«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤلف "سلّام": لماذا نقدس صنيع الأجداد حتى ولو مخطئين؟
نشر في محيط يوم 12 - 03 - 2009


لماذا نقدس صنيع الأجداد حتى ولو مخطئين؟
هاني نقشبندي
محيط - شيماء عيسى
بدا هاني نقشبندي الإعلامي السعودي ومؤلف رواية "سلّام" - التي نحن بصددها - هادئا ومستعدا للنقاش الموضوعي حول روايته ، بل على العكس أراد أن يظهر ما التبس على بعض قراء الرواية من أفكار ، فظنوا أنه ضد الفتوحات الإسلامية وأنه متحيز للغرب وأنه سعيد بسقوط الأندلس وطرد المسلمين منها ..
وقال في بداية حديثه : أنا أكثركم عشقا للأندلس وتمنيا لو كان الإسلام مزدهرا فيها . ولكني أرى صداما قريبا بين المسلمين والغرب وأردت التحذير منه ، كما أنني مستعد للنقاش مع من يرفضون أطروحاتي وسأكون أسعد إذا ثبت لي خطأي فأنا أديب ولست مؤرخا .
محيط : ما هي الأفكار الرئيسية التي أردت التعبير عنها في "سلّام" ؟
نقشبندي : دعيني بداية أقول أن تاريخنا العربي والإسلامي مليء بالأساطير ، فمثلا حينما بحثت عن قصة إحراق طارق بن زياد للسفن التي عبر بها والجيش للضفة الغربية من الأندلس ، حتى يقطع الطريق على الجيش للعودة ويجبرهم على الموت أو القتال في هذه الأرض البعيدة ، هذه القصة لم أقرأها إلا في كتاب "نزهة المشتاق" للإدريسي ، وقد كتبها بعد ستة قرون من فتح الأندلس ويشكك الكثيرون بها ، وحتى لو فرض أن القصة حقيقية فإن ذلك يعني أن طارق خان الأمانة لأن هذه السفن أعطاها له حاكم سبتة ليعينه على الحاكم القوطي فكيف إذن يحرق السفن !
وتدهشني أثناء قراءة تاريخ الأندلس أمور كثيرة منها مثلا أن الحاكم الأموي العادل والملقب بخامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز أمر الجيش الإسلامي بالإنسحاب من الأندلس لبعد المسافة وصعوبة نجدتهم ، ولكن ذلك لم يحدث . ثم تدهشني مسألة أخرى وهي أنه إذا كان المسلمون قد دخلوا الأندلس بداية لتمكين حاكم سبتة ضد الملك القوطي الظالم لذريق ، ثم تحول الأمر لهدف التوغل بنية نشر رسالة الإسلام ، فما الذي نشره المسلمون بعد تسعة قرون ، لم ينشروا الرسالة وتوطنوا فقط بالأرض !
وأردت من خلال الرواية أن أواجه من يسمون أنفسهم بالأصوليين ، أو المعبرين عن الأصولية الإسلامية ، وهم لا يعبرون إلا عن أنفسهم وأفقهم الضيق ، وممارساتهم بعيدة عن الإسلام بمذاهبه الأربعة المعروفة . وأي منهم يرفض الآخر بل ويكفره وهو مثله مسلم ، فما بالنا بالآخر من الديانات الأخرى سماوية أو غير سماوية . وأدى لذلك انتشار أعمال العنف التي يفهمها الأوروبيون على أنها مقبولة لدى المسلمين مثل التفجيرات التي يروح ضحيتها الأبرياء حول العالم ، ومنها تفجيرات لندن أو مدريد أو تفجير برجي التجارة العالميين في امريكا .
أردت من خلال الرواية أن أوضح أنه بالحب تنشر الدين وليس بالصدام والعنف ، والآخر هذا ولنقل مثلا الأوروبي أو الأمريكي عنده "ألف غلط وغلط" ، مثل كل صور الإستعمار التي تحدث حاليا ، ولكننا المسلمين أصحاب رسالة حضارية ودينية لا تتعدى على الآخرين الأبرياء .
