أحمد طاهر باحث فى الشئون السياسية لم يدر في خلد المؤسسين لمجلس التعاون لدول الخليج العربي في بداية الثمانينات من القرن المنصرم أن يصبح هذا التنظيم المرتكز الرئيسي للقضايا العربية برمتها، فصحيح أن ضعف دور الجامعة العربية وتراجعه في معالجة مختلف قضايا الأمة العربية خلق الحاجة إلى وجود تنظيمات ذات مستويات اقل تربط بين بعض البلدان لمواجهة مخاطر محدقة تهدد أمنها القومي وسلامة أراضيها ومجتمعاتها واستقرارها، فبرز إلى الوجود ثلاثة تنظيمات عربية يمكن أن نطلق عليها تنظيمات دون الإقليمية، تمييزا لها عن التنظيم الإقليمي العربي الوحيد المتمثل في الجامعة العربية، تمثلت تلك التنظيمات في: مجلس التعاون لدول الخليج العربي (السعودية- الإمارات- الكويت – البحرين- سلطنة عمان- قطر)، الاتحاد المغاربى (ليبيا- تونس- الجزائر- المغرب- موريتانيا)، مجلس التعاون العربي (مصر- العراق- الأردن- اليمن)، إلا انه من الصحيح أيضا أن هذه التنظيمات لم تستطع أن تصمد في مواجهة التحديات التي واجهتها باستثناء مجلس التعاون الخليجي، لتصبح قراءة أهدافه وسياساته وطبيعة أطرافه وطريقة معالجاته لما واجهه من تحديات، من الضروريات التي تستوجبها اللحظة الراهنة في خضم ما تشهده المنطقة من تحولات وتغييرات للوقوف على مدى قدرته على تجاوز تلك المرحلة بما رسمه من سياسات وما اتخذه من خطوات جسدت إلى حد كبير نجاحا ملحوظا في معالجته لقضيتي البحرين وليبيا، بصورة كشفت عن عمق التفكير وصحة الرؤية ووضوح الهدف. فمنذ اليوم الأول للأحداث التي شهدتها مملكة البحرين في منتصف فبراير 2011م، كان موقف مجلس التعاون الخليجي واضحا ومحددا في أحقية المواطنين في التظاهر السلمي للتعبير عن مطالبهم واحترام جميع المطالب المشروعة التي عبرت عنها الشعارات المرفوعة حول الحقوق المعيشية وتوسيع حجم المشاركة السياسية واستكمال منظومة الإصلاح والديمقراطية التي انتهجتها القيادة البحرينية منذ تولى الملك حمد بن عيسى مقاليد الحكم في عام 2001 وإطلاقه لمشروعه الإصلاحي الشامل. كما استمر تأكيد دول المجلس على أن الحوار الشامل هو الآلية الفعالة لتحقيق جميع المطالب والتوصل إلى حلول ترضى الجميع وتحقق طموحاتهم وآمالهم، وتحافظ في الوقت ذاته على امن الوطن والمواطن البحريني، دون اللجوء إلى العنف والتخريب الذي يهدم منجزات التقدم والتنمية، ويعيد البلاد إلى مربع الصفر. كما كان موقف المجلس واضحا في رفضه للتدخلات الأجنبية في الشئون الداخلية لدول المجلس، وتحديدا التدخلات الإيرانية فى الشأن البحرينى والتي هدفت إلى تحقيق أمرين: الأول، إحداث حالة من القلق في واحدة من دول المجلس على أمل أن يتحقق طموحاتها غير المشروعة ضمن مبدأ تصدير الثورة الذي تؤمن به كأحد المبادئ الحاكمة في سياساتها الخارجية منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م. الثاني، شغل الرأي العام الإيراني والعالمي بعيدا عن التجاوزات الإيرانية بحق المعارضة الداخلية والممارسات اللاشرعية واللاقانونية التي تمارسها الحكومة الإيرانية ضد المعارضين منذ الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس احمدي نجاد. والحقيقة أن التوجه الذي تبناه مجلس التعاون الخليجي في معالجته للازمة البحرينية والذي امتد إلى حد تقديم الدعم والمساندة للاقتصاد البحريني في استكمال منظومته الإصلاحية من ناحية، والدعم اللوجسنيى والأمني من خلال إرسال ألف عنصر من قوات "درع الجزيرة" المشتركة، التابعة لمجلس التعاون الخليجي إلى مملكة البحرين لتأمين المنشآت والمؤسسات الحيوية في البلاد وتحت سيطرة القوات الوطنية في البحرين. وإضافة إلى أن هذا القرار كان تطبيقًا عمليًا لاتفاقية الدفاع المشترك التي تم التوقيع عليها بالمنامة في ديسمبر 2000 م والتي تلزم دول المجلس بالدفاع عن أي دولة عضو تتعرض لتهديد أو خطر ، باعتبار أن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ ، فإنه كان رادعًا قويًا لقوى خارجية ساندت ودعمت المخربين ومثيري الفوضى والفتنة وأهمها إيران و حزب الله اللبناني ، وأفشل مخططاتهم في قلب ميزان القوى الإقليمي. يكشف كل ذلك عن أمرين مهمين: الأول، نجاح المجلس في تحقيق