بدء تقديم كلية الشرطة 2025 اليوم «أون لاين» (تفاصيل)    اليوم، الهيئة الوطنية للانتخابات تعقد مؤتمرا صحفيا لإعلان الاستعداد لانتخابات الشيوخ    هبوط كبير في عيار 21 الآن.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة    إسرائيل تهدد حماس بإجراء مرعب في غزة حال فشل التوصل إلى اتفاق    «محاولة خبيثة».. أول رد إيراني على العقوبات الأمريكية الجديدة بشأن سفن النفط والطاقة    «مصرُ» و«غزة»... التاريخُ يشهدُ بما يُغنينا عن الكلام    مديرة الاستخبارات الأمريكية تتوعد المتورطين بفبركة تقارير التدخل الروسي المزعوم    زلزال جديد يضرب جزيرة روسية بقوة الآن    الكابينت الإسرائيلي يناقش ضم مناطق في غزة حال عدم التوصل إلى اتفاق مع حماس    حرمه منها كلوب وسلوت ينصفه، ليفربول يستعد لتحقيق حلم محمد صلاح    موعد مباراة الأهلي الأولى في الدوري المصري    سائق نيسان «أوليفر رولاند» يتوج ببطولة العالم للفورمولا e في إنجلترا    اللقطات الأولى لخروج قطار عن القضبان واصطدامه برصيف محطة السنطة في الغربية (فيديو)    أمطار وانخفاض درجات الحرارة.. بيان هام من الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة    توقعات الأبراج وحظك اليوم الخميس.. طاقة إيجابية في انتظار هذا البرج    هشام عباس بذكريات "التسعينيات" وفريق وسط البلد ب"تكتيك مبتكر" يشعلان حفل الصيف بالإسكندرية (فيديو)    أقوى رد على شائعة طلاقهما، رامي رضوان يفاجئ دنيا سمير غانم بعرض "روكي الغلابة" (فيديو وصور)    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    احذروها في الصيف.. 7 مشروبات باردة تهدد حياة مرضى الكلى    الدفاع الروسية: اعتراض 13 مسيرة أوكرانية فوق مقاطعتي روستوف وبيلجورود    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. مصرع شخصين بين أبناء العمومة    اتحاد الدواجن يكشف سبب انخفاض الأسعار خلال الساعات الأخيرة    نقيب السينمائيين: لطفي لبيب أحد رموز العمل الفني والوطني.. ورحيله خسارة كبيرة    رامي رضوان ودنيا سمير غانم وابنتهما كايلا يتألقون بالعرض الخاص ل «روكي الغلابة»    حنان مطاوع تنعى لطفي لبيب: "مع السلامة يا ألطف خلق الله"    بالأسماء| ننشر حركة تنقلات وترقيات قيادات وضباط أمن القاهرة    بمحيط مديرية التربية والتعليم.. مدير أمن سوهاج يقود حملة مرورية    مذكرات رجل الأعمال محمد منصور تظهر بعد عامين من صدور النسخة الإنجليزية    من بيتك في دقائق.. طريقة استخراج جواز سفر مستعجل (الرسوم والأوراق المطلوبة)    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 31 يوليو 2025    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    «الصفقات مبتعملش كشف طبي».. طبيب الزمالك السابق يكشف أسرارًا نارية بعد رحيله    إيرادات أزور تتجاوز 75 مليار دولار ومايكروسوفت تحقق أرباحا قياسية رغم تسريح الآلاف    يعشقون الراحة والسرير ملاذهم المقدس.. 4 أبراج «بيحبوا النوم زيادة عن اللزوم»    التوأم يشترط وديات من العيار الثقيل لمنتخب مصر قبل مواجهتي إثيوبيا وبوركينا فاسو    ختام منافسات اليوم الأول بالبطولة الأفريقية للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم 2026    في حفل زفاف بقنا.. طلق ناري يصيب طالبة    مصرع شاب وإصابة 4 في تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    التنسيقية تعقد صالونًا نقاشيًا حول أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بالشيوخ    إغلاق جزئى لمزرعة سمكية مخالفة بقرية أم مشاق بالقصاصين فى الإسماعيلية    نشرة التوك شو| انخفاض سعر الصرف.. والغرف التجارية تكشف موعد مبادرة خفض الأسعار..    