ما أعتقد فيه أن الأندلس كانت مهدا لصراع الإسلام والمسيحية ، وهذا لم يحدث في بلاد فارس ولا بلاد الشام التي فتحها المسلمون ، وأرى كذلك أن الحملات الصليبية جاءت ردا على دخول المسلمين للأندلس ، ومن هنا نشأ صراع الديانات والحضارات .
وبرأيي أن الأديان في طبيعتها تزدري لأنها تقوم على عقائد مختلفة جذريا ، وأنا أتفق مع نظرية صدام الحضارات ، ولذا يصعب أن يكون هناك حوارا حقيقيا بين الديانات ، وإنما المطلوب هو على الأقل احترام العقل . وأرى كذلك أن أسبانيا حينما تقيم احتفالية بمرور 400 عاماً على خروج العرب والمورسيكيين من الأندلس فإن ذلك لا يعني شماتة بهم وإنما رغبة في أن يبدأ النقاش مع الآخر المسلم ، ورغبة في طوي صفحة النزاع ، وهذه الإحتفالات ينبغي على العرب ثقافيا ورسميا وشعبيا حضورها ، ولكن هذا لم يحدث ، فلا تجدين أية وسيلة إعلامية عربية تهتم بالأمر ولا مثقف يزور اسبانيا استعدادا للمشاركة ، وهذا ما أعتبره نابعا من أنهم يعتبرون أن الأندلس كانت حقا لهم وسلب منهم ، أعني العرب أو المسلمين عموما .
قصر الحمراء - الأندلس
المبرر الأخلاقي
محيط : جاء على لسان "سلّام" بطل روايتك أن المسلمين احتلوا الأندلس ولم يفتحوها.. فهل تتبنى شخصيا هذا الرأي ؟
نقشبندي : نعم . ربما كان الغرض في البداية هو الفتح على يد موسى بن نصير والقائد طارق بن زياد بدعم الحاكم الأموي ، ولكنه تحول لأغراض سياسية واقتصادية بعدها بعيدة عن نشر الدين . وهنا التساؤل : ألم يكن السبب الديني هو المبرر الأخلاقي لدخولي الأندلس ؟ ، وما الذي يجعلني أحضر معي وقت دخول الأندلس قبائل عربية وبربرية تتوطن بالأرض ، أليس ذلك هو الاحتلال إذا انتفى منه الغرض الديني ؟ .
فرنسا حينما دخلت العواصم والمدن العربية ألم نسمي ما فعلته استعمارا؟ وكان كذلك بالفعل لأنهم لم يكن لهم رسالة ، وكانوا يرغبون في توسيع رقعة امبراطوريتهم وازدياد نفوذهم ونهب خيرات البلاد . ولذا أكرر أنني رفضت استمرار وجود المسلمين في الأندلس ولست ضد وجودهم هناك من البداية ، وأكرر أيضا أن العرب والمسلمين حينما دخلوا بلاد الشام وفارس والهند كانت لديهم رسالة عظيمة بفضلها انتشر الإسلام هناك ، وكنت أتمنى لو فعل المسلمون ذلك في الأندلس ، وأقول أنه من الغباء أن يضيعوا 900 عاما ولا ينشروا الدين هناك .
المسيحية الكاثوليكية دخلت أسبانيا متأخرى جدا نحو 587 م وكان بها أجناس كثيرة مثل القوط وغيرهم ، أي أنها دخلت قبل قرن ونصف تقريبا فقط من فتح العرب للبلاد ، وكانت الفرصة سانحة لنشر الإسلام بالفعل ولكن لم يحدث . وللنظر للعكس فاسطنبول كان لديها 1400 سنة في ظل المسيحية وكانت من عواصم الكاثوليكية ولكننا الآن نجد أن كل أهلها مسلمين وانتشر الدين وفي القسطنطينية على يد محمد الفاتح . ماذا فعل المسلمون في الأندلس ، بنوا جامعا او قصرا ، هل هذا هو الغرض ؟ .
