إلى هذا الحد من الخوف أصبحت فصائل كثيرة في مصر تخشى الفلول ، ذلك المصطلح العبقري الذي أنجز عقب نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير ، الأدهش أن المتهمين بالفولولية اكتسبوا قدراً رائعاً من الشجاعة السياسية في مواجهة حملات معاً ضد الفلول ، بل وأصبحوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم بأنهم جزء من نظام الدولة وليسوا رعايا تابعين لنظام سياسي بعينه . فما رأيته وشاهدته عبر قناة صوت الشعب التي تنقل وقائع جلسات برلمان الثورة ما هو إلا نوعاً من الفزع المرتقب من عودة بروتوكولات النظام السابق متمثلاً تحديداً في السيد عمر سليمان ، أو الفريق أحمد شفيق ، أو السيد عمرو موسى ، وغيرهم ممن يتربص بالظهور مجدداً على المشهد السياسي . وتكفي حدة المناقشات والمساجلات التي شاهدها المصريون في الجلسة الاستثنائية لمجلس الشعب والتي انتهت بإقرار مشروع قانون يقضي بالعزل السياسي لكل من شغل أو عمل في منصب رئيس الجمهورية أو نائبه أو رئيس للوزراء أو نواب رئيس الوزراء أو الوزراء أو أمين الحزب الوطني المنحل أو شغل منصباً بمكاتبه السياسية أو أمانته للسياسات وذلك لمدة عشر سنوات خلت من الحادي عشر من فبراير لعام الثورة المصرية المجيدة . ولاشك أن مشروع هذا القانون سيعرض لاحقاً على المجلس الأعلى للقوات المسلحة بوصفه السلطة التنفيذية المعنية بتطبيق القانون النظري ، وكم أتعجب من هذا المجلس الذي يصر الظهور بصورة تتسم بالإقحام المباشر في المشهد السياسي دون تخطيط ، وكأن لسان حال المجلس : أنا رد فعل لواقع مصر ، أما المبادرة فإما من الميدان أو الإخوان أو عمر سليمان . والحديث عن مشروع القانون الذي أجيز من المجلس في جلسته المسائية وسط جذب وشد ومغالاة في الاتهامات ، يجعلنا قبل معالجته بالتحليل أن نلقي ضوءاً خافتاً على مجلس المرجعية الدينية أو برلمان الثورة أو مجلس الوطن . فكنت أظن أنه بمجرد بدء عمل البرلمان سيختفي وهج البرامج الفضائية السياسية بسبب أن مجلس الشعب سيسطيع حسب وعود نوابه أثناء الانتخابات في تحويل التراب ذهباً وفي جعل سمك البحر يقفز مباشرة إلى أفواه المواطنين ، لكن هذا لم يحدث ، بل هذا لم يحدث ولقد لعب المرشحون على قاعدة أن الشعب يعاني من فقدان الذاكرة التدريجي ، وفي الوقت نفسه ارتدى المجلس ونوابه ثوب الفارس المغوار وهو يطعن الحكومة ممثلة في وزرائها بشأن قضية التمويل الأجنبي فقط. الأمر بات بطيئاً في أداء المجلس ، والمناقشات وطلبات الإحاطة واستجوابات النواب صارت أموراً روتينية معروفة ، وكم كان مضحكاً أن تكون مشاكل الوطن هي مشاكل المجلس نفسه ، بين رافع للآذان ،ونائب يكذب ، وآخر يشتم ، ورابع يترك الجلسات ملوحاً بالرفض لرئيس المجلس ، والوطن نفسه في حالة عطش مستدام لارتواء مطالبه ومطامحه واحتواء مشكلاته التي تنفجر يومياً . فمثلاً أين قضية أموال الصناديق الخاصة التابعة لرئاسة مجلس الوزراء والتي تعتبر مرتعاً لإهدار المال العام من على أجندة المجلس ؟ وماذا فعل النواب بالمؤسسات والإدارات التابعة لهذه الصناديق السوداء التي تستبيح جسد مصر طولاً وعرضاً والتي بدأ الحديث عنها في كل مكان بأرض مصر إلا أن المجلس لا يزال في اهتمامه بقضايا قطع العلاقات مع النظام السوري ، وفي وجود بقايا فلول الدكتور فتحي سرور بالمجلس ، وأين الحلول الحقيقية لمشكلات المواطن البسيط التي أبرزها إسطوانة الغاز ، أو الحديث عن حدود وأطراف مصر التي فقدت الحياة ومظاهرها وأصبحت تحتضر وسط صمت طويل من المجلس دون تشريعات بحقها ، وأين مواجهة البلطجية بصورة مباشرة دون استضافة وزير الداخلية بصورة توحي بأنه موظفاً في المجلس من كثرة تردده على الجلسات التي احترفت استجوابه . وإذا عدنا لموضوع القانون المُجاز من المجلس ، فالأعضاء الذين انبروا بتدشينه لابد وأنهم يخشون استخدام صلاحيات رئيس الجمهورية المقبل في حل مجلس الشعب وهذا سيجعل فصائل الإسلام السياسي التي صعدت وتسيدت المشهد السياسي في مصر بمنأى بعيد جداً عن هذا البناء الموجود بشارع قصر العيني ، فلقد علمت فصائل الإسلام السياسي أن المواطن قد استفاق مؤخراً ولن يهرول ثانية نحو الصناديق وغزواتها . أما بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين التي لم تنل حتى لحظتنا الراهنة شرعية الوجود الرسمي من وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية اللهم إذا كانت الدكتور نجوى خليل التي تصدر قرارات عشوائية غير مدروسة بشأن جمعية الشبان المسلمين قد منحت صك الغفران أعني وثيقة التواجد الرسمي والشرعي للجماعة . فهذه الجماعة تخشى أن ينالها سهم الحظر من جديد على يد أحد منتقمي الفلول كما يزعمون ويظنون ظن السوء . وبالنسبة للجماعات الإسلامية والتيارات السلفية التي ظلت مختبئة في جحورها خوفاً من بطش اللواء حبيب العادلي وكبار مساعديه فهم أنفسهم بدأوا يتنسمون نسائم الحرية والعدالة أيضاً وشرعوا في البناء والتنمية والإصلاح وفقاً لمرجعياتهم وأيديولوجياتهم الفكرية ، وأيضاً بناء معسكراتهم التاريخية ولكن هذه المرة على مرأى ومسمع من المجتمع . فهؤلاء أيضاً يخشون ويفزعون من عودة النظام البوليسي الذي كان يتتبعهم ليل نهار وكانوا خير زبائن لمعتقلات أمن الدولة سابقاً ، هذا في حالة واحدة أن يعتلي سدة الحكم رجل من رجال مبارك ويقوم بتنفيذ وصيته غير المؤكدة بتصفية الشعب الذي ثار عليه ، وإن بعض الظن إثم . حتى التيارات الليبرالية التي راهن عليها المجلس العسكري في معركته الخفية ضد الإخوان أو في مناورات استثنائية مثل جنسية والدة المرشح السلفي حازم صلاح الذي تؤكد زوجتي لي أنها كانت تشاهد برامجه مرتدياً الجلباب الأبيض وطاقية الرأس وأقسم لها أنه لم يعرف للجلباب طريقاً ، اللهم إذا كان قد أجرى مسخاً للهوية على طريقة جماعة الإخوان المسلمين التي تركت اسمها وشعارها التاريخي الإسلام هو الحل وتدثرت في قناع جديد اسمه الحرية والعدالة وكأنها بذلك تدفع عنها ذنباً أو إثما اقترفته ، والله أعلم بمظانهم المخبوءة ، شاركت في صياغة قانون العزل . وبلغة فقهية وأنا بحكم تخصصي في التربية الدينية الإسلامية واللغة العربية دراسة وتعلماً وتدريساً أيضاً أعرف أن مصطلح العزل هذا مواضعة فقهية مأخوذة من الشرع وهي حالة بين الرجل وزوجه تحدث خشية الإنجاب ، وكان يحدث أيضاً هذا العزل بين السيد وإحدى سرائره المتعددات ، ولكن هناك فرق كبير جداً بين المرأة الزوجة الحرة ، وبين الجارية أو تلك التي يتسرى بها سيدها وولي نعمتها ، فالأولى لابد من أخذ إذنها في هذا العزل لأنها تملك قرارها أن تنجب أم لا . أما الثانية فلا يجوز لها ذلك ، بل كتب التاريخ الإسلامي تشير إلى أن بعض خلفاء بني العباس وكذلك سلاطين وأمراء الخلافة العثمانية يعزلون خشية أن تلد الأمة سيدها ويكون هذا مؤشراً لشرائط الساعة . وفي حالتنا المصرية الراهنة لم يتم ذلك الإذن بالعزل ، لأن هؤلاء المتهمين بالفلول على رأي أستاذنا المفكر خالد محمد خالد مواطنون لا رعايا ، وليت هؤلاء الذين هرولوا وراء مطامح ربما تغدو شخصية في انتزاع الموافقة لمشروع كهذا أن يدركوا بأنهم يزيدوا من فرقة هذا الشعب ، ومن توسيع الهوة السحيقة بين فصائل سياسية ودينية وأخرى انتمت للنظام السياسي السابق وآخرين انضموا للحزب الوطني المحل الذي ربما سيأتي يوم لا يعلمه إلا الله يعود من جديد في صور شتى مثله مثل الجماعة المحظورة التي بدت للنور وكأنها لم تغادر ضياءه يوماً واحداً .