أصدر الباحث الألماني أندرياس أونجر كتاب حول صدام الحضارات ، ويدور حول الكلمات العربية في اللغة الألمانية، وصدر عن دار "ريكلام" في شتوتجارت بعنوان "من الجبر حتى السكر". الكتاب وفقاً لجريدة "دار الحياة" اللندنية يأخذ القارئ في رحلة شيقة وممتعة عبر القرون والحضارت، مبيناً الطريق التي سلكتها هذه الكلمة أو تلك حتى وصلت في شكلها الحالي الى لغة غوته وكافكا وتوماس مان ، اللغة العربية – بحسب ما يذكر أونغر – هي اللغة الأكثر تأثيراً على الألمانية بين كل اللغات غير الأوروبية. وليس الأمر محض صدفة، فمعظم الكلمات العربية وصلت الى أوروبا في القرون الوسطى عندما كانت الحضارة العربية الإسلامية مركز إشعاع ثقافي في العالم كله. وقد استوعب العرب منجزات الحضارتين الإغريقية الهيلينية والفارسية، ومع ازدهار التجارة مع الصين والهند وأفريقيا تعرف العرب على منتجات تلك المناطق، ودخلت بعض كلماتها الى لغة الضاد، مثل كلمة "شطرنج" الفارسية أو كلمة "ستان" الصينية (ذلك النوع من القماش الذي عُرف باسم "زيتوني" ، وكذلك "السكر و الصفر " من الهند. ووفق "الحياة" التفت العرب القدماء إلى أهمية الترجمة عن اللغات الأخرى لا سيما اليونانية، فنقلوا نصوصاً مركزية كانت أساساً لعلوم جديدة أخذها العالم لاحقاً عن العرب مثل علم "الجبر" الذي تحدث عنه الخوارزمي لأول مرة في كتابه الشهير "المختار في حساب الجبر والمقابلة". وأخذ العرب كلمات أعجمية وعربوها، ثم دخلت هذه الكلمات في ما بعد إلى اللغات الأوروبية باعتبارها كلمات عربية. اللقاء – أو الصدام – الأول بين الغرب والحضارة العربية حدث حسبما ذكرت "دار الحياة" في إسبانيا وصقلية بعد فتح البلدين. ثم جاءت الحروب الصليبية فأضحت فلسطين أرضاً للمعارك الدينية، غير أنها كانت أيضاً ساحة لتبادل المعارف الثقافية. في تلك الفترة بُهر الأوروبيون بتقدم الثقافة العربية الإسلامية ورقيها، فنهلوا منها ما استطاعوا. وأخذ الأوربيون عن العرب بعض الأطعمة والتوابل والعطور، مثل "الباذنجان و الطرخون و الزعفران و الياسمين و العنبر و النارنج" ، وأدخلوا أيضاً فنوناً عربية مثل الأرابيسك و الترصيع ، وكذلك آلات موسيقية مثل "القيثارة" (الغيتار)، هذا عدا الحيوانات والطيور ك الزرافة و الغزالة و الببغاء. انجذب الأوروبيون أيضاً إلى العلوم العربية، فأسس قسطنطين الأفريقي في القرن الحادي عشر الميلادي مدرسة بالقرب من نابولي في إيطاليا لترجمة الأعمال العربية إلى اللاتينية، وبخاصة من العلوم الطبية (كلمة «كحول» و «إكسير» و «مومياء») والرياضيات («الصفر») وعلم «الكيمياء». ونتابع مع جريدة "الحياة" فكما أخذ العرب عن غيرهم، وطوروا ما أخذوه، هكذا فعل الأوروبيون ، فمسحوق "البارود" مثلاً لم ينل شهرته وفاعليته إلا بعدما اخترع الأوروبيون ماسورة البندقية، ومع البارود دخلت إلى أوروبا كلمات مثل «ترسانة» و «أرسنال» (المشتقة من «دار الصناعة») و» أدميرال» (المأخوذة عن «أمير»). ومع تفتت الإمبراطورية العربية ابتداءً من القرن الثالث عشر، ومع تفشي حال من الجمود الذي أعقبه الانحدار في مستويات عدة، كاد العرب يتوقفون عن الابتكار والإبداع، بينما واصل الأوروبيون تطوير ما أخذوه، ومن هنا اتسعت الفجوة الثقافية بين العرب والغرب. ومع انكماش التبادل التجاري، توقف التبادل اللغوي أيضاً، بل ودعا المفكرون الغربيون إلى إحلال الكلمات اللاتينية محل الكلمات العربية في لغة العلوم والأبحاث ، غير أن هذا المنحى تغير قليلاً في القرنين السادس عشر والسابع عشر بعد تزايد نفوذ الإمبراطورية العثمانية وإشعاعها الثقافي في أوروبا. ومن اللافت أن اللغة الألمانية عرفت الكلمات العربية غالباً عبر لغة أوروبية وسيطة كالإيطالية أو الفرنسية، وذلك لأن ألمانيا لم تكن لها يوماً حدود مباشرة مع دول إسلامية ولم تمارس التجارة مع الدول العربية المطلة على البحر المتوسط. وكمثال على ذلك كلمة "مطرح" العربية التي دخلت إلى اللغة الإسبانية منذ القرن العاشر الميلادي بمعنى حشية للنوم، وعبر الإسبانية إلى الإيطالية والفرنسية، ومنها إلى الألمانية (مَترَتسه) في القرن الثالث عشر. وبحسب "الحياة " فإن الأدب والشعر وليست اللغة فحسب حوت هذا التأثير وأسطع مثال على ذلك هو أمير الشعراء الألمان يوهان فولفغانغ فون غوته الذي تأثر تأثراً ملحوظاً بالثقافة العربية، وقرأ في آخر القرن الثامن عشر ترجمة إنكليزية لمختارات من الشعر الجاهلي، طالعَ عبرها شعراء مثل إمرئ القيس وعمرو بن كلثوم وزهير بن أبي سلمى، كما قرأ بشغف كتاب الرحالة نيبور إلى شبه الجزيرة العربية الذي صدر عام 1772.