أسرع إجراء براجماتي لتقويض أي رئيس محتمل لهذا الوطن أن تطلق عليه سهم الانتماء للفلول ، وهذه الكلمة التي كانت لأصحابها بمثابة المفتاح السحري في النظام السابق سرعان ما أصابها نوع من فقدان الإثارة ، لاسيما وأننا أصبحنا نستخدمها هذه الأيام دون دراية أو بغير قصد ، وربما بعضنا يستخدمها وفي نيته النيل من أحدهم ومحاولة اقتناص فرصة ذهبية لتقويض وإقصاء مرشح له فرص جيدة في الفوز بسباق الرئاسة المقبل . ولاشك أن ترشح اللواء عمر سليمان قد أعطى لهذا السباق الرئاسي مذاقاً خاصاً ، كما منحه إثارة وسخونة ، وهذه السمات التي تميز بها الصراع الانتخابي للمرشحين المحتملين من إثارة وسخونة وتدافع وتناطح في القول والفعل هي التي دفعتني للتفتيش عن نوايا الفئة التي أعطت لنفسها حق اعتلاء منصة محاكم التفتيش ، تلك التي كانت منتشرة بهوس محموم في العصور الوسطى . فالبعض الآن إن لم يكن عدد كبير وغفير من جموع المصريين أصبح معترضاً على ترشح مجموعة من المنتمين للنظام السابق البائد ، وأنهم بذلك صاروا مشاركين لمبارك ونظامه ورجاله في اغتيال هذا الوطن ، وهم يعنون في ذلك مرشحين ثلاثة بعينهم ، أولهم السيد عمرو موسى ، وثانيهم الفريق أحمد شفيق ، وثالثهم والأخير اللواء عمر سليمان . وفي عجالة أشير إلى أن هؤلاء الذين راحوا يفتشون عن النوايا والمقاصد والمزاعم بمساندة مرشحين آخرين فاتتهم القدرة على التفريق بين مصطلحين رئيسيين ألا وهما النظام السياسي و جهاز الدولة . وربما أن المعارضين لترشح الشخصيات الثلاث السابقين عانوا لغطاً شديداً منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي تسير ببطئ وئيد في تحقيق مطامحها ومطالبها بسبب حالات التعنت السياسي التي تشهدها مصر الآن ، فالنظام السابق هو مبارك وحاشيته ممن اتهم قضائياً بالتربح أو قتل المتظاهرين أو إفساد الحياة السياسية ، رغم أن الأخيرة قد تطول بعض أعناق نواب جماعة الإخوان المسلمين الذي كانوا بمجلس الشعب قبل السابق وكان عددهم 88 مرشحاً ، لا لأنهم فاسدين ، بل لأنهم كانوا شركاء لأباطرة الفساد السياسي تحت قبة واحدة . والقاعدة العسكرية تؤكد بأن الحسنة تخص ، والسيئة تعم ، وهذه الفترة البرلمانية شهدت العديد من بزوغ قوانين سياسية واقتصادية فاسدة ومفسدة من شأنها أن تلقي بالاتهامات نحو نواب الجماعة آنذاك . أما جهاز الدولة بهو بخلاف ذلك ، فكل موظف ينطبق عليه قانون العاملين المدنيين بالدولة هو جزء لا ينفصل عن جهاز الدولة ، وهو ما يغفل عنه بعض أنصار ما أطلق عليهم فرقة مالكوم إكس ، حيث إن له عبارة تقول : يجب أن تحدث ضجة لتحصل على ما تريد ، وهم يفعلون ذلك بالفعل ، يصرخون بأصوات مرتفعة منادين بإلقاء القبض على كل من عمل في كنف الرئيس السابق حسني مبارك ، وإذا أخذنا الناس بهذا المنطق فلن نجد موظفاً أو مسئولاً أو وزيراً وربما عامل نظافة . ومن الغريب أن جموع الثائرين ضد ترشح الفريق أحمد شفيق ومن تلاه وهو اللواء عمر سليمان قد ساروا في طريق مفاده أنهم غير مؤهلين للديموقراطية ، فالديموقراطية تفترض ركيزتين أساسيتين ؛ الأولى قبول التعددية وهو مبدأ أعلى شأنه الإسلام الحنيف منذ أكثر من أربعة عشر قرناً ، والثانية خي الاحتكام لصناديق الانتخابات والمرجعية الشعبية للمواطنين . وكنت أفضل ونحن ننتقل إلى مناخ سياسي جديد ألا نهرع لإلقاء فتنة الفلول على المرشح ، فكان من الأحرى أن نجد من يقول أنا برنامجي كذا ، ومشروعي النهضوي كذا ، لكننا لا نزال نحيا ثقافة التشكيك والتخوين ، فكل وجه سياسي هو وجه لمبارك ، وكل رئيس للحكومة هو مجرد ديكور هيكلي لنظام مبارك ، حتى المرشح الإخواني المهندس خيرت الشاطر الذي لن أعطيه صوتي لأني باختصار لا أعرفه ، قمنا جاهدين مشكورين بتشبيهه بالمهندس أحمد عز . وكأن من قدر مصر أن تحيا في فلك ثقافة الاستنساخ السياسي ، وهذا ليس معناه تحشيد الأصوات لهؤلاء الثلاثة ؛ موسى وشفيق وسليمان ، بل هي محاولة لاستشراف ثقافة أمة بدت خائفة من عودة نظام مبارك ، وهذا يعطيني إنذاراً بأن الروح المصرية الثورية بدأت تنمحي تدريجياً بدليل أننا نفقد الثقة في الجميع ، وبدا علينا أن نمايز قسراً وقهراً بين العسكر والليبراليين والمدنيين العاديين والإسلاميين بفصائلهم الإخوانية والسلفية ، رغم أن المشهد السياسي الراهن يحكم علينا نزع نزعات التشكيك والتقسيم . ولأننا غير مؤهلين لعقد مناظرات سياسية علنية بين المرشحين ، وربما نؤهل لذلك عما قريب ، فالدرج ممتلئٌ بالملفات التي تتضمن تهماً لكل المرشحين ، هذا مزور في بيانات رسمية ، وهذا عضو بجماعة سياسية كانت سرية ومحظورة ارتكبت أفعالاً ضرت بمصالح الوطن ، وهذا فلول ، وذاك عميل لإسرائيل ، والرابع قطري الهوية والتمويل ، والخامس مهندس موقعة الجمل الثانية ، والسادس مشهور بالتطاول الفضائي ، والسابع محسوب على التيار الشيعي . فلو فكرنا بهذا المنطق لن نذهب أبداً إلى صناديق الانتخابات ، ولاستمرأنا حالة الانفلات الأمني التي نعيشها منذ أكثر من سنة مضت ، ولباتت أمورنا كلها رهن الانتظار ، وساعتئذ سنلقي بهمومنا من جديد بعيداً عن المشهد السياسي غير مشاركين فيه ، وسندير مفتاح التلفاز لمشاهدة إحدى مباريات المنتخب القديمة التي كنا نفوز فيها إما بالدعاء أو لسوء الفريق المضاد ، أو لرحمة الله بهذا الشعب .