سيرحل المخلوع ولكن النظام سيبقي الزعم بأن قرار قطع الغاز عن العدو الصهيوني فى هذا التوقيت تحديدا، هو مجرد قرار اقتصادي دون أبعاد سياسية عديدة وعميقة فهو محض أوهام، وأول هذه الأبعاد هو أنه يأتي – بحسب خبراء – فى وقت عصيب يمر به المجلس العسكري، فى ظل الهجوم العنيف الذي تعرض له وسيتعرض له مجددا خلال الساعات القليلة القادمة، على خلفية شعار "إحرق بلدك" الذي يتبعه "الطرف الثالث" أو اللهو الخفي الذي يدحرج كرة اللهب من جنوب مصر حتى شرقها ثم شمالها، وسط اتهامات للعسكر بالتخاذل بل والتواطؤ فى جرائم إشعال النار التى طالت عددا من المؤسسات الاقتصادية الكبري على مستوى محافظات مصر على مدي أسابيع قليلة. البعض يري إذن أن قرار قطع الغاز فى ذلك التوقيت، وهو القرار الذى طالبت به وتبنته القوي الوطنية والحركات الثورية طويلا، يأتى كنوع من صرف الأنظار عن ترتيبات أخري سرية بشأن عديد من الملفات الشائكة التى اقترب وقت حسمها، خلال المرحلة القادمة. أولي هذه الملفات تحت اسم "الانتخابات الرئاسية" التى يخضع بسببها العسكري لضغوط صهيو – أميريكية هائلة، بهدف إجباره على تأجيلها، هربا من سيطرة الإسلاميين المتوقعة على منصب الرئاسة، إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية. ملف آخر هام ويتعلق باقتراب موعد محاكمة المخلوع وأولاده وشركائه فى جرائم نهب موارد مصر وقتل أبنائها وتخريب أمنها القومي من أقصي الجنوب، حيث السودان الذى انقسم على نفسه، فى ظل التجاهل الأقرب للتعمد من جانب خارجية النظام البائد، إلى أقصي الشمال الشرقي – حيث "العدو" الذي أصبح حبيبا للمصريين رغم أنف الغالبية منهم - فى حين لا يزال "مبارك" هو القائد الأعلي – الحقيقي – للقوات المسلحة المصرية، من وجهة نظر مجلس العسكر، وبالتالي فالنوايا مبيتة مسبقا للترتيب مع منظومة القضاء الفاسدة بقيادة النائب العام الذي عينه المخلوع بنفسه، من أجل إخراج المخلوع من القضايا المتهم فيها كالشعرة من العجين، على غرار جميع القضايا التى اتهم فيها مجرمو الداخلية منذ قيام الثورة وحتى الآن، والسبب دائما (عدم كفاية الأدلة) .. التى تم تدمير معظمها (قضاء وقدرا).. !!! قرار قطع الغاز إذن ومن قبله سلسلة الحرائق التى شبت فى توقيت موات تماما لحبك المؤامرة – بحسب خبراء – يفتح الطريق أمام مواجهة محدودة مع تل أبيب، يستعيد فيها العسكري أداء دور البطل القومي فى أعين شعبه، بينما وتحت ستار دخان المعركة الصغيرة تلك، ينفذ "طنطاوي" ورفاقه سيناريو محكم، بالتعاون مع أصدقائهم الأميريكيين، من أجل إحكام قبضة العسكر على شئون الحكم فى البلاد، لضمان بقاء مصر حليفا أبديا للكيان الصهيو – أميريكي، وذلك عبر عدة خطوات أهمها، تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى حين السيطرة على "حريق الإخوان" على الساحة السياسية، وفى الوقت نفسه تهريب المخلوع وأسرته إلى خارج البلاد بعد براءة صورية من المحكمة التى تديرها سلطة قضائية خاضعة للعسكر، مثلها مثل الإعلام والداخلية وغيرها من مؤسسات البلاد، بحيث لا يبق وقتها سوي خطوات صغيرة علي إعادة إنتاج النظام البائد مرة أخري، ليقوم مجددا ومرارا باغتصاب مصر تحت سمع وبصر أهلها كما جري الحال لسنوات طوال، وليعود الجميع سعداء: الفلول .. العسكر .. الأمريكان .. الصهاينة .. دول الخليج، أما المصريون – أصحاب البلد - فقد بات أكثرهم جاهزا الآن ليس لعودة النظام القديم فقط، بل ولعودة مبارك نفسه، و"الله يرحم أيامك يا مبارك"..! قرار قطع الغاز مجرد مسرحية استعراضية إذن فى أعين بعض الخبراء، لكن يبقي أن مثل هذا القرار لم يكن يحلم "وطني" واحد باتخاذه لو لم تكن هناك ثورة قامت فى هذا البلد قبل عام... بالتالي فهو جزئيا يعد بمثابة انتصار جديد للثورة، التى قامت بالأساس من أجل عودة السيادة على مصر للمصريين.