بعد 20 سنة غيبوبة.. والد الأمير النائم يكشف تفاصيل لأول مرة (فيديو)    هل يعاني الجفالي من إصابة مزمنة؟.. طبيب الزمالك السابق يجيب    مدير تعليم القاهرة تتفقد أعمال الإنشاء والصيانة بمدارس المقطم وتؤكد الالتزام بالجدول الزمني    القبض على 3 شباب بتهمة الاعتداء على آخر وهتك عرضه بالفيوم    شادى سرور ل"ستوديو إكسترا": بدأت الإخراج بالصدفة فى "حقوق عين شمس"    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 31 يوليو 2025    هل تتأثر مصر بزلزال روسيا العنيف، البحوث الفلكية تحسمها وتوجه رسالة إلى المواطنين    حدث ليلًا| مصر تسقط أطنانا من المساعدات على غزة وتوضيح حكومي بشأن الآثار المنهوبة    تنسيق المرحلة الأولى 2025.. لماذا يجب على الطلاب تسجيل 75 رغبة؟    حياة كريمة.. الكشف على 817 مواطنا بقافلة طبية بالتل الكبير بالإسماعيلية    أسباب عين السمكة وأعراضها وطرق التخلص منها    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبتة ومليلية .. صراع تاريخى بين المغرب واسبانيا
نشر في أخبار مصر يوم 17 - 12 - 2007

شكلت مشكلة مدينتى سبتة ومليلية مصدرا للتوتر بين المغرب واسبانيا طيلة القرون الماضية وأدى ذلك فى اوقات متعددة إلى أن تصبح العلاقات الثنائية بين البلدين ورغم متانتها معرضة دائما للهزات باستمرار بمجرد حدوث أي موقف يتعلق بهذه المشكلة وكذلك في نزاع الصحراء الغربية التي كانت تستعمرها اسبانيا.
وقد عاد ملف المدينتين سبتة ومليلية المتنازع حول سيادتهما مرة أخرى للتسبب في تصدع جديد في العلاقات بين الدولتين فى الآونة الأخيرة بعد أن كانت هذه العلاقات فى أوج تقاربها حيث قام ولي عهد اسبانيا الأمير فيلبي بزيارة مدينة مراكش الثلاثاء الماضى 30/10 لافتتاح معهد سيرفانتيس الثقافي وهو السادس من نوعه في هذا البلد العربي وكذلك أجرى وزيرا خارجية البلدين، الطيب الفاسي الفهري وميجيل آنخيل موراتينوس مباحثات فى اليوم نفسه وصفت بالودية حيث أثني كل بلد على آخر بالتعاون المستمر في مكافحة الارهاب والهجرة السرية وارتفاع التبادل التجاري ولكن في اليوم التالى مباشرة قلب الوضع الى النقيض وتغير كل شيء وأصبحت العلاقات على حافة أزمة حقيقية عندما أعلن ملك اسبانيا خوان كارلوس زيارة مدينتي سبتة ومليلية يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين، فى زيارة تعد الأولى من نوعها بعد وصول خوان كارلوس الى العرش وتفيد الكثير من المصادر التاريخية والسياسية أن هناك اتفاق بين المؤسستين الملكيتين المغربية والاسبانية عدم الاقتراب من هذا الملف لتفادي أي حرج ولذلك فإن المؤسسة الملكية بزيارتها هذه تخرق عرفا بين البلدين يقضي بعدم زيارة أي ملك اسباني للمدينتين ، وعلى الرغم أيضا من أن العلاقات الإقتصادية بين المغرب وإسبانيا تعتبر في حالة جيدة ويشهد عليها واقع الإستثمار الإسباني بالمغرب - بحيث أن إسبانيا تعد الشريك الإقتصادي الثاني بالنسبة للمغرب بعد فرنسا ، التي تعد الشريك الأول - فإن العلاقات السياسية والديبلوماسية بين البلدين لا تتناسب وحجم التبادل الإقتصادي والتجاري.
