عام البغلة هو أحد العلامات الفارقة فى التاريخ المصرى الحديث والمعاصر، فقد شهد ذلك العام (ونعنى به عام 1980 الذى يسمى أحيانا بعام الهوانم )، شهد حدثا دستوريا جللا حينما تقدمت مجموعة من الهوانم من عضوات مجلس الشعب المصرى: نوال هانم عامر، وكريمة هانم العروسى، وفايدة هانم كامل، تقدمن باقتراح لتعديل المادة 77 من الدستور المصرى الذى كانت فى ذلك الوقت تنص على أن : " مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الإستفتاء، ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدة أخرى"، تقدمن باقتراح لتعديل نصها بحيث يصبح : " لمدد أخرى "، ... ظاهريا فإن حرفا واحدا فقط كان هو المطلوب تعديله، حرف التاء المربوطة الذى سوف يستبدل به حرف الدال، فتحل: " مدد"، محل " مدة "، ويحل مبدأ الرئاسة المؤبدة محل مبدأ تدول السلطة،..... ظاهريا فإن حرفا واحدا هو الذى سيتغير,.... وواقعيا فإن أبسط الأوصاف لما سيحدث هو الإنقلاب الدستورى الذى تحقق بعد ذلك بالفعل...لا يدرى أحد على وجه التحديد لماذا جاء هذا الإقتراح أو الإنقلاب من الهوانم بالذات، هل لأنه جاء فى حقيقة الأمر بإيعