استيقظنا صباح السبت علي خبر نزل علينا كالصاعقة ولم نكن نصدق أن ما يجري علي الأراضي المصرية وتوقفت عقولنا لوقت قليل بينما تحملق أعيننا في شاشات التليفزيون ونسأل أنفسنا هل ما يتحدثون عنه يجري في ميدان التحرير أم أن المذيع قد أخطأ عندما قال ( وفاة شاب وإصابة العشرات في مصادمات بين الجيش والثوار ) إلي أن تأكدنا من صدق الخبر الغريب عن بلدنا وعن جيشنا . لكنها كانت الحقيقة .. فبعد انتهاء جمعة التطهير والمحاكمة والتي خرجت الجموع في مليونية لتضع يدها علي سواعد رجال جيشنا البواسل وتشد من أزرهم وتدعوهم لمواجهة حاسمة لرموز الفساد من النظام السابق ، كما طالبت بسرعة محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي يعيش في قصر ربما يكون أكثر فخامة من قصر الرئاسة الذي كان يعيش فيه منذ شهرين قبل إعلان نائبة اللواء عمرو سليمان تنحيه عن منصب رئاسة الجمهورية .. بعد كل هذا عادت كافة التيارات إلي مضاجعها وعدنا إلي استكمال ممارسة عملنا ، كل في مكانه الذي يعمل فيه . لكن حدث ما لم يكن في الحسبان وما لم تدع له أية فئة أو أي تيار سياسي وهو قرار الاعتصام في ميدان التحرير ، وهو القرار الذي اتخذه مجموعة من الشباب الذين لا ينتمون إلي أي تيار سياسي ، ولا حتى التيارات الجديدة المنبثقة عن ثورة 25 يناير ، حيث كانت جماعة الإخوان المسلمين أقوي التيارات السياسية تواجدا في الشارع المصري قد أعطت تعليمات مسبقة لأعضائها بأن المشاركة في مليونية التطهير والمحاكمة بميدان التحرير ما هي إلا مشاركة في تظاهرات تطالب الجيش بالإسراع في محاكمة الرئيس السابق ورموز نظامه ، وتنتهي بنهاية اليوم ، وهو ما أكدته الأحزاب السياسية التي شاركت في الجمعة المليونية الأخيرة ، وأيضا التيارات الجديدة مثل ائتلاف شباب الثورة وغيره من الائتلافات الجديدة . لكن من هؤلاء الذين قرروا الاعتصام ؟ سؤال أثار الكثيرين ومن الذي طرح اقتراح الاعتصام في ميدان التحرير ؟ سؤال أكثر غموضا .. لكن هذا ما حدث .. وكانت الكارثة الكبرى في اندساس مجموعة من البلطجية وسط هؤلاء الشباب الشرفاء في محاولة لإثارتهم ضد الجيش إلي جانب ثلاثة من الضباط الذين قالوا أنهم ضباط في الجيش المصري وأنهم اسيقظوا صباح يوم الجمعة ليكتشفوا أنهم يجب أن يعلنوا في ميدان التحرير أنهم خرجوا عن الجيش لينضموا للثوار.. في محاولة لشق الصف .. وكأننا في ليبيا وليس مصر التي أعلن الجيش مرارا وتكرارا وقوفه إلي جانب الثورة والثوار وعدم سعيه للحكم .. مؤكدا تنفيذ كل ما طالب به الثوار ، لكنه طلب بعض الوقت لتحقيق ذلك . وليس الضباط الثلاثة قضيتنا ولكن ما يعنينا الآن هو سقوط شهيد جديد وإصابة 71 شاب من خيرة الشباب الذين لم يتمهلوا قليلا ليفكروا ويعقلوا ما هي مصلحة أولئك الضباط الثلاثة في الخروج عن الجيش ؟ وهل لو كان الجيش قد حدث فيه انشقاق أو انه وقف ضد الثورة فهؤلاء فقط هم شرفاء الجيش المصري ؟!!! عاد ميدان التحرير ليكتسي مرة أخرى بالدماء الذكية الطاهرة التي ليس لها ذنب فيما حدث ، كما اننا لا نريد تحميل الجيش ما لا يطيقه ، خاصة في ظل تهديد الحدود المصرية من جميع الاتجاهات وتربص العدو بنا من كل جانب . ويري المراقبون أن ما جرى في ميدان التحرير فجر السبت هو محاولة لجر الجيش إلي ما لا تحمد عقباه وإلي مصير مجهول لمصر ومستقبلها الذي بدأنه في وضع لمساته المبدئية يدا في يد مع قواتنا المسلحة والتي أشرفت علي أكثر الاستفتاءات التي شهدتها مصر نزاهة ، وربما يكون الاستفتاء الوحيد الذي يشهد له الجميع بالنزاهة والحيدة ، وهو ما رفضه جموع الشعب الذين آلمهم ما جرى للشباب في ميدان التحرير ، لكنهم رأوا أن ذلك مخطط لجر الجيش للتصادم مع الثوار . الجيش المصري بلا شك يحظي بشعبية لا يمكن الحديث عنها وهو الأمر الذي وجه علامات استفهام كثيرة في وجه الشباب الذين قرروا الاعتصام في مخالفة لجميع القوي والتيارات السياسية ، حيث حاول الكثيرون إلقاء اللوم علي الشباب الذين لم يلتزموا بقرار حظر التجوال الذي فرضته القوات المسلحة لحماية الوطن والمواطنين من البلطجية ومحاولات التخريب التي يدبر لها فلول النظام السابق ، فكان علي القوات المسلحة فض ذلك الاعتصام بالقوة . وكما أكد البيان الصادر عن الجيش صباح السبت فإن القوات المسلحة عندما تدخلت لفض الاعتصام قامت بإطلاق الرصاص في الهواء ، كما إنها تستخدم عادة العصيان الكهربائية للتفريق فلا حاجة لها بالرصاص الحي ، كما أكد البيان أن هناك بلطجية كانوا مندسون بين المعتصمين هم المسئولون عن الإصابات التي وقعت بين الشباب ، حيث ألقي الجيش القبض عليهم وباستجوابهم أقروا أنهم مكلفون من رجل الأعمال ابراهيم سليمان أحد كوادر الحزب الوطني والذي أمر الجيش فورا بالقبض عليه لمحاكمته عما جري . وهنا يري بعض المراقبون أن دم الثوار قد تفرق بين بلطجية الحزب الوطني الذين لم توجه لهم أية اتهامات من المعتصمين الذين تعرضوا للضرب وبين قوات الجيش التي تدخلت لفض الاعتصام والتي اتهمها الشباب بالمسئولية عما حدث .