دائما ما نري نحن العرب الأندلس جزءا من ماض نعتز به ، بينما يرى الغرب وعلي وجه الدقة بعضا منهم أن الأندلس كانت ولا تزال أرضهم التي غزاها المسلمون وما أنجزوه هناك يقوم به أي مستعمر أو غازي في الأرض التي يضع عليها قدمه. ويظل هذا الاختلاف قائما لن يتم حسمه. وعندما كانت الأندلس هدف للمؤرخين، المستشرقين وعلماء الآثار ، فقد قدم لنا الكاتب والمؤرخ الإسباني إدواردو مانثانو مورينو كتابا جديدا تحت عنوان "الفاتحون: الأمراء والخلفاء ..الأمويين وتأسيس الأندلس". ويطرح فيه مانثانو الأستاذ بالمجلس الأعلي للبحوث العلمية - وفق شيرين عصمت بجريدة "أخبار الأدب" المصرية الإسبوعية - نظرة جديدة لعصر يراه من أكثر العصور غموضا وجدلا في تاريخ شبه الجزيرة الإيبيرية وهو فترة الثلاثة قرون اللاحقة للفتح العربي عام 711م، والتي تحولت فيها أرض مسيحية ورومانية تعرف باسم إسبانيا إلي أرض إسلامية وعربية عرفت بالأندلس والتي كانت من أكثر المراكز الثقافية إشراقا في العالم. يقرر مانثانو أنه لا يجب طرح قضية الفتح العربي كما يطرحها بعض المتخصصين في السنوات الأخيرة إما من وجهة نظر محافظة تقول بأن الفتح كان تفتيت للمجتمع الإسباني وفرض وجود مجتمع آخر غريب عنه، وإما من وجهة النظر الأخري التي تري أن الفاتحين أثروا بالكاد في السكان الأصليين وأن الفتح كان استمرارا لتاريخ المجتمع الإسباني تحت حكم القوط.. لكنه يري أن المجتمع الأندلسي كان من التعقيد والتداخل بحيث يصعب الحكم عليه بهذه الطريقة القاطعة.. فقد كان أقرب إلي لوحة من الفسيفساء. وقد كسر إدواردو مانثانو حاجزا آخر في كتابه - وفقا لنفس المصدر - وهو الحاجز الذي يفصل بين دارسي العصور الوسطي من العالم المسيحي ومن العالم الإسلامي ، فكانت لديه الرغبة في توحيد العالمين ، لذلك استعان بدراستهما ودخل في مناظرة وجدال مع المصادر والمراجع من كلا الجانبين. قسم مانثانو كتابه إلي ثلاثة أجزاء كل جزء منهم يتحدث عن فترة تاريخية معينة.. فالجزأن الأول والثاني وعنوانهما الفاتحون و الأمراء يهتم فيهما الكاتب بالجيش، بإدارة البلاد، بالموارد، النظام الإجتماعي، الضرائب والثوار.. لقد اهتم بكل مظاهر الحياة المادية حتي عدة الزراعة وصناعة الفخار والابتكارات التقنية و الزراعية، وقد أولي إهتماما خاصا لنقطة هامة من وجهة نظره وهي كيف أن الفتح العربي إستطاع من خلال ما قام به من تنمية عمرانية وإستخدامه لموارد شبة الجزيرة إلي أن يتحول لشكل جديد من أشكال الحكم.. فهو يرى أن بناء المدن والجوامع لا يدل علي مظاهر الروعة والفخامة ولكنها إشارات لمميزات معمارية يوطدوا معها حكمهم، وقد أدهشه اشتراك الكثير من أهل البلاد الأصليين في تشكيل وتدعيم هذا الحكم خاصة أبناء الطبقة الأرستقراطية الذين تعاونوا مع الفاتحين في مقابل مكاسب جيدة لهم ، فقد رأوا في هؤلاء الفاتحين ضمانا للدفاع عن مصالحهم كما أن العرب جنوا الكثير من هذه التحالفات ، بمعني آخر قام الفتح بتحولات عميقة، ليست تحولات جوهرية عن طريق نشر الدين الجديد إنما عن طريق التوسع العسكري التي سهلته قطاعات واسعة من هؤلاء الأرستقراطيين. فيري الكاتب أنه تعامل هنا مع حالة لا تختلف كثيرا عن الفتح الروماني إسبانيا أو الاستعمار الإسباني لأمريكا اللاتينية والذي نتج عنه تحولات اجتماعية وثقافية جوهرية بعد زمن طويل. أما الجزء الثالث من الكتاب فقد خصصه لفترة الخلافة الأموية التي بدأت عام 929م حتي أفول نجم الدولة الأموية في عام 1031م، ووضع له اسم الخلفاء . فالكاتب يريد في هذا الجزء أن يصل للحظة التي تحولت فيها الأندلس بالكامل إلي مجتمع إسلامي، وفي هذه الفترة تأسس ما يسميه مانثانو "بالنظام الإسلامي" وهو مجموعة من الممارسات الدينية والقواعد القانونية والاجتماعية التي وضعت بطريقة تجعل من اليسير تنظيم المجتمع حسب تعاليم الدين الإسلامي. ويعد هذا الكتاب الفاتحون، الأمراء والخلفاء هو حلقة في سلسلة أعمال إدواردو مانثانو مورينو التي اهتم فيها دائما بتقديم تاريخ الأندلس سواء كان داخل إسبانيا أو خارجها والتي من أهمها حدود الأندلس في عصر الأمويين (1991)، وتاريخ المجتمعات المسلمة في العصور الوسطي (1992).