أعادت إسبانيا قضية احتلال مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين إلى واجهة الأحداث في المنطقة مجدداً عندما أقدم رئيس الوزراء الإسباني خوسي لويس زباثيرو على زيارتهما بشكل رسمي مطلع الشهر الجاري . عنصر المفاجأة الأول أن هذه الزيارة تعد الأولى من نوعها لرئيس حكومة إسباني منذ العام 1980عندما قام بزيارتهما رئيس الحكومة الأسبق ماريو سواريس، أما العنصر الثاني فهو أن الزيارة الحالية قام بها رئيس وزراء اشتراكي حقق تقارباً ملحوظاً مع المغرب منذ وصول حزبه إلى الحكم في مارس 2004، وزار المغرب بعد أسبوعين من تنصيبه في ظل مضاعفات تفجيرات مدريد التي اتهم فيها مهاجرون مغاربة مقيمون بإسبانيا، ودعوات لليمين الإسباني بفرض عقوبات على المغرب بدعوى تشجيعه للإرهاب وتسامحه مع ظاهرة الهجرة السرية التي يقول اليمينيون إن المتشددين يستغلونها للعبور نحو أوروبا بعيداً عن المراقبة. وعلى الرغم من أن العلاقات المغربية الإسبانية خلال العقد الماضي مرت بعدة مشاكل، كان أبرزها قضية جزيرة ليلى المغربية صيف عام 2002 في عهد حكومة الحزب الشعبي اليميني، عندما كادت الأزمة تؤدي إلى احتكاك عسكري إثر دخول عناصر من الجيش الإسباني للجزيرة واحتلالها ونصب العلم الإسباني عليها ، بالرغم من ذلك فقد ظل موضوع سبتة ومليلية مستبعداً من مشهد العلاقات المتوترة بين البلدين، حتى إن رئيس الوزراء اليميني السابق خوسي ماريا أثنار زارهما في يناير 2000 و فبراير 2004 بصفته زعيم الحزب الشعبي وفي ظروف الحملة الانتخابية لحزبه، وليس بصفته رئيساً للحكومة، حتى لا يمنح لتلك الزيارة طابعاً سياسياً ويثير حساسية الجانب المغربي. وطيلة العقدين الماضيين ظلت الحكومات الإسبانية التي جاءت في مرحلة الديمقراطية بعد انتهاء عهد الجنرال فرانسيسكو فرانكو الديكتاتوري ترفض الاعتراف بمغربية سبتة ومليلية؛ إذ بالرغم من زوال نظام فرانكو الذي قاد سياسة استعمارية ضد المغرب ، فإن موضوع المدينتين بقي من اختصاص المؤسسة العسكرية كخط أحمر لا يجوز للحكومات المتعاقبة الاقتراب منه ، أو إعادة النظر فيه. وفي العام 1985 اقتنع المغرب بأن موضوع المدينتين يمكن أن يؤدي يوما ما إلى نزاع عسكري، فبادر الملك الراحل الحسن الثاني إلى اقتراح إنشاء"خلية للتفكير" بين الرباطومدريد للبحث في حل وسط للنزاع بشكل متفق عليه بين الجانبين، وإيجاد صيغة متفاهم عليها لحكم المدينتين بشكل مشترك، لكن الحكومة الإسبانية آنذاك رفضت الاقتراح، ولم يعد الملك إلى إثارة الموضوع مجدداً بعد ذلك. وفي العام 2002 أثار العاهل المغربي الحالي محمد السادس قضية المدينتين مجدداً ، بعد فترة صمت طويلة في عهد والده، ونظرا لحساسية الموقف تراجع المغرب فيما بعد عن إثارة الموضوع لتعلق الموقف الإسباني منه بموضوع الصحراء، إلى حد أن الوزير الأول المغربي لدى زيارته لإسبانيا في شهر ديسمبر الماضي رفض الرد على سؤال حول المدينتين في ندوة صحافية، وفسر ذلك على أنه تعبير عن وجود اتفاق مغربي إسباني غير مكتوب يقضي بالسكوت عن الموضوع. الزيارة الأخيرة لزباثيرو أعلن عنها هذا الأخير شخصياً أمام البرلمان الإسباني في شهر ديسمبر الماضي، مسوّغاً إياها بالرغبة في الاطلاع على الظروف التي تحيط بموضوع المهاجرين السريين الأفارقة التي أُثيرت في الصيف الماضي . وبالرغم من حساسية الموقف، فإن الحكومة المغربية التزمت الصمت