لعبت صغيراً كرة القدم فى الشارع مع أولاد الحي، ولعبت مراهقاً ضمن فريق مدرستى الثانوية، وعندما كبرت وعملت وتوافرت لى القدرة حضرت كأس العالم فى ألمانيا وزوجتى معى وهى حامل، وحضرت فى 1968 الألعاب الأولمبية فى المكسيك، كما تفرجت سنة بعد سنة على بطولة ويمبلدون فى كرة المضرب، وشاهدت عشرات من مباريات الكرة العالمية فى انكلترا وفرنسا وايطاليا، وكرة القدم الأميركية، وهتفت لفريق «واشنطن ردسكنز» عندما أقمت فى العاصمة الأميركية، وحضرت مباراة فى لندن قبل أيام. بكلام آخر لا أكتب كأحد «المسَكَّفين» الذين يعتبرون هواة الرياضة متخلفين عقلياً، وإنما أكتب كهاوٍ قديم وباق لا يفوّت فرصة حضور مباراة، خصوصاً إن كانت فى كرة القدم. المباراة بين فريقى مصر والجزائر لم تكن رياضة وإنما حرباً، مع أن اللاعبين فى الملعب تصرفوا فى شكل أفضل من وسائل الإعلام فى البلدين والمسؤولين وأنصار الفريقين. وأسأل لو كانت بين مصر والجزائر حدود مشتركة، هل كان الوضع تدهور الى خلاف حدودى على طريقة حلايب أو الصحراء الغربية، أو كل حدود بين بلدين عربيين جارين شقيقين تجمعهما وحدة المصير بحسب المعزوفة المعروفة؟ «ماتش كورة» تحول الى مواجهة شملت استدعاء السفيرين، وتصريحات لبضعة عشر وزيراً، لا مجرد وزير الشباب أو الرياضة، أو أى وزير مسؤول مباشرة عن الموضوع. بل إن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة اتصل بالرئيس مبارك مرتين بحسب رواية الصحف الجزائرية، وبينها من وصف حادث رشق باص اللاعبين الجزائريين فى القاهرة بأنه «مجزرة» من دون أن يلاحظ أن المجزرة المزعومة من دون قتلى، أو حتى جرحى إصاباتهم تحتاج الى علاج فى مستشفى. فى المقابل قرأت نقلاً عن لسان مسؤول فى الصحافة الرياضية المصرية قوله إن هذه الصحافة «مسؤولة ولم تنحرف الى المهاترات والملاسنات غير المسؤولة فى بعض الصحف الجزائرية». وهو صرح بهذا الكلام من دون أن يلاحظ أنه من نوع المهاترة والملاسنة التى يتهم غيره بها. أعرف أن لاعب الكرة عقله فى قدميه، ولا أنتقد، فبعض اللاعبين يكسب من الدخل فى سنة ما لن أكسب طيلة العمر من الكتابة، ولكن لا أفهم أن يتصرف الإعلام ومسؤولون من البلدين وأنصار الفريقين وكأن عقولهم هبطت الى أقدامهم. إذا اتصل رئيس عربى بآخر فيجب أن يكون الحديث عن قضايا الأمة لا «ماتش كورة»، ويفترض فى مصر، ولها مركز القيادة والريادة العربية، والجزائر بلد المليون شهيد، أن ينسقا دفاعاً عن المسجد الأقصى لا أن يشغلهما جنون الشارعين المصرى والجزائرى عن المهم والأهم. يوم السبت الماضى كانت المباراة فى القاهرة وغداً فى الخرطوم مباراة الحسم، والنتيجة أن بلداً عربياً من المجموعة الثالثة فى افريقيا سيشارك فى بطولة العالم فى كرة القدم السنة المقبلة فى جنوب افريقيا. بما أننى لست مصرياً أو جزائرياً فقد فزت قبل أن يطلق حكم المباراة صفارته إيذاناً ببدء اللعب فى القاهرة، لأن الذاهب الى بطولة العالم سيكون فريقاً عربياً، غير أن من الواضح أن رأيى ليس رأى أنصار الفريقين الذين ينظرون الى الفريق المنافس وكأنه عدو غاشم. ربما ما كنت كتبت عن الموضوع لولا أننى فى انتظار بدء مباراة السبت، كنت أقرأ صحف لندن بسرعة حتى لا يفوتنى شيء من المباراة عندما تبدأ، ووجدت فى أكبر صحيفتين تحقيقاً عنوانه أفضل مئة كتاب صدرت هذا العقد. كان التشابه بين التحقيقين غريباً وتزامن النشر أكثر غرابة، فالعقد لم ينته بعد. واقتصر الاختلاف على أن «التايمز» نشرت الكتب من الأول فى الأهمية والتأثير حتى الأخير فى الرقم مئة، وأن «الدايلى تلغراف» بدأت من آخر كتاب وانتهت مع الأول. كانت هناك كتب فى قائمة لم ترد فى القائمة الثانية، وشغل بعض الكتب مركزاً أعلى فى إحدى القائمتين من القائمة الأخرى، واحتلت رواية «الطريق» من تأليف كورناك مكارثى المرتبة الأولى فى قائمة «التايمز» ولم أجدها فى قائمة «التلغراف» التى أعطت المركز الأول لآخر كتب «هارى بوتر» من تأليف ج.ك.رولنغ، مع أن الكتاب احتل المرتبة 17 فى القائمة الثانية. وكان كتاب باراك أوباما «أحلام من أبي» الثانى فى قائمة والثالث فى الأخرى. أما كتاب الملحد ريتشارد دوكنز «وهم الله» فهبط من المرتبة الخامسة فى قائمة الى الخامسة عشرة فى الثانية، كما هبطت رواية «أسنان بيضاء» لزادى سميث من المرتبة الثامنة الى العشرين بين القائمتين. لماذا انتقلتُ من الكرة الى الكتب؟ القائمتان ضمتا كُتّاباً من العالم أجمع، بينهم كثيرون من باكستان والهند وأفغانستان وتركيا وإيران واليابان وأميركا اللاتينية وغيرها، ولكن لا اسم عربياً واحدٌ. لماذا هذا؟ لأن العرب فى السنوات العشر الأخيرة كانوا يلعبون «كورة» ويختلفون حتى على مباراة بدل أن يستمتعوا باللعب.