية الأهمية وهي الانفجار الفكري الذي يسبق الانفجار السياسي، ودور المعارك الفكرية في التغيير. ويتساءل عن موقع العرب اليوم من هذه الإشكالية بعد الانفجار الكبير للظاهرة الأصولية. ووفقاً لعمر كوش بصحيفة "البيان" يوضح الكتاب أهمية عصر التنوير بالنسبة إلى الأجيال اللاحقة في أوروبا، لأنها ما كانت لتستمتع بالحرية الفكرية لولا المعارك التي خاضها فلاسفة التنوير قبل مائتي سنة. ويشير المؤلف أن فلاسفة التنوير لم يكن هدفهم رفض الدين، أو حرمان الناس من أديانهم، وإنما جعلهم أكثر تسامحاً في فهم هذه الأديان وممارستها، إلى جانب تدشين مبدأ حرية الوعي والضمير للمرة الأولى في تاريخ الفكر البشري. وقد جاء التنوير كرد فعل على التعصب الديني الذي كان يضرب في أنحاء أوروبا، حتى القرن الثامن عشر على الأقل، حيث عانت أوروبا نتيجة هذه الصراعات الدينية واشتعلت فيها الحروب الأهلية على مدار القرنين السادس عشر والسابع عشر. ويستشهد المؤلف بمقولة تزفيتان تودوروف، التي اعتبر فيها أن أول شيء حرره فلاسفة التنوير هو فعل المعرفة ذاته، حيث كانت السيادة قبل ذلك لرجل الكنيسة والذي كان يؤمن الناس بجميع منا يقوله كأمر مسلم به دون مناقشة، أما بدءاً من عصر التنوير، فإن مرجعية المعرفة العليا لم تعد كذلك، وأصبحت التجربة العملية وإعمال العقل هما الأساس، فما يبرهن عليه العقل يصبح منطقياً أو ما تثبته التجربة عملياً يصبح صحيحاً، وأصبح العقل أداة المعرفة الأولى في عصر التنوير. وحلّ بذلك محل هيبة الأقدمين ورجال الدين. وبعد أن تحررت المعرفة من سلطة غيبيات رجال الدين المسيحيين أصبحت كل الاكتشافات الحديثة والمخترعات التكنولوجية ممكنة، بما فيها اكتشافات علم الفيزياء، ثم الكيمياء، والبيولوجيا، وحتى علم الاجتماع وعلم النفس.