اتجاه الزيارة طيلة شهر كامل من المواقف والمواقف المضادة في إسبانيا حولها، لتجنب إحراج الحكومة الإسبانية وتفادي حصول أي تقارب بين الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي المعارض، خصوصاً وأن موضوع سبتة ومليلية يُعدّ من الموضوعات التي لا خلاف حولها في النظام السياسي الإسباني، كما صمتت سائر الأحزاب السياسية سوى حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي المشاركين في الحكومة اللذين نددا بالزيارة، وكان مفاجئاً أن وكالة الأنباء المغربية الرسمية لم تعكس موقف الحزبين، وهو ما رأى فيه المراقبون تأكيداً للتخوف الرسمي المغربي من إثارة الجانب الإسباني، ولم يصدر عن الحكومة خلال اليوم الأول للزيارة سوى موقف ضعيف عبر عنه وزير الاتصال نبيل بن عبد الله، واصفا الزيارة بأنها"غير ملائمة". وتعود أسباب الصمت المغربي عن الزيارة في الوقت الحالي إلى عدة عوامل مترابطة. فإسبانيا عضو نشيط في الاتحاد الأوروبي الذي يوجد بينه وبين المغرب علاقات شراكة موسعة، وكانت مدريد في العام الماضي قد طالبت بمنح المغرب شراكة أكبر مما هو موجود حالياً بينه وبين الاتحاد، "أقل من العضوية الكاملة وأكبر من الشراكة"، بحسب تعبير وزير الخارجية ميغيل أنخيل موراتينوس. كما أن مدريد تلعب دوراً كبيراً في نزاع الصحراء الغربية بين المغرب والبوليساريو إلى جانب كل من باريس وواشنطن، وتراهن الرباط على دعم إسبانيا في حل النزاع عبر منح الصحراويين حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية يقول المحللون: إنه قد يكون قريباً مما هو معمول به في الأقاليم التي تتمتع بحكم ذاتي في إسبانيا، مثل كاتالونيا والباسك. إضافة إلى ذلك توجد بين البلدين علاقات تجارية واقتصادية قوية خاصة في مجال الصيد البحري والفلاحة، كما أن المغرب يسعى إلى اجتذاب رؤوس الأموال الإسبانية في إطار مساعيه لتحديث اقتصاده وتشجيع الاستثمار في أفق إنشاء منطقة التبادل الحر بينه وبين الاتحاد الأوروبي بداية عام 2010، هذا إضافة إلى وجود جالية مغربية كبيرة في إسبانيا تتجاوز المليون شخص بين مقيم بطريقة قانونية ومقيم كمهاجر سري، تُعدّ الجالية الثانية في البلاد بعد المهاجرين المنحدرين من أمريكا اللاتينية، ويخشى المغرب أن ينعكس أي توتر في العلاقات على هذه الجالية مما يلقي عليه عبئاً إضافياً هو في غنى عنه. وقبيل الزيارة بادرت مجموعة من الجمعيات المدنية بكل من الناضور وتطوان(شمال المغرب) وسبتة ومليلية إلى التنسيق فيما بينها للتنديد بالخطوة التي أقدمت عليها الحكومة الإسبانية، ونظمت وقفة احتجاجية أمام قنصلية إسبانيا في تطوان أكدت فيها أن المدينتين المحتلتين مدينتان مغربيتان، وطالبت السلطات في مدريد بفتح حوار جدي حول مستقبلهما إلى جانب الجزر المغربية المجاورة لهما، على غرار ما حصل حول هونغ كونغ بين بريطانيا والصين، وأعربت هذه الجمعيات في بيان مشترك لها عن الاحتجاج الشديد على الزيارة التي رأت فيها هدماً لما تحقق من تحسن في علاقات البلدين، ودعت كافة الجمعيات والمنظمات المغربية في سبتة ومليلية إلى"التحلي بمزيد من اليقظة والحذر لنسف كل المحاولات الاستعمارية التي تستهدف المدينتين وإبعاد الطابع المغربي الأصيل عنهما"، مطالبة تلك الجمعيات والمنظمات في ذات الوقت بمقاطعة أي لقاء يدعو إليه رئيس الوزراء الإسباني معها المصدر : الاسلام اليوم