كنت واحداً ممن شاركوا في المؤتمر الذي عقد بمكتبة الأسكندرية الأسبوع الماضي. تحت عنوان: "مبادرات في التعليم والعلوم والثقافة لتنمية التعاون بين أمريكا والدول الإسلامية".. وقد شارك فيه وفود من 40 دولة. تضم نخبة من العلماء ورجال الدين والسياسيين والمفكرين والفنانين وخبراء التعليم وطلبة الجامعات.. كان الهدف من المؤتمر كما جاء علي ألسنة المتحدثين. هو الآتي: عقد شراكات جديدة بين أمريكا والدول الإسلامية لبحث القضايا المشتركة مثل: العيش بكرامة. والحصول علي التعليم. والتمتع بصحة جيدة. والعيش في سلام وأمن.. كما جاء في رسالة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلي المؤتمر.. بناء جسور من مبادرات جديدة بين العالم الإسلامي والولاياتالمتحدة. بعد مرور عام كامل علي خطاب أوباما إلي العالم الإسلامي الذي ألقاه في جامعة القاهرة.. كما جاء في كلمة د. إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الاسكندرية في افتتاح المؤتمر.. تحقيق أكبر قدر من التعاون والحوار وتبادل الأفكار مع الدول الإسلامية.. كما جاء في كلمة السفيرة الأمريكية في القاهرة مارجريت سكوبي أمام المؤتمر.. خلق روابط مع الدول الإسلامية تأتي من الإيمان الكامل لأوباما في الالتزام بمخاطبة الدول الإسلامية وسماع أفكارها.. كما جاء في كلمة فرح بانديث الممثلة الخاصة للمجتمعات الإسلامية في وزارة الخارجية الأمريكية.. إلا أن شيئا من هذه الأهداف لم يتحقق في المؤتمر. لماذا..؟ لأن الأمريكيين الذين جاءوا إلي المؤتمر رفضوا سماع وجهة النظر الأخري.. اغتالوا "الرأي الآخر".. منعوا كل من يختلف معهم في الرأي من التحدث.. واتبعوا في ذلك كل الوسائل الممكنة بدءا من "الشوشرة" علي حديثه. وانتهاء بقطع التيار الكهربائي عن الميكروفون الذي يتحدث فيه..! فعلوا ذلك. رغم أنه يتناقض مع كل ما قالوه في كلماتهم أمام المؤتمر.. ويتناقض مع ما جاء في كلمة الرئيس أوباما للمؤتمر من "إننا نحتاج إلي جهد متواصل للاستماع والتعلم واحترام بعضنا البعض"..! الدليل علي ذلك هو ما حدث معي شخصيا عندما طلبت الكلمة في الجلسة العامة للمؤتمر التي عقدت مساء يوم 16 يونيو الجاري تحت عنوان: "مناهضة المفاهيم الخاطئة: نظرة ثقافية".. كان المتحدثون الرئيسيون الجالسون علي المنصة في هذه الجلسة هم د. علي الدين هلال بصفته مثقفا مصريا والعميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. والباحثة الكويتية د. سهام الفريح. والممثل المصري خالد أبو النجا. وكاتب السيناريو الأمريكي هوارد جوردون. وفنان أمريكي اسمه بيتر ويلر. وصحفية من أصل لبناني تعيش في نيويورك اسمها رغدة ضرغام. ومطرب أمريكي من أصل باكستاني اسمه سلمان أحمد "كان يعقد شعره علي شكل ذيل حصان ويرتدي قبعة كبيرة سوداء ونظارة سوداء. ويضع ساقا علي ساق بطريقة جعلت حذاءه في مواجهة الجالسين في القاعة بطريقة غير لائقة".. وكانت تدير الجلسة د. سينثياب شنايدر. وهي سفيرة سابقة للولايات المتحدة في هولندا.. تحدث الجالسون علي المنصة طويلا عن أهمية الثقافة والفن في التقريب بين الشعوب. وأهمية استخدامهما لمحاربة المفاهيم الخاطئة.. وقال هوارد جوردون إنه: "انتج مسلسلا تليفزيونيا في اعقاب أحداث 11 سبتمبر. في ذروة الغضب الذي يشعر به الأمريكيون تجاه منفذي تلك العمليات الإرهابية. وهو ما أدي إلي تقديم شخصيات إسلامية في المسلسل في صورة إرهابيين"..! كنت أول من طلب الكلمة بعد أن فرغ الجالسون علي المنصة من حديثهم. فأعطتها لي مديرة الجلسة د. سينثيا.. وقفت أمام الميكروفون ووقف خلفي عدد ممن طلبوا الكلمة مثلي. يتقدمهم المفكر الليبي المعروف عمر الحامدي مدير المجلس القومي للثقافة العربية. ود. علي السمان المفكر المصري المعروف.. ثم آخرون..! قلت: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم قدمت نفسي وقلت: "لعله من غير المنطقي أن نتحدث عن مبادرات للتعاون بين أمريكا والدول الإسلامية في مجالات الثقافة والتعليم.. بينما مازالت أمريكا في حالة حرب ضد الدول الإسلامية.. إن الأمر يشبه كما لو أن شخصا قويا هجم علي بيت عائلتي واحتل منه حجرتين.. ثم جاء بعد ذلك يدعوني للغناء معه.. هل يجوز أن اشترك معه في الغناء. وإذا قدم لي مبادرة للتعاون في تعليم أطفالنا.. هل يمكن أن اقبلها منه..؟.. إن عليه ان يخرج أولا من بيت عائلتي. ثم بعد ذلك يمكن أن أجلس معه لنتحاور ونفتح صفحة جديدة في العلاقات بيننا.. لكن كيف يمكن أن يتعاون المسلمون الآن مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. في نفس الوقت الذي تحتل فيه الجيوش الأمريكية دولتين إسلاميتين. هما العراق وأفغانستان..؟.. لن أتحدث عن الوضع في العراق لأن الحرب فيه قد انتهت. وكلنا يعلم أن الولاياتالمتحدة قامت بغزو هذه الدولة الإسلامية وتدميرها بالكامل وقتل وتشريد أكثر من 5 ملايين من أبناء شعبها بناء علي كذبة ليس لها أي أساس من الصحة وهي امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل..! لكنني سأتحدث عن الوضع في أفغانستان.. ففي الوقت الذي نجلس فيه الآن في هذه القاعة لنتحدث عن مبادرات لتنمية التعاون بين أمريكا والدول الإسلامية في مجالات التعليم والثقافة.. يوجد 100 ألف جندي أمريكي في أفغانستان. مسلحين بأحدث أنواع الأسلحة. ويقومون كل يوم بقصف المنازل والمساجد والقري. وقتل المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الأفغاني المسلم.. والرئيس أوباما يرسل اليهم كل يوم المزيد من الجنود والأسلحة والمؤن.. فكيف نتعاون معكم وأنتم تقتلون إخوتنا بلا ذنب؟.. أوقفوا هذه الحرب وانسحبوا من أفغانستان أولا. ثم بعد ذلك تعالوا نتحدث عن التعاون بيننا..! قبل أن أصل إلي هذه النقطة في حديثي كانت "الشوشرة" قد بدأت من المنصة لمنعي من الاستمرار في التحدث.. أحيانا بدعوي أن "الفكرة وصلت".. وأحيانا بدعوي أنني قد تجاوزت الوقت المسموح لكل متحدث.. وأحيانا بدعوي أنني قد خرجت عن موضوع الجلسة.. لذلك فمن الأمانة أن أقول للقاريء إن كلماتي في الجلسة لم تصل بنفس درجة الوضوح التي هي عليها في هذا المقال. بسبب كثرة المقاطعات والشوشرة التي تعرضت لها من مديرة الجلسة أولا. ثم انضمت لها بعد ذلك في الشوشرة والصراخ للتشويش علي كلامي رغدة ضرغام.. لذلك توقفت عن الاسترسال في عرض وجهة نظري. وناشدت السفيرة الأمريكية التي تدير الجلسة قائلا لها: " أنتم بلد الحرية..فلا تصادروا حريتي في التعبير عن رأيي.. أرجوكم أعطوني فرصة للتحدث بدون مقاطعة.. دقيقة واحدة.. من فضلكم أعطوني دقيقة واحدة وسأنهي حديثي".. لكن المرأتين الجالستين علي المنصة.. السفيرة والصحفية.. واصلتا الصراخ بصوت عال.. ولم تكن كلماتهما مفهومة.. فأدركت بسرعة أنهما يتبعان معي حيلة نسائية اعرفها جيدا. وهي الصراخ لمجرد إثارة الضجيج في القاعة. وإحداث فوضي في المكان. لإعاقة صوتي من الوصول واضحا إلي الحاضرين.. لعلها أحد وجوه الفوضي الخلاقة التي اخترعها الأمريكيون..! لذلك قررت أن أواجه صوتهم العالي بصوتي العالي.. وأستأنفت الحديث وسط تصفيق مدو من الحاضرين. ونداءات من القاعة تطالب المنصة بالسكوت لكي اكمل حديثي.. قلت: "لقد قامت الولاياتالمتحدة بغزو أفغانستان وتدميرها. وقتل وتشريد الملايين من شعبها. دون أن تقدم للعالم دليلا واحدا علي مسئولية طالبان والقاعدة عن تنفيذ أحداث 11 سبتمبر.. لكنني سأقدم لكم الآن عشرات الأدلة علي أن الأمريكيين هم الذين دبروا ونفذوا أحداث 11 سبتمبر.. الأدلة في يدي.. ها هي.. إنها شهادات 11 عالما أمريكيا في الفيزياء والهندسة والبناء والعلوم العسكرية..! .. هنا تم قطع التيار الكهربائي عن الميكروفون الذي كنت أتحدث فيه.. وللحديث بقية في الأسبوع القادم. إن شاء الله تعالي