وكانت آخر أزمة خطيرة بين البلدين هي تلك التي وقعت في أكتوبر 2001 عندما سحب المغرب سفيره من مدريد بعدما احتج على إجراء استفتاء تقرير المصير في برلمان الأندلس لصالح جبهة البوليساريو التي تنازعه السيادة على جبل طارق، حيث ساد غياب الحوار في ملفات مثل الهجرة والارهاب وكادت تنتهي بمواجهة عسكرية حول جزيرة صغيرة تسمى ثورة ومعروفة كذلك باسم ليلى تقع في مضيق جبل طارق، كذلك فقد كاد رئيس الوزراء الاسباني خوسيه لويس ثاباتيرو، أن يحدث أزمة حينما قام في العام الماضي 2006 بزيارة إلى المدينتين وصفتها الصحف المغربية بأنها "غير مناسبة"، هذا وبينما كان الجميع يعتقد في تحسن العلاقات مع وصول الحزب الاشتراكي الى الحكم تأتي الأزمة الجديدة من خلال سحب المغرب لسفيره من اسبانيا يوم الجمعة 2/11 احتجاجا على زيارة الملك خوان كارلوس الى سبتة ومليلية لتشهد العلاقات الثنائية أنها مقبلة على أزمة جديدة.
أهمية موقع مدينتى سبتة ومليلية وجذور الصراع
تظل قضية سبتة ومليلية وبعض الجزر الأسبانية الصغيرة قبالة الساحل الافريقي مثل بلازاس وسوبيرانيا وجزر الكاناري ، من أهم القضايا الثقيلة التي تجعل العلاقات بين المغرب وإسبانيا تتأرجح دوما بين الهدوء والتوتروقد دلت التطورات الأخيرة في شهر يوليو الماضي بسبب أزمة جزيرة ليلى المغربية ، على أن ملف المناطق المغربية المحتلة يمكن أن يكون سببا للنزاع العسكري ، ويبقى مرشحا باستمرار لإشعال حرب في هذا الجزء من المتوسط .
فتعتبر مدينتا سبتة ومليلية إحدى أوجه المجابهة بين العالم الإسلامي وأوربا الكاثوليكية في فترة الحروب الصليبية في القرن الخامس عشر الميلادي ، والتي كان البحر المتوسط مسرحا لها ، فمنذ وقت طويل ارتبط مصير المدينتين بالمضيق البحري العام الذي يربط المتوسط بالمحيط الأطلسي. وقد دفعت مدينة سبتة طوال مرحلة المواجهة بين أوربا والعالم الإسلامي من خلال الحملات الصليبية ثمن موقعها الجغرافي الإستراتيجي الذي جعلها بوابة العالم الإسلامي للزحف على أوربا ، ومنفذ الصليبيين لإحكام السيطرة على أراضي الإسلام ، وتحويله إلى قلعة ضد تمدد أطراف العالم الإسلامي نحو القارة الاوروبية
وتعود بداية سقوط المدينتين تحت الإحتلال الأوربي إلى ضعف إمارة بني الأحمر في غرناطة في القرن الخامس عشر الميلادي حين بدأ الخلاف يدب بين أمراء المسلمين في الأندلس فانتهز زعماء قشتالة - إسبانيا حاليا - والبرتغال الفرصة للقضاء على الوجود الإسلامي في هذه البقاع ، فيما سمي بحروب الإسترداد، وكانت غرناطة آخر هذه القلاع التي سقطت عام 1492م . والمعروف تاريخيا أنه بعد سقوط الأندلس ، أطلق بابا الفاتيكان يد إسبانيا في الساحل المتوسطي للمغرب ، والبرتغال في الساحل الأطلسي.
