صدر مؤخرا بالألمانية كتاب "محمد أسد من جاليزيا إلى شبه الجزيرة العربية" للدكتور د. مراد هوفمان، يكشف عن جزء مهم من حياة هذا المستشرق اليهودي الأصل الذي اعتنق الإسلام، وقضى ردحاً من عمره في الجزيرة العربية. وقدمت صحيفة "الشرق الأوسط" عرض للكتاب نشر لأول مرة باللغة الإنجليزية في المجلة الأمريكية للعلوم الاجتماعية الإسلامية عام 2002، ثم عام 2003 في مجلة مراجعة مفردات الكتب الإسلامية، وترجمه إلى العربية محمد يونس. وهنا نص المقال الذي يستعرض الكتاب. مرت الآن عشر سنوات على رحيل محمد أسد، الأوربي المسلم الأكثر تأثيراً في القرن العشرين. لكن عدا قصة حياته التي صاغها في كتابة الواسع الانتشار تحت عنوان «الطريق إلى مكة» في عام 1954، واللقاء الصحفي الذي أجرته معه جريدة «فرانكفورتر الغيماينه تسايتونغ» في 1988، وهي الجريدة التي عمل فيها في بداية حياته الصحفية، فإنه لم تتوفر حتى قبل فترة قصيرة دراسة شاملة وكافية لحياة هذا الرجل غير العادية. لكن هذه الفجوة اختفت الآن، على الأقل فيما يتعلق بالفترة التي سبقت اعتناقه الإسلام في برلين عام 1926، وفي القاهرة عام 1927، وهذا يعني تغطية حياته كطالب وسينمائي وصحفي، وتنتهي بتجهيزاته للسفر لأداء فريضة الحج. وهذه التغطية نشرت في كتاب بعنوان «من جاليزيا إلى الجزيرة العربية». المؤلف باحث متواضع، ولكنه نشيط يعمل في قسم علم الشعوب التابع لأكاديمية العلوم النمساوية في فيينا. كان يبحث بلا كلل في أدق تفاصيل غير مهتم بالسطحيات السنوات الأولى في حياة ليوبولد فايس. كشف الكتاب تفاصيل عن عائلة والدته فايغنباوم، ومصير والده وزوجة والده وإخيه الدكتور هاينرش فايس، وأخته الدكتورة راحيل فايس أثناء الحكم النازي، ومحاولات أسد لإنقاذهم من معسكرات الاعتقال. وأيامه في جامعة فيينا، حيث لم يدرس فقط تاريخ الفنون والفلسفة، ولكن الفيزياء والكيمياء أيضاً مع ايرفن شرودنغر الحاصل على جائزة نوبل في عام 1933. وهناك تفاصيل لطيفة عن محاولات أسد الدخول في دائرة المثقفين البوهيميين الشهيرة في فيينا آنذاك، ولاحقاً في برلين في بداية العشرينات. وقارن الكاتب أسد مع ثيودور هيرتزل، فكلاهما يهودي نمساوي وصحفي مندمج بالحياة الاجتماعية. فبينما اهتهم هيرتزل بالماركسية والصهيونية، وهي الشكل العلماني للفكرة الاستعلائية الكامنة خلف مقولة (شعب الله المختار) رفض أسد الصهيونية كحركة عنصرية شاذة. وفي كل الأحوال كان يعلم أسد علم اليقين بأن فلسطين لم تكن أرضاً بلا شعب. يضاف إلى ذلك اكتشافه لجذوره الإبراهيمية، من خلال فهمه للمبادئ الإسلامية القائمة على المساواة والكونية. وأكد ويند هاجر في كتابه «انطباعي عن أسد» بأن انبهاره في السنوات الأولى بالمشرق لم يكن له علاقة بالإسلام، ولكنه كان إعجاباً وتقديراً شديدين بالعرب وكل ما يتعلق بهم. وقد تأكد هذا الانطباع في أول كتب أسد «المشرق غير الرومانسي» عام 1924، وهو الكتاب الذي لم يترجم إلى العربية حتى الآن. وللحقيقة، فإنه حتى 1927 كان يبدو أن أسدا كان يعتبر الإسلام هو دين العرب. إن الحقبة الثانية في حياته لم تكن مليئة بالمغامرات فقط في المملكة العربية السعودية وليبيا والهند وباكستان والولايات المتحدة والمغرب وإسبانيا - ولكنها أيضاً كانت الفترة التي تطور فيها إلى مفكر وباحث رائد في الإسلام. لذلك، ومن أجل الوصول إلى تقييم صحيح للأثر الذي تركة أسد في مختلف جوانب العلوم الإسلامية، فإنه من المفترض على الكاتب أن يبحث بعمق أكثر في الإسلام كديانة سماوية، وليس كظاهرة ثقافية اجتماعية فقط.