لم يكن يوم الأربعاء الموافق 23 مايو ، عاديا فى حياتي، ليس لأنه يأتي بعد يوم مولدي السابع والأربعين، ولكن لأنه يوم أُجريت فيه أول انتخابات رئاسية نزيهة فى بلدي الحبيب مصر. ففي الصباح الباكر، استنشقت عبيرا ذا نكهة خاصة، وكل الأصوات التى كانت تسمعها أذني كانت تدندن ببهجة. فى هذا اليوم تبادلت أحاديث مع أسرتي كلها، تركزت عمن سننتخبه، ولأول مرة أري وأسمع الكل يتحدث عن مرشحه بحرية والآخر يتقبل ببساطة واحترام .. كل فرد من أقاربي كان له مرشحه وأيضا كانت له أسباب اختياره رئيسا قادما لدولة عاشت عقودا، إما منهوبة وإما مسلوبة وإما مُسطحة كملك مشاع لكل من يترأسها ويحكمها ثم ينسي أو يتناسي إرادة شعبه. حتى جاء يوم 25 يناير وفيه تغيرت ملامح الحياه وخرج المارد من قمقمه وفرض إرادته على الكل وأجبر الرئيس على التنحي، وعاش المصريون فى أعقاب الثورة البيضاء، فترة تمازج فيها حب الوطن مع حب النفس، والمصلحة الشخصية، وقد سعي أصحاب حب النفس والمصلحة الشخصية سعيا دؤوبا لجذب مؤيدين تحت شعارات الدين والوطنية الزائفتين، إلا أن اليقظة الشعبية أعادت الصح إلي الصحيح، والعقل إلي المتعقلين. وعودة إلي يوم الانتخاب، أقول وقد بلغت 47 عاما، بالأمس لم أكن أنتخب .. وللحق اقول: كانت الدولة هي التى تنتخب لي، ففي إحدي المرات وأنا فى مقر عملي فى مبني الإذاعة والتليفزيون قالو (روحوا انتخبو) .. فقلت ولكن لجنتي الانتخابية حسبما هو معلوم لدي من أبي رحمه الله، فى محل سكني بمنطقة المطرية بالقاهرة، ولكن قال لي المسئول يا مدام (أو آنسة كما أظن أنني كنت وقتها – لا أتذكر للأمانة) .. المهم أنه قال لي يا مدام الأمور بسيطة جدا، انتو هاتنزلو تحت هتلاقو كل شيئ جاهز .. بس المهم تمضوا. وتخيلت أنه يضحك أو يهذي .. ومن باب الفضول نزلت إلي حيث أشار، وياللهول .. على رأي الفنان الكبير المرحوم "يوسف وهبي"... فعلا لقيتني انتخبت وحتى بدون إمضاء .. ووجدتنى وافقت على ترشيح المخلوع لفترة تالية... !!! حاولت بعدها أن أثبت حقي وأن أثبت واقعة التزوير، إلا أن الجميع نظر لي وكأنني آتية من كوكب آخر .. بل أن بعضهم حذرني من مغبة عنادي، وأن رؤسائي سوف يستقصدوني .. وفى الآخر مانتي انتخبتي بمزاجك أو غصب عنك. لم ولن أنسي هذه الواقعة، ومن يومها لم أتحدث ولم يعد يهمني الشأن الرئاسي وامتنعت عن التصويت ... إلا أن السنون مرت وعشت لأري رأي المصريين ملكا لهم، فانتخبو نوابهم فى مجلسي الشعب والشوري، عقب تصويتهم على التعديلات الدستورية، رغم استفادة فئة معينة دون أخري من التعديلات، ثم جاء يوم الاختيار الأعظم، وهو هذا اليوم المجيد الذي تحملت فيه عناء الوقوف فى طابور طويل، الكل فيه تعلو وجهه ابتسامة رضا وقناعة .. وقوات الجيش والشرطة تتعامل معنا بمنتهي الآدمية والرقي، ووصلت إلي بوابة الطابور .. بل قل بوابة الأمل .. والتزمت بكل ما قصه علي المسئولون هناك، وصوت لمن رأيته صالحا للعبور بالبلاد إلي بر الأمان. وبين الأمل فى غد مشرق، والخوف من أن يأتي الريح بما تشتهي السفن، نما إليَّ صوت يقول لي: هذه البلد آمنة وشعبها طيب الأعراق .. وايضا أصبح لديه الوعي الذي يستطيع أن ينفض عن صدره براثن أي جاثم على صدره وصدر الحرية التى جاهد وضحي من أجلها... فارتسمت علي وجهي أمارات السعادة، وقلت بصوت عال: صح ....... مما جعل أحد المارة، وبخفة دم المصريين يقول لي: صح الصح يا "ساحبي" ..!