ما أن أعلن فى ليبيا عن تنظيم احتفالات ضخمة تستمر لستة أيام وتشمل عروضا موسيقية فاخرة وحفلات وأعمال مسرحية ومعارض وذلك بمناسبة مرور 40 عاما على انتصار ثورة الفاتح من سبتمبر التى وصل خلالها العقيد معمر القذافى للسلطة ، إلا وبرزت تقارير صحفية تحاول فيما يبدو تعكير صفو تلك الاحتفالات عبر إثارة قضية الملكة فاطمة. ففى مقال بعنوان"تجاهل رسمى لتدهور الحالة الصحية للملكة فاطمة زوجة آخر ملوك ليبيا" ، كتبت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية تقول :"فى ذكرى مرور 40 عاما على تولى العقيد معمر القذافى السلطة، فى الأول من سبتمبر/أيلول عام 1969، لا تزال المرأة التى أطاح القذافى بنظام حكم زوجها، الملك الراحل إدريس السنوسي، ترقد على سرير المرض بين الحياة والموت، فى غرفة تحمل رقم 216 بأحد مستشفيات العاصمة المصرية، من دون أن تحظى بأى اهتمام رسمى على الإطلاق من الدولة الليبية". وتابعت الصحيفة: "وتعالج الملكة فاطمة، آخر ملكات ليبيا، على نفقتها المالية الخاصة، من إغماء تعرضت له الأسبوع الماضي، فيما قال أحد المقربين منها إنه لا تغير ولا تحسن فى حالتها الصحية، وأن زيارتها ما زالت ممنوعة وفقا لتعليمات الأطباء". وأضافت "وبينما انهالت باقات الورد والاتصالات الهاتفية على غرفة الملكة، التى ما زالت تحظى بشعبية واسعة فى أوساط الليبيين، فإن السفارة والبعثة الدبلوماسية الليبية فى القاهرة بدت عازفة تماما عن الإطلاع على أحوال الملكة، التى تبلغ من العمر حاليا 99 عاما، وقضت معظم سنواتها الأربعين الأخيرة خارج وطنها فى منفى اختياري". واستطردت "وباستثناء العدد المحدود من مرافقيها، وهم فى الوقت نفسه ما تبقى من عائلتها، فإن الملكة فاطمة تخضع لإشراف طبى مكثف بالنظر إلى تقدمها فى العمر". وانتهت الصحيفة إلى القول : "وتمثل يوميات الملكة فاطمة، فى المنفى منجما للكثير من الباحثين عن التمتع بصحة جيدة مع تقدم السن ، فقبل مرضها الأخير اعتادت الملكة أن تطالع الصحف اليومية بانتظام، ومتابعة نشرات الأخبار فى القنوات الفضائية المختلفة، خاصة المصرية المفضلة لديها، وتقريبا لا يمر يوم بدون مرورها عدة مرات على القناة الفضائية الليبية، بحثا عن اللقطات الفولكلورية للفن الشعبى الليبي". ابتزاز لا يتوقف وبجانب موضوع الملكة فاطمة ، فقد تناولت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية هى الأخرى احتفالات ليبيا بمرور 40 عاما على انتصار ثورة الفاتح من زاوية الابتزاز الذى مازال الغرب يمارسه ضدها . فمعروف أن احتفالات ليبيا هذا العام سبقها مناسبة سعيدة ألا وهى نجاح القذافى فى إطلاق سراح المدان باعتداء لوكيربى عبد الباسط المقراحى ، ورغم أن الأمور كانت تسير على مايرام ، إلا أنه سرعان ما بدأ الحديث حول صفقة بين طرابلس ولندن أفرج بموجبها عن المقراحى ، ومع بدء الاحتفالات بوصول القذافى للسلطة ، فجرت صحيفة "الاندبندنت" مفاجأة جاء فيها أن ليبيا ألمحت لأول مرة بأنها قد تدفع تعويضات لعائلات ضحايا الهجمات التى شنها الجيش الجمهورى الايرلندى ضد البريطانيين وذلك فى اعتراف بأنها قامت بتسليح من أسمتهم الصحيفة ب "الإرهابيين". ووفقا لتقرير الصحيفة فإن الزعيم الليبى معمر القذافى كان زود المسلحين الأيرلنديين بالأسلحة والمتفجرات خلال فترة الاضطرابات التى سادت العلاقة بين الحكومة البريطانية والمسلحين الأيرلنديين الشماليين على مدى عقود. وأضافت