عاش مسلمو سبتة ومليلية المغربيتين الواقعتين تحت الاحتلال الإسباني في الأيام الأخيرة أياما صعبة ، بسبب بروز ظاهرة العنصرية ضد الإسلام والمسلمين على السطح، بعدما كانت كامنة خلال الأعوام الماضية، وبالأخص بعد تفجيرات مدريد في مارس 2004 التي انعكست سلبا على المسلمين في المدينتين وفي عموم التراب الإسباني. وتزامنت الأحداث الأخيرة في المدينتين مع الذكرى الثالثة للتفجيرات التي خلفت 191 قتيلا، وعودة الجدل في الصحف الإسبانية اليمينية حول دور المسلمين والمهاجرين في تلك الأحداث. وقد تفجرت الأحداث بعد إقامة الإسبان في مدينة سبتة التي يسيطر عليها الحزب الشعبي اليميني مهرجانا غنائيا تخللته هجومات صريحة ضد المسلمين حيث تم وصف المسلمين ب"الحيوانات" لأنهم أحرقوا الأعلام الدانماركية في التظاهرات المنددة بالرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، وسخرت كلمات ( الأغنية الفائزة) بالمسلمين وشعائرهم الدينية، واعتبرت أن هتلر أخطأ عندما أحرق اليهود، لأنه "كان عليه إحراق المسلمين"، كما استهزأت ب"المورو" أي المسلمين المغاربة وحذرت من تزايد أعدادهم في سبتة ومليلية. وما زاد الطين بلة وكشف التواطؤ الرسمي للحزب الحاكم في المدينة ، مع موجة العداء للمسلمين أن مؤلف الأغنية ينتمي لرجال الأمن، وهو ما دفع المسلمين إلى التنديد بالمهرجان والقائمين عليه ، وما يمثله من خطر على التعايش الحاصل بينهم وبين المسيحيين واليهود في المدينة منذ القدم . مسيرة وتنديد وقد تحركت جميع المنظمات والأحزاب الممثلة للمسلمين في سبتة لتندد بما حصل، وتحذر من خطورة تنامي العنصرية ، مما قد ينذر بتداعيات خطيرة . فبادر حزب "الاتحاد الديمقراطي السبتي"، وهو حزب يحتكر تقريبا تمثيل العنصر المسلم في البرلمان المحلي (3 نواب مقابل 1 للحزب الديموقراطي الاجتماعي لمصطفى أمزيان، من أصل 25 نائبا، ينتمي 19 منهم للحزب الشعبي، و2 للحزب العمالي الاشتراكي الحاكم في مدريد) إلى الإعلان عن نيته في مقاضاة أصحاب المهرجان ، كما بادر إلى الإعلان عن تنظيم مسيرة للمسلمين والمؤيدين لهم من الإسبان جرت الجمعة 10 مارس تحت شعار "من أجل التعايش وضد العنصرية". ونددت "الجماعة الإسلامية" بالمدينة، التي تضم تسع منظمات إسلامية، بما وصفته"تهجما وإهانة مجانية للمسلمين عامة والسبتيين منهم خاصة"، ونددت بموقف الحكومة المحلية غير الواضح ، كما لم تستبعد إمكانية اللجوء للقضاء. في المقابل، وخوفا من تطور الوضع، حث أئمة مساجد سبتة المجتمعين في ما يسمى "مجلس علماء المدينة" المسلمين على "التحلي بالصبر والهدوء والوعي المدني في هذه الظروف الدقيقة". وعلى المستوى الرسمي حاول رئيس الحكومة المحلية، خوان فيفاس (الحزب الشعبي)، تهدئة المشاعر من خلال الدعوة إلى اجتماع ممثلي الهيئات الدينية والثقافية الأربع بالمدينة ، قصد التباحث في تداعيات القضية . أما على مستوى الحكومة الإسبانية المركزية فقد تدخل وزير الخارجية ميغيل أنخيل موراتينوس وأدان مضمون "الأغنية" المسيء للمسلمين أمام نظيره التركي عبد الله غول نهاية الأسبوع المنصرم، مؤكدا على "روابط الصداقة" بين الشعبين الإسباني والتركي. وسارع مسلمو مدينة مليلية إلى التضامن مع إخوانهم في سبتة عبر التظاهر والتنديد، متخوفين من أن تنتقل تلك الأحداث إليهم. وجاءت هذه التطورات إثر التظاهرات الحاشدة التي نظمها المسلمون في المدينتين في الشهر الماضي ، احتجاجا على نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم ، وإعادة نشرها في صحيفة"إيل موندو" اليمينية المحافظة الموالية للحزب الشعبي الإسباني. مخاوف