ولعل أوروبا النصرانية كانت تتطلع إلى احتلال هذا الثغر الإسلامي وتحويله إلى قلعة ضد تمدد أطراف العالم الإسلامي نحو القارة الأوروبية، والتى كانت مدينة سبته المنفذ لعبور الفتح الإسلامى نحو الأندلس في عام 711م حتى سقطت في يد البرتغاليين عام 1415م .
فلقد تمتعت سبتة دوما بموقع استراتيجي متميز لذلك سيطر عليها الرومان في عام 42 بعد الميلاد، وبعد ذلك بنحو 400 عام طردت قبائل الفاندال الرومان من المدينة ثم سيطر عليها البيزنطيون فالقوط القادمين من أسبانيا ثم جاء الفتح الاسلامى للقارة الاوروبية بقيادة الفاتح" طارق بن زياد" نحو الأندلس آنذاك في عام 711م واستمر إلى أن احتلها البرتغاليون عام 1415 بقيادة الأمير هنري البحار الذي كان يهدف إلى القضاء على نفوذ المسلمين في المنطقة ونشر المسيحية.
وأصبحت المدينة اسبانية عندما تولى فيليب الثاني ملك أسبانيا عرش البرتغال عام 1580، وبعد اعتراف أسبانيا باستقلال البرتغال تنازلت الأخيرة بمقتضى معاهدة لشبونة 1668 عن سبتة لأسبانيا، بقيت مليلية تقاوم جيوش الإسبان حتى سقطت عام 1497م ، في إطار خطة عامة للإسبان والبرتغاليين لمحاصرة أقاليم الغرب الإسلامي واحتلال أراضيه وتغيرت السيادة على المدينة بين القوى المحلية وسادتها حالة من عدم الاستقرار ويذكر أنه لا يوجد ممر يربط بين مدينتي سبتة ومليلية الخاضعتين للادارة الأسبانية داخل الأراضي المغربية. ومنذ استقلال المغرب عن فرنسا وأسبانيا وهي تطالب بمدينتي سبتة ومليلية وبعض الجزر .
ومنذ عام 1992 أصبحت سبتة ومليلية تعتبران بمثابة إقليمان يتمتعان بالحكم الذاتي، ولذلك فانهما لا تندرجان في إطار قاعدة البيانات الانتخابية في أسبانيا.
محاولات المغاربة المستمرة لاستعادة سبتة وميلية
وقد حاول المغاربة في القرون التالية لاحتلال المدينتين استعادتهما ، وكان أبرز هذه المحاولات محاولة المولى إسماعيل في القرن السادس عشر الميلادي ، حيث حاصر المسلمون في هذه الفترة مدينة سبتة ولم يقدر لهم أن يفتحوها ، وكذلك محاولة المولى محمد بن عبد الله عام 1774م لمحاصرة مدينة مليلية ، ولم يفلح المسلمون في تخليصها من يد الإسبان .وقد بذل سكان المدينتين من المسلمين جهودا كبيرة للتمرد على واقع الاحتلال في نهايات القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين ، وبين عامي 1921و1926م قاد المغربي محمد بن عبد الكريم الخطابي ثورة ضد الإسبان في الشمال المغربي ، لكن إسبانيا تصدت لها بالتحالف مع دول أوربية أخرى بعد أن أشعلت ثورته شرارة الجهاد في المدينتين . وحاول الجنرال فرانكو اللعب على المشاعر القومية لسكان سبتة ومليلية لدعمه في حربه ضد حكومة الجبهة الشعبية ، إذ وعدهم بمنحهم الإستقلال إذا ما تولى السلطة في إسبانيا ، واستطاع بذلك تجنيد الآلاف منهم في الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936م دون أن يفي بوعده لهم.
وهكذا ظل هذان الثغران المسلمان يدفعان الثمن باستمرار في كل مرة يحدث النزاع بينهما بين الغرب والشرق ، مرة لموقعهما الجغرافي على الواجهة بين أوربا وإفريقيا ، ومرة لوقوفهما مع الجنرال فرانكو ، والكثير للتنازع الدائم داخل الثغران.