أهدافه في حماية امن واستقرار واحدة من أعضاءه في ظل تخاذل دور الجامعة العربية، فالجميع يعلم مدى الحساسية الجيواستراتيجية التي تحظى بها مملكة البحرين في خريطة المنطقة لاعتبارين: أولا، أنها على خط التماس مع إيران بما تمثله من تهديد إقليمي وأمنى للمنطقة العربية بصفة عامة والخليج على وجه الخصوص. ثانيا، التركيبة السكانية التي يتشكل منها المجتمع البحريني، خاصة في بعدها المذهبي (الشيعة- السنة)، فصحيح أن الانتماء القومي إلى الأمة العربية تأكد لدى المواطن البحريني بتصويته في الاستفتاء الذي أجرته الأممالمتحدة عام 1971 لصالح الدولة البحرينية المستقلة ذات الانتماء العربي، إلا انه من الصحيح أيضا أن المجتمع البحريني ما زال يعانى من بعض التوجهات المعارضة التي تُعلى الانتماء المذهبي على الانتماء القومي، وتنشد الاستقرار والتقدم في غير الانتماء الخليجي والعربي ، وهو ما كشفت عنه المحاولات التخريبية التي استهدفت تقويض الامن والنظام في مملكة البحرين. على الجانب الآخر، يأتي موقف مجلس التعاون الخليجي من الأحداث الليبية المتزامنة مع الأحداث البحرينية والتي اندلعت في السابع عشر من فبراير 2011م، ليؤكد نجاحا متميزا للمجلس في معالجته لتلك الأزمة، حيث سارع بمطالبة المجتمع الدولي بالعمل على حماية الشعب الليبي الذي تتعرض المعارضة فيه إلى إبادة شاملة على يد قوات الأمن، وفي هذا الإطار مثلت دعوة وزراء خارجية دول المجلس في 7/3/2011 لمجلس الأمن الدولي لفرض منطقة حظر للطيران فوق ليبيا لحماية الليبيين من القصف الجوي لكتائب "القذافي"، الأساس الذي بُني عليه قرار الجامعة العربية بمطالبة مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار دولي لفرض حظر جوي على الأجواء الليبية، وهو ما تجسد في قرار المجلس رقم (1973)، فضلاً عن تجميد عضوية ليبيا في الجامعة. لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل سارعت بعض دول الخليج (قطر والكويت) بالاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي، هذا فضلا عن المشاركة الخليجية في كافة الفعاليات الدولية والإقليمية التي اتخذت حيال نظام القذافى، منها المشاركة في الاجتماعات الدولية الخاصة بمعالجة الأزمة الليبية، وهو ما تجسد في: المشاركة الخليجية، ممثلة في قطر، بمؤتمر لندن في 29/3/2011، وامتدت المشاركة إلى المجال العسكري، حيث شاركت قطر بأربع مقاتلات من طراز ميراج (ميراج2000) في الدوريات المسلحة، وساهمت الإمارات بست طائرات من طراز "إف – 16"، وست طائرات من طراز "ميراج"، لتنفيذ منطقة حظر الطيران، فضلاً عن طائرات "آباتشي" و"شينوك" وطواقمها للبحث والإنقاذ، كما أرسلت السعودية طائرة مراقبة من طراز "أواكس"، وأخرى للتزود بالوقود. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل امتدت المشاركة إلى الجانب الإنساني، فقد قامت قطر بتسيير قوافل من المساعدات الإنسانية إلى مدينة بنغازي الليبية، كما قدمت الكويت دعمًا للشعب الليبي مقداره 50 مليون دينار، فضلاً عن إرسال طائرات حاملة المواد الطبية والمساعدات الإنسانية لتقديمها كمساعدات عاجلة للمتضررين. في ضوء ما سبق، يمكن القول أن دور مجلس التعاون الخليجي في القضايا العربية أصبح دورا فاعلا، فقد كشفت مشاركاته ومعالجاته فيما واجهته الأمة العربية من تحديات سابقة كما الحال في العدوان الإسرائيلي على غزة ومن قبله الحرب الإسرائيلية ضد حزب الله اللبناني، وكذلك الأزمة الفلسطينية- الفلسطينية، والأزمة اللبنانية، فضلا عن الأوضاع اليمن سواء في حروبه الداخلية من قبل أو في أزمته الراهنة، وكذلك الأوضاع المأساوية في سوريا، يكشف كل ذلك عن مسئوليات قومية كان لمجلس التعاون الخليجي دورا ملموسا وتواجدا ملحوظا ومعالجات متميزة ساهمت في احتواء العديد من تلك الأزمات والخروج بها من عنق الزجاجات إلى رحابة المصالحات، ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن تفعيل هذا التنظيم وتوسيع عضويته وتطوير رؤيته وشمولية سياساته أضحى من ضروريات المرحلة ومتطلبات الاستمرار لان الثبات في خضم مرحلة تموج بالتحولات والتغيرات لا يعنى غير الجمود الذي يمثل بداية التلاشي والانتهاء.