ننتقل لنقطة أخرى ، بناء الحضارة لا يعطيك أي حق في التواجد بالأرض ولا أية شرعية ، وإلا لكان للفرنسيين الحق في استمرار الوجود في العالم العربي الذي أدخلت له المدنية والتحضر بأشكالهم الصناعية والثقافية وغيرها .
إذن رسالتي أنه لابد من الحوار مع الآخر ، ومع ذلك فدعيني أقول أن الصدام قادم قادم لا محالة ..
محيط : ما ذكرته يرد عليه باحثون بأن الأسبان استنجدوا بالمسلمين من حكم القوط الجائر ؟
نقشبندي : ليس صحيحا . من استنجد هو حاكم سبتة تحديدا ، وكانت الدولة الإسلامية الأموية قوية فطلب منها وقت أن شهدت البلاد انقلابا سياسيا أن يعينوه على الحاكم القوطي لذريق . واستشار المسلمون الحاكم الأموي الوليد بن عبدالملك فأشار عليهم بالذهاب . ودخلت حامية يقودها طريف بن مالك للأندلس وإلى اليوم ظلت مدينة على الشاطيء الإسباني باسمه "طريف" ، بعدها دخل جيش البربر من المغرب وكان قوامه نحو 7000 آلاف ، وتواتر دخولهم لنحو سبعة أشهر ، وكانت هناك مصادمات كثيرة بين المسلمين أنفسهم ما بين عرب وبربر ، حتى جمع موسى بن نصير نحو 19 ألف عربي في قوة جديدة ، وهكذا .
الأثر الديني
محيط : ألا ترى أن العرب قد تركوا حضارة زاهرة في الأندلس ؟
نقشبندي : لنتفق على النقطة الهامة ، الحضارة لا تعطي شرعية في الأرض ، ونحن نتحدث عن الثانية . فمثلا نابليون بونابرت ترك حضارة في مصر ولكنه محتل ، وإسرائيل دولة اليهود لديها صناعة وطاقة نووية وزراعة متقدمين للغاية في الأراضي التي احتلتها منذ 1948 في فلسطين ، فهل نعدهم أصحاب الأرض ؟ بالطبع يستحيل .
ثم تلاحظون أنني لم أتحدث عن التواجد الإسلامي في بلاد فارس او تركيا او غيرهم ، لأن الإسلام ظل هناك رغم انحسار الحكم الإسلامي والعربي كقومية لفترات من التاريخ ، ونعرف أن كبار علماء المسلمين خرجوا من بلاد فارس من خراسان وبخارى ، مثل الخوارزمي والإمام البخاري وابن جبير ، اما العلماء العرب فكانوا أقل ممن أفرزتهم بلاد فارس .
ثم تجيء ردود على فكرتي أحيانا بأن الأسبان قد أحرقوا كتب المسلمين ، وأقول ألم يحرق حاكم الأندلس المسلم في دولة الموحدين كتب ابن رشد بنفسه ؟ ، ودعونا من كل ذلك فنحن لا نناقش أثر العرب هناك صناعيا ولا ثقافيا ، ولكن أثرهم دينيا .
محاكم التفتيش بريشة فنية
محيط : ومحاكم التفتيش التي جاءت بعد سقوط غرناطة وضياع الأندلس .. والتي أذاقت المسلمين صنوف العذاب ، ألا ترى أنها هي الآخرى تسببت في ضياع الإسلام من الأندلس ؟
نقشبندي : لا . لأن من تنصر من المسلمين في الأندلس عددهم أكبر ممن دخلوا الإسلام من الأسبان للأسف ، ومحاكم التفتيش هذه كانت في آخر خمسين عاما من تواجد المسلمين بعد سقوط حكمهم وبدأت تحديدا نحو 1516م بينما سقطت غرناطة 1492م . ولنقارن هل لو كان الإسلام انتشر بين الأسبان أكانت تلك المحاكم قادرة على أن تجبرهم جميعا على التخلي عن دينهم ، بالطبع لا ، إذن هي أخرجت المسلمين الذين وفدوا فقط على الأرض وليس أهلها الأصليين.