ولمحاولات طمس الهوية الاسلامية منذ احتلال المدينتين بذلت جهود متصلة ، فدكت الصوامع وهدمت المساجد . ويذكر المؤرخون أنه عندما سقطت مدينة سبتة كانت مآثرها تفوق مآثر القيروان ، إذ كان بها ألف مسجد ونحو مائتين وخمسين مكتبة ، ولم يبق من هذه المعالم الحضارية الإسلامية سوى مساجد قليلة لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة ، بينما حرف الإسبان اسمها إلى "سيوتا" .
وقد وضعت إسبانيا إجراءات قانونية عدة للحد من هجرة المسلمين نحو المدينتين ، بهدف محو الوجود الإسلامي بالتدريج ، وشجعت بالمقابل الهجرة الإسبانية وهجرة اليهود الذين تزايد عددهم في الستينيات والسبعينيات خصوصا في مدينة سبتة ، كما ضيقت على السكان المسلمين هناك ومنعتهم من تراخيص البناء وحاصرت نشاطاتهم الدينية والثقافية .
وكذك اصدرت سلطات مدريد قانونا يعتبر بموجبه كل من يولد في مدينة سبتة إسباني الهوية .وخلال سنوات الاحتلال لم تكف إسبانيا عن سياسة " أسبنة" المدينتين نهائيا لابتلاعهما وتغيير هويتهما العمرانية والسكانية ، عازمة على تأبيد الاحتلال ووضع غطاء الشرعية عليه ، مستبقة أي مطالبة مغربية باستعادة المدينتين ، وفارضة أمرا واقعا سيكون إلى جانبها في أي مفاوضات مع المغرب بهذا الشأن ، وكان الجنرالات الإسبان يعلنون دائما أن حكومتهم " لن تعيد المدينتين بالسهولة نفسها التي تخلت بها فرنسا عن الجزائر الفرنسية " .
في شهر نوفمبر عام 1975م طالب " خوان كارلوس" لدى تتويجه ملكا على عرش إسبانيا بعد القضاء على نظام " فرانكو" بضروة استعادة السيادة الإسبانية على جبل طارق الذي تحتله بريطانيا مند سنة 1713م ، وقد دفع هذا الموقف السلطات المغربية إلى التفكير جديا في مصير المدينتين السليبتين ، ومنذ ذلك الوقت لم يفتأ الملك الحسن الثاني يعلن باستمرار أن حل قضية جبل طارق بين إسبانيا وبريطانيا سيكون بداية الحل لقضية سبتة ومليلية بشكل أوتوماتيكي ، على اعتبار أن ما تطالب به إسبانيا تجاه بريطانيا يدفعها إلى تفهم الموقف المغربي تجاهها .
لكن قضية الصحراء الغربية التي دخلها المغرب في تلك السنة حالت بينه وبين طرح مصير المدينتين ليركز فى قضية واحدة تلو الأخرى ويخسر الملفين معا ، لأن الصحراء كانت خاضعة لإسبانيا أيضا. وخلال المفاوضات التي كانت تجرى بين الرباط ومدريد سنة 1975م بشان الأقاليم الصحراوية ، اشترطت إسبانيا على النظام المغربي الإلتزام بشرطين أساسيين : الأول أن يسمح المغرب لأسطول الصيد الإسباني بالصيد في المياه الصحراوية المغربية المقابلة لجزر الكناري ، والثاني : أن يمتنع المغرب عن طرح ملف سبتة ومليلية قبل مرور عشر سنوات على اتفاقيات مدريد التي وقعت عام 1976م .