من تزايد عدد المسلمين موجة العنصرية وكراهية المسلمين في سبتة ومليلية ليست جديدة، إذ سبق وعاش المسلمون هناك أحداثا مماثلة في ظروف سابقة، كانت أخطرها مرحلة ما بعد تفجيرات مدريد، إلى حد أن المركز الأوروبي لمحاربة الكراهية عكس تنامي المد العنصري اتجاه المسلمين والمهاجرين والغجر في إسبانيا في تقريره الأخير. وفي العام الماضي نشرت مؤسسة"إلكانو" في مدريد، وهي مؤسسة رسمية تتمتع بدعم من الحكومة، استطلاعا للرأي في صفوف الإسبان شمل عينة من أكثر من 1200 شخص ( من 8 سنوات فما فوق) خلص إلى نتيجة أن 69 % من الإسبان يعتقدون بأن تزايد عدد المسلمين في الثغرين المغربيين المحتلين من شأنه أن يعزز مطالبهم بإعادة المدينتين إلى سيادة المغرب. وقال 94 % من المستجوبين إن المغرب لم يقم بما يلزم من أجل التصدي لظاهرة هجرة الأفارقة السريين عبر المدينتين ، وقال 46 % إن هذه الأوضاع مرشحة للتفاقم خلال العام المقبل .. وسبق أن كشف تقرير للمخابرات الإسبانية أجري في شهر سبتمبر 2005 عن انزعاج هذه الأخيرة من زيادة أعداد المسلمين بمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين ، واحتمال تفوق المسلمين على أتباع الديانات الأخرى بالمدينتين، خاصة المسيحيين واليهود، في أفق عام 2018، وذكر التقرير الذي حمل عنوان' الهشاشة الأمنية والتهديدات القائمة' أن أعداد المسلمين الذين ينحدرون في غالبيتهم من المغرب تشهد تزايدا مطردا خلال السنوات الأخيرة ، مقارنة بالمسيحيين ثم اليهود المقيمين بالثغرين المغربيين المحتلين، حيث تقدر نسبة الزيادة داخلهم بحوالي40 في المائة، مما يعني أنهم ستحولون مع الوقت إلى القوة الديمغرافية الأولى في المدينتين بعد 13 سنة من الآن، وأن نسبة تزايد السكان المسلمين'المؤيدين للمغرب' تقدر ب10 في المائة، مما يزيد من احتمالات مطالبة المغرب باسترجاعهما بقوة بحسب التقرير الذي أضاف بأن زيادة الهجرة إلى المدينتين علاوة على النمو الديمغرافي للمسلمين يهدد بتحولهم إلى الغالبية من السكان، ويقلل من ولائهم للمجتمع الإسباني، وقال التقرير إن نسبة تواجد المسلمين داخل الجيش الإسباني الذي يقدر تعداده في المدينتين بثمانية آلاف جندي هي 30 % . . وتقع مدينتا سبتة ومليلية في أقصى شمال المغرب على الساحل، وقد احتل البرتغاليون سبتة عام 1415 ثم احتلها الإسبان عام 1580، أما مليلية فتديرها إسبانيا منذ عام 1497. ومنذ عام 1992 تتمتع المدينتان بالحكم الذاتي. ومنذ حصول المغرب على استقلاله عام 1956 دأبت الحكومات الإسبانية المتعاقبة، سواء كانت من اليمين أو من اليسار، على رفض أي مفاوضات مع المغرب لإعادتهما إليه، بالرغم من أن هذا الأخير طالب عدة مرات على عهد الملك الراحل الحسن الثاني بتشكيل"خلية تفكير" مشتركة فيما بين البلدين لإيجاد صيغة متفاهم عليها حول المدينتين بالاتفاق بين الطرفين، وبعد رحيل الحسن الثاني دخلت القضية طي النسيان بسبب عدم رغبة الملك الحالي محمد السادس في تعكير صفو العلاقات مع مدريد، خاصة وأن هذه الأخيرة مرشحة لأن تلعب دورا مركزيا في أي حل لنزاع الصحراء الغربية ، كونها القوة الاستعمارية السابقة في الإقليم حتى العام 1975. وكان لافتا لدى زيارة رئيس الوزراء المغربي إدريس جطو لمدريد قبل أشهر ، عدم رده على سؤال حول المدينتين في ندوة صحافية مشتركة مع نظيره الإسباني، ما رأى فيه المراقبون تأكيدا لوجود اتفاق غير مكتوب بين الحكومتين بعدم طرح القضية في أي مفاوضات ثنائية، باعتبارها محل اتفاق قائم بين جميع المكونات السياسية والمؤسسة العسكرية في إسبانيا. المصدر : الاسلام اليوم