كما أن محاكم التفتيش لم تضطهد المسلمين فحسب ، ولكنها اضطهدت كذلك اليهود في الأندلس وكل من هم غير مسيحيين كاثوليكيين . وبالمناسبة فقد تعرضت لانتقادات كثيرة بعد صدور الرواية وكفرني البعض وجرحوا في ، وطلبت منهم فقط أن يواجهني المعترضين على أفكاري بأفكار بديلة ونتناقش فيها ونفند هذا وذاك للوصول للحقيقة ، وربما عدلت عن آرائي ، ولم يحدث قط ، وهذا هو ما أعنيه بالصدام والذي لا أتمنى أن نكرره في الأندلس ولا في غيرها .
أمة رسالة
محيط : إذا فرضنا صحة ما قلت ، ألا ترى أن توسعة رقعة الإمبراطورية الإسلامية يصب في خدمة الدين ، وخاصة أن سنة هذا العصر كانت التمدد الجغرافي للإمبراطوريات الكبرى؟
نقشبندي : لا أرى ذلك . امبراطورية الإسلام لم تكن يوما امبراطورية عسكرية . نحن امة رسالة ولسنا من أتباع جنكيز خان الذي توسع لأسباب سياسية واقتصادية ، ولا نحن اتباع قيصر روما . وديننا لا يدعونا للعدوان على الآخرين ولا انتهاكات الحضارات الأخرى والأمم والأراضي لمجرد الإحتلال . فحينما ندخل بيوت وأراضي الشعوب الأخرى وننسى رسالتنا يجب أن نعترف أننا أخطأنا وما كان لنا التواجد .
والدليل أن التوسع طيلة هذه القرون لم يصب في خدمة الدين بل بالعكس . ونحن أمة تقدس أفعال أجدادها حتى لو لم يكونوا على حق . في لندن يوجد متحف ترجمة اسمه "مغارة لندن" حينما دخلته وجدت صور وبيانات تفضح التاريخ الأسود للشعب الإنجليزي من أكثر من 200 سنة ، مثلا كيف كانوا يعالجون أمراض اليد ببترها ، وكيف كانوا يعذبون المخالفين لآرائهم ، وهم لم يخجلوا من كشف ذلك ، لأنهم يعلمون أن تاريخ الشعوب لا يكون أبيضا دائما ، ويؤكدون أننا حينما نتذكر الأخطاء فإننا نسعى للتعلم منها وعدم تكرارها وإدانتها . وهذه الثقافة غائبة تماما عن العالم العربي
محيط : من من المؤرخين العرب استرشدت بكتاباتهم قبل الشروع في روايتك ؟
نقشبندي : كتابة رواية يختلف عن كتابة دراسة أو بحث ، فهي لا تعتمد على فكر الآخرين وإنما على ذاتك . وأقول أن معظم الكتب التاريخية الحالية مؤلفوها من الباحثين وليسوا المؤرخين ، لأن المؤرخ هو من اقترب من الأحداث ليرويها سواء بالمشاهدة أو السماع والنقل عن الآخرين ، أي كان معاصرا للأحداث . ولكني استفدت من كتابات باحثين كبار مثل عبدالله مؤنس وجورجي زيدان وغيرهم ، كما قرأت العديد من الكتب المترجمة وأمهات الكتب التراثية ومنها كتاب " البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب" للعلامة المؤرخ المراكشي .