وقد ظلت هذه البنود السرية في الإتفاق تمنع المغرب من طرح موضوع حقوقه السيادية في المدينتين المحتلتين ، لكنها في المقابل أطلقت يد إسبانيا لتسريع وتيرة "الأسبنة" في المدينتين خلال العشر سنوات المذكورة ووصلت ذروتها عام 1985م حين منحت إسبانيا المدينتين وضع" المدن المستقلة ". ويطلق الإسبان على المغاربة المقيمين في المدينتين" المورو" وهي تسمية مأخوذة من كلمة " موريسك" التي تعني في القاموس الإسباني بقايا المسلمين من عهد سقوط الأندلس ، غير أنهم حرفوها ليصبح معناها" المسلم" أو العربي ، وأضافوا كلمة أخرى هي"مالو" التي تعني الشرير،وقد وضع حزب الإتحاد الإشتراكي الإسباني الحاكم خلال فترة الثمانينيات في عهد " فيليب جونثاليت" مخططا سريا لتغيير الأوضاع في المدينتين لصالح الحكومة الإسبانية ، استعدادا لانتهاء مدة اتفاقية مدريد في عام 1986م . وشمل هذا المخطط عرقلة امتلاك المغاربة للممتلكات العقارية في المدينتين ، والطرد الممنهج لهم وإبعادهم إلى المغرب ، حيث أقدمت في عام 1983م مثلا على طرد 1500 مغربي ، ومنع دخولهم من جديد . وفي أكتوبر 1985م بدأت إسبانيا في تطبيق قانون الأجانب المقيمين بالمدينتين ، والذي يعتبر المغاربة هناك أجانب فوق الأراضي الإسبانية ، وأدى ذلك إلى انتفاضات في صفوف المغاربة المسلمين خلفت سقوط شهداء في صفوفهم في يناير 1987م وهي السنة التي طرح فيها الحسن الثاني اقتراحا بتكوين لجنة مشتركة للحوار بين البلدين حول مستقبل المدينتين ، لكن مدريد رفضت الإقتراح .
ويعتقد الخبراء العسكريون والسياسيون الإسبان أن الحرب مع المغرب بسبب المدينتين قد تهدد الأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط نظرا للأبعاد الدينية والحضارية التي يمكن أن تنشأ عن هذا النزاع وأنه بالرغم من المظاهر الإيجابية للعلاقات بين مدريد والرباط ، فإن شبح الحرب بسبب النزاع حول مدينتي سبتة ومليلية أمر لا يمكن تجاوزه.
منذ دخول إسبانيا إلى الإتحاد الأوربي في النصف الثاني من الثمانينيات تغير الدور الذي تحتله المدينتان في الفكر الإستراتيجي والعسكري الإسباني ، حيث أصبحتا تمثلان لها تهديدا محتملا وبرميل بارود على جبهتها الجنوبية . وقد قوى اندماج إسبانيا في الإتحاد الأوربي من نزعة " الموروفوبيا " أي التخوف من مسلمي المدينتين والمغرب بشكل خاص . ومع الترتيبات الجديدة التي دخلها البيت الأوربي في مطلع التسعينيات وتوقيع اتفاقية " شينجن" المتعلقة بالحدود بين الدول الأوروبية تحولت المدينتان إلى عنصر في العقيدة الأمنية الأوربية تجاه منطقة الجنوب ، إذ نصت معاهدة شينجن صراحة أن المدينتين هما الحدود الجنوبية لأوربا .وقد خولت هذه الترتيبات الجديدة في الإتحاد الأوربي والبحث الحثيث عن عقيدة عسكرية جديدة مشتركة لحلف شمال الأطلسي ، خولت لإسبانيا المزيد من الذرائع لتقوية احتلالها للمدينتين وإعطائه الشرعية الأوربية ، إذ أخذت تلوح بالتهديد الإسلامي القادم من الجنوب ، وبمركزها الجغرافي الإستراتيجي كمعبر مفتوح نحو الأراضي الأوربية ، وأخطار الهجرة القادمة من جنوب المتوسط ، وذلك لتحقيق هدفين : الأول هو تلقي الدعم الأوربي العسكري والمالي ، والثاني فرض الأمر الواقع على سكان المدينتين وأخذ التأييد الأوروبي والأطلسي لاحتلالها لهما .
