ثمة انطباع لدي كثيرين بأن انتخابات 2010 البرلمانية كانت الأقل عنفا من الانتخابات التي سبقتها خاصة انتخابات 2005 وجاء هذا الانطباع من انخفاض عدد قتلي انتخابات 2010 عن الانتخابات السابقة وربما أيضا عدد الجرحي الذين لم يتم حصرهم بدقة حتي الآن.. ولعل هذا هو الذي دفع البعض إلي تسجيل هذا العنف الأقل في انتخابات 2010 كواحدة من ايجابيات هذه الانتخابات أو أهم هذه الايجابيات باعتبار ان العنف صار قدرا محتوما علي انتخاباتنا. لكن مع ذلك فقد شهدت انتخابات هذا العام شيئا جديدا في أسلوب ممارسة العنف وسلوك من مارسوه خلال مرحلة الانتخابات.. فقد لجأ من تورطوا في هذا العنف إلي استخدام سلاح جديد غير الأسلحة النارية والأسلحة البيضاء والعصي والشوم التي عرفناها وخبرناها في الانتخابات البرلمانية السابقة وتمثل هذا السلاح في زجاجات وقنابل المولوتوف. في أكثر من صدام انتخابي أو عنف صاحب الانتخابات استخدمات زجاجات وقنابل المولوتوف وكأن الذين يمارسون العنف والبلطجة في الانتخابات يبتكرون وسائل جديدة وأسلحة جديدة في ممارساتهم للعنف والبلطجة.. يأبون الا ان يفرضوا العنف والبلطجة كإحدي سمات الانتخابات لدينا.. وهذا أمر يجب الا يمر مرور الكرام أو ننساه ونتجاهله بدعوي ان الانتخابات انتهت وبالتالي توقف العنف أو بدعوي ان العنف في هذه الانتخابات كان أقل من الانتخابات السابقة. ولعلنا مازلنا نتذكر ان الصدامات التي وقعت في الجيزة مؤخرا وخلال فترة المعركة الانتخابية بسبب بناء مبني كنسي استخدم فيها أيضا زجاجات وقنابل المولوتوف! إذن فالأمر بات يحتاج لوقفة جادة تجاه هذا العنف الذي يتسلل إلي مجتمعنا ويهدد آمنه واستقراره. فما حدث من عنف وبلطجة في الانتخابات البرلمانية الحالية يجب أن يثير قلقنا ويزعجنا حتي وان كان عدد القتلي الذين فقدوا حياتهم بسببه كان أقل من عدد قتلي عنف الانتخابات السابقة. فهذا العنف وقع في كل مراحل العملية الانتخابية منذ بدايتها وحتي نهايتها. بل وبعد نهايتها أيضا. فهناك عنف قبل بدء العملية الانتخابية أو عملية التصويت.. وهناك عنف أثناء الادلاء بالأصوات وهناك أيضا عنف اثناء فرز الأصوات.. بل وهناك عنف بعد اعلان النتائج وهذا العنف لم يقتصر علي الصدام بين انصار المرشحين فقط وإنما شمل صداما مع رجال الأمن الذين اصيب عدد منهم وشمل كذلك قطع طرق وتعطيل حركة المواصلات وتخريب منشآت وحرق وتحطيم صناديق الانتخابات فضلا بالطبع عن ارهاب الناخبين واحتجاز مرشحين وانصارهم. وثمة تقدير أولي لبعض منظمات المجتمع المدني بأن حوادث العنف التي شهدتها هذه الانتخابات البرلمانية زاد علي 120 حادثا.. أي حادث عنف لكل دائرتين انتخابيتين تقريبا.. أو حادث لكل اربعة مقاعد من مقاعد البرلمان وهذه الحوادث وان اسفرت عن عدد اقل من القتلي - وهذا ما نحمد الله عليه - فإنها ليست بالقليلة والأهم ليست بالحوادث العادية التي يمكن أن نسكت عليها أو نتعامل معها كأنها شيء عادي أو أحد مظاهر حدة المنافسات الانتخابية خاصة وان الأمر لم يعد يقتصر الآن علي قيام بعض المرشحين بتأجير بعض البلطجية للقيام بأعمال العنف والبلطجة.. بل ان انصار ومؤيدي عدد من المرشحين مارسوا ايضا هذا العنف في غمرة حماسهم للمرشحين الذين يؤيدونهم.. والأكثر عددا من المرشحين تورطوا في التخطيط والاعداد لهذا العنف والدليل علي ذلك واقعة ضبط سيارة لأحد المرشحين محملة بالأسلحة. ولن نتخلص من هذا العنف وهذه البلطجة التي تشوب انتخاباتنا البرلمانية الا بأقصي قدر من الحزم في مواجهة من يتورط في هذا العنف وهذه البلطجة من يمارسه ومن يموله ومن يخطط له ومن يحرص عليه وأيضا من يسكت عليه. وقد يقول قائل ان لدينا رجال أمن لا يتوانون عن التصدي لكل من يمارس عنفا أو بلطجة في الانتخابات ولدينا قانون يتضمن عقوبات شديدة وقاسية ضد كل من يرتكب عنفا.. وكل ذلك صحيح تماما ومع ذلك مازال لدينا عنف تشهده انتخاباتنا البرلمانية ومازالت لدينا بلطجة تفسد علينا نقاء منافساتنا الانتخابية.. ولذلك قد يكون من مقتضيات الحزم الضروري لنخلص انتخاباتنا من العنف والبلطجة هو تمكين اللجنة العليا للانتخابات من شطب المرشح الذي يتورط في التخطيط لممارسة العنف خلال المعركة الانتخابية أو يموله أو يحرص عليه.. إذا حدث ذلك سوف يتردد أي مرشح في التورط بممارسة عنف أو بلطجة.