أما روايتي فهي انطباع شخصي واستنتاج خاص بي وقد يكون خاطئا لأنني لست مؤرخا ولا باحثا ، أنا اديب فحسب . وكان دافعي لكتابة "سلّام" حبي الشديد للأندلس ورغبتي في ألا تتكرر مآسينا ، وأحزن لأن الأندلسيين الموجودين حاليا لا يتذكرون شيئا عن الوجود العربي هناك لأن ملوك كثيرين مثل فرانكو قطعوا أي علاقة بين أوروبا والإسلام . وأنا على يقين من أن جنوب أسبانيا واقليم الأندلس سيزدهر فيه الإسلام وليس بالعنف إنما بالقدوة الحسنة . وقد زرت بيوت العديد من الأندلسيين الذين اكتشفوا أن أصولهم إسلامية وعادوا للإسلام مع احتفاظهم بالمواطنة الأسبانية .
فتوحات المسلمين
محيط : يرى بعض الباحثين أن معظم الفتوحات الإسلامية اعتمدت على العمل العسكري ، ولم ينتشر الإسلام تلقائيا إلا في أواسط آسيا تقريبا ، فما تعليقك؟
نقشبندي : باختصار أقول ، إذا كنا نترك غزة تقتل آلة الحرب الإسرائيلية أهلها وتهدم فوقهم منازلهم وتدك المدينة دكا ، ولم نتحرك لإنقاذهم ، فهل سنحرك جيشا عربيا لغزو أسبانيا ؟ ! . كما أن الإسلام بعد ان انتشر في كل أنحاء العالم لا يحتاج لتظاهرات ولا أعمال عسكرية لنصرته ، ولكنه بحاجة على من يدعو له بالحكمة وبالمنطق ومن يكون قدوة حسنة يراها العالم ويدخلوا الدين بسببها .
محيط : حملت في الرواية على لسان "سلّام" العرب مسئولية الصدام ، رغم أنهم هم المعتدى عليهم في عالم اليوم . فلماذا ؟
نقشبندي : أي سياسي لكي يتخذ قرارا صائبا لابد أن يضع نفسه في محل عدوه وينظر بعينه للأمور . وأنا أرفض رؤية المفكر محمد أركون الذي يرى أن الغرب لا يعترف بالدين الإسلامي ، فأنا أرى من واقع احتكاكي الدائم بالشعوب الغربية أنهم لا ينكرون الإسلام وإنما يجهلونه ، كما أن النماذج المقدمة لهم تمثل الإسلام سيئة وتزيد خوفهم من المسلمين فيما يسمى حاليا "الإسلاموفوبيا".
أوروبا تحديدا قدرها أن تقع بين كماشتين إسلاميتين قويتين ، هي تركيا من جانب والعالم العربي من جانب آخر ، وكل منهما له الدفق الفكري القوي الخاص به ، وتجدون أنها دائما تتخذ سياسات حذرة من العالم الإسلامي وشبه عدوانية كثيرا . ولكن أوروبا كذلك لديها محاولات لفهم الإسلام ففي جامعة هولندية في أمستردام عثرت على قسم الدراسات الإسلامية والذي افتتح قبل أكثر من 400 عام . وخوف الأوروبيين مكمنه المد الإسلامي المتنامي هناك.
بالمناسبة ففي البداية كنت سأصدر أفكاري هذه في صورة بحث ولكن مديرة دار الساقي رجحت لي فكرة الرواية لأنها أوسع انتشارا هنا في العالم العربي وتصل بسهولة للناس.
محيط : ما هو مشروعك الفكري المقبل في هذا الإطار ؟
نقشبندي : أنا ضد أن أضع نفسي في خانة واحدة ، ولا يشترط أن أكتب عن صدام الحضارات مجددا بعد أن طرحتها في "اختلاس" و"سلّام" ، وروايتي القادمة هي دعوة لإلغاء الحواجز بين البشر ، وأستطيع أن أقول أن كتاباتي عموما تدعو للتسامح بأشكاله.
"سلّام" .. قصة أمير تطارده لعنات قصر الحمراء
نقاد : "سلّام" .. رواية المحاكمة الصعبة
د. كحيلة : الجغرافيا والإبادة وراء رحيل الإسلام عن اسبانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.