ووجدت إسبانيا بذلك المجال متاحا أمامها لإضافة جدار مادي يفصل المدينتين عن الوطن الأصلي الشرعي لهما ، أي المغرب ، بعد الجدار النفسي والوجداني الذي أقامته طوال المراحل السابقة ، وفي عام 1998م اطلقت أعمال تسييح المنطقة الفاصلة بين مليلية ومدينة الناظور المغربية في الشمال بشريط مزدوج من
الأسلاك الشائكة يصل ارتفاعه إلى أربعة أمتار وطوله ستة كيلومترات ، مجهزة بأحدث وسائل المراقبة التكنولوجية تضم أربعة وسبعين كاميرا فيديو وآليات إلكترونية حساسة للمراقبة تستطيع ضبط أي جسم غريب لدى اقترابه من السياج الفولاذي ، وكانت نسبة التمويل الأوربي لهذه الأشغال تصل إلى 75 بالمائة ، مقابل 25بالمائة نسبة التمويل الإسباني ، وهو السياج الثاني بعد السياج المزدوج الذي أقيم على الحدود بين مدينة سبتة والمغرب .
وفي قمة واشنطن لحلف شمال الأطلسي التي عقدت بمناسبة الذكرى الخمسين لإنشائه قبل ثلاث سنوات ، والتي تم فيها تحديد المفهوم الجديد للأمن بالنسبة لدول الحلف في القرن الحادي والعشرين ، تضمنت المنظومة الجديدة للحلف مهمة الدفاع عن سبتة ومليلية في حال وقوع نزاع بين إسبانيا ودول المغرب العربي ، وكتبت صحيفة " لاراثون" الإسبانية في شهر مايو 1999م تقول : إن أي هجوم على المدينتين" سيجبر الجيش الإسباني على التدخل فورا بأمر دستوري ، وستحظى حكومة مدريد ابتداءا من الآن بالمساعدة المستعجلة من طرف قوات الحلفاء في الأطلسي" .ومنذ بداية التسعينيات أصبحت نقطة الحدود المسماة " باب سبتة بين سبتة والمغرب هي الحد الجغرافي للإتحاد الأوربي" ، وعلقت على مدخل المدينة لوحة معدنية كبيرة مكتوب عليها : " أهلا بكم في الإتحاد الأوربي " . وكانت صحيفة " الموندو" الإسبانية قد نشرت مطلع 1998م مضمون وثيقة سرية لحلف الأطلسي تبرز تحويل مدينتي سبتة ومليلية إلى قاعدتين للتدخل في المغرب وشمال إفريقيا ، وذلك في إطار المخطط الأمني الإستراتيجي الجديد للحلف المتعلق بحق التدخل في أي بقعة جغرافية في العالم تهدد مصالح دوله.
وقد مثلت قضية الصحراء التي أربكت السياسة الخارجية للمغرب منذ منتصف السبعينيات ورقة الضغط الرئيسية في يد إسبانيا ، إذ عملت هذه الأخيرة على دعم جبهة البوليساريو المطالبة بدولة مستقلة في الصحراء ، ويعود ذلك إلى رغبة مدريد في إشغال المغرب عن المطالبة بحقوقه الشرعية في سبتة ومليلية ، اعتقادا منها بأن حسم هذه القضية سيجعل المغرب يتفرغ لاستعادة ثغوره الشمالية المحتلة وتركيز جهوده عليها ، وهو ما يعني أن إسبانيا تريد كسب المزيد من الوقت بشغل المغرب في موضوع الصحراء بما يمكنها من تحضير الشروط الكفيلة بحسم ملف المدينتين حسب رغبتها في حال إذا ما اضطرت إلى ذلك يوما ما .