أن بريطانيا استغلت فترة إطلاق سراح عبد الباسط المقراحى المدان فى تفجير لوكيربى لمطالبة ليبيا مجددا بدفع تعويضات لأسر ضحايا هجمات الجيش الأيرلندي. واستندت إلى تصريحات نادرة لوزير التعاون الدولى الليبى محمد سيالا قال خلالها إن التعويضات الخاصة بأعمال الجيش الجمهورى هى جزء من المفاوضات المستمرة مع الحكومة البريطانية والتى تم التوصل فيها لشكل من أشكال التوافق. وأضاف سيالا " إنها قضية خاصة، لدينا تفاهم خاص مع الحكومة البريطانية" ، إلا أنه قال إن على العائلات أن تنتظر وقتا أطول ، مشيرا إلى أن الأمور لم تنضج بعد. التصريحات السابقة إن تأكدت صحتها ، فإنها ترجح أن صفقة إطلاق سراح المقراحى لم تتضمن فقط حصول شركات بريطانية على صفقات فى قطاع النفط والغاز الليبى ، وإنما امتدت لابتزاز ليبيا فى قضايا سياسية أخرى وهو الأمر الذى من شأنه أن يغطى على الفرحة العارمة التى تعيشها ليبيا بمناسبة الإفراج عن المقراحى وإحياء ذكرى وصول القذافى للسلطة . احتفالات تاريخية وكانت ليبيا بدأت فى مطلع سبتمبر إحياء أسبوع من الاحتفالات الضخمة فى الذكرى الأربعين لوصول العقيد معمر القذافى إلى السلطة. ووصل العديد من القادة الافارقة بالفعل إلى ليبيا لحضور قمة الاتحاد الافريقى عقدت بهذه المناسبة ، بالإضافة لمشاهدة عرض عسكرى فى ذكرى الأول من سبتمبر/ أيلول. ورغم أن معظم القادة الغربيين لن يشاركوا فى الاحتفالات التى تأتى متزامنة مع الجدل السياسى بشأن إطلاق سراح عبد الباسط المقراحى ، إلا أنه شارك من أمريكا اللاتينية الرئيس الفنزويلى هوجو شافيز. وتشتمل الاحتفالات على عرض عسكرى ، كما يشارك مئات الراقصين والموسيقيين فى عرض يصور آلاف السنوات من التاريخ الليبى يعقبه إطلاق الألعاب النارية من سفن على شاطىء طرابلس. وعلقت هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سي" على الاحتفالات السابقة وسنوات حكم القذافى ، قائلة :" إن ليبيا قطعت شوطا طويلا منذ فترة الاضطرابات وإن البلاد تحاول تعديل السياسات التى وصفت بأنها تجارب فاشلة تعود للماضى ". وأضافت " لا يتجاوز تعداد سكان ليبيا ستة ملايين شخص وتتمتع بثروات غير محدودة من الموارد الطبيعية ، إلا أنها لم تترجم هذا الأمر لإنجازات اقتصادية كبيرة ، لا يتردد المسئولون الليبيون فى لوم الحصار الاقتصادى الدولى على ليبيا الذى استمر على مدى عقد من الزمان خلال تسعينات القرن الماضى بأنه المسئول عن الوضع القائم ". وتابعت " زمن العزلة اعتبر عذرا مقبولا لدى الكثير من الناس فى ليبيا ، إلا أن البعض فى ليبيا يقولون إن قائدنا يقول إن هناك فساد وإنه يرغب فى التخلص من الحكومة وتوزيع الثروة النفطية على الشعب". وبجانب ما سبق ، فإن البعض الآخر يتهم سياسات العقيد القذافى التى تستند إلى أسس اشتراكية والتى جعلت ليبيا تعتمد بشكل كبير على الحكومة، مزيلة الحوافز للبحث عن العمل. وأيا كان المسئول عن أخطاء الماضى ، فإن هناك حاليا أجواء من التفاؤل ، حيث تشهد ليبيا علامات على الاتجاه نحو اللامركزية فى التعامل مع القضايا الدولية ، وهناك علامات أيضا على الازدهار ونمو الاقتصاد التنافسى مع نمو عدد الأشخاص الذين يديرون مشاريع خاصة . والخلاصة أن الليبيين تجاوزوا المرحلة التى يلقون فيها باللوم أو وضع مسئوليهم فى موضع المساءلة ، هذا بالإضافة إلى أن القذافى مازال يتمتع بمكانة خاصة وينظر إليه الشعب الليبى نظرة تقدير.