وتدرك إسبانيا جيدا أن الحقوق الثابتة للمغرب في سبتة ومليلية لن تثنيه أبدا عن المطالبة بهما، وهذا ما يفسر ربما كون الدستور الإسباني لم يضع حدودا للتراب الإسباني والمناطق المكونة للدولة ، وترك الباب مفتوحا أمام إمكان إعادة المدينتين إلى المغرب أو الإستقلال .غير أن إسبانيا تراهن على نجاح سياستها في أسبنة المدينتين سكانيا وعمرانيا واقتصاديا وثقافيا لخلق واقع مختلف بجعل سكان المدينتين يطالبون بالإستقلال الذاتي عن المغرب وإسبانيا معا إذا اقتضى الأمر، فإسبانيا لا تريد إعادة المدينتين إلى المغرب بكل بساطة ، ولكن تريد حلا على غرار ما حدث في تيمور الشرقية ، أي باستفتاء ترعاه الأمم المتحدة ، وحسب رؤيتها الحالية فإن النتيجة لن تكون لصالح المغرب بسبب التغيرات الكبيرة التي خضعت لها المدينتان . ولتأكيد هذه الهوية الجديدة للثغرين المسلمين نظمت إسبانيا عام 1997م احتفالا ضخما بمناسبة الذكرى الخمسمائة لاحتلال مدينة مليلية ، رافقه الكثير من الدوي الإعلامي في إسبانيا ، والتذكير بخطر المسلمين في الجنوب .
والمفارقة الغريبة في هذه القضية ، أن إسبانيا ظلت باستمرار تطالب بحقوقها التاريخية في صخرة جبل طارق الخاضعة للإحتلال البريطاني منذ القرن الثامن عشر بالذرائع نفسها والحجج التي ترفضها للمغاربة ، أي الإمتداد التاريخي والتواصل الجغرافي والجذور الديمجرافية . وإذا كانت مطالبة إسبانيا باستعادة صخرة جبل طارق ترتكز على واقعة تاريخية وقانونية هي اتفاقية أوتريخت عام 1713م التي تسلمت بريطانيا بموجبها الصخرة من المملكة القشتالية ، فإن قضية سبتة ومليلية قضية استعمار ولا ترتكز على أي مبرر قانوني أو شرعية تاريخية معينة ، إذ لم يسبق لأي سلطان مغربي طوال القرون الماضية أن قبل التنازل عن تلك الثغور المحتلة لفائدة الملوك الإسبان ، بل على العكس من ذلك ، قاد سلاطين المغرب حملات عسكرية لاستعادة المدينتين ، ولم يحصل أن خمدت مقاومة المغاربة للواقع الإستعماري ، أو تخلوا عن مطلب استرجاعهما .
هذا وشكلت الأزمة التي اندلعت في شهر يوليو الماضي بسبب الغزو العسكري الإسباني لجزيرة ليلى قرب السواحل المغربية بحوالي 150 مترا مناسبة لفتح ملف مدينتي سبتة ومليلية ، وقد استثمرت الديبلوماسية المغربية أزمة الجزيرة لتذكير الرأي العام الدولي بالواقع الإستعماري الجاثم على المدينتين ، كأقدم استعمار أوروبي في المتوسط ، ولم يتردد العاهل المغربي محمد السادس في خطاب له يوم 30 من نفس الشهر عن التأكيد الصريح على ضرورة وضع هذا الملف الشائك قيد الحوار مع إسبانيا ، من أجل تصفيته النهائية، وتجديد إقتراح والده بتكوين"خلية تفكير" بشأن المدينتين .
لكن إسبانيا جددت ما كانت تؤكده دائما ، من أن سبتة ومليلية مدينتان إسبانيتان ، وصرحت وزيرة الخارجية الإسبانية آنا بلاثيو أن " سبتة ومليلية جزء من الإتحاد الأوربي ، على عكس جبل طارق مثلا " ، وقالت بأن المفاوضات مع المغرب ، والمقررة خلال شهر سبتمبر، لن تتعرض لموضوع المدينتين أو لقضية الصحراء ، بل لموضوع قوارب الهجرة السرية والمخدرات والتهريب . .
هكذا، يظل الصراع يضرب بجذوره فى أرض الواقع بين الدولتين حتى يحتدم فيخرج فى شكل يوضح الماهية الحقيقية التى من ورائها يكمن هذا الصراع حتى إن أدى الى حرب تجر منطقة جبل طارق إلى هاوية أخرى فى صراع الحضارات.
3/11/2007
المزيد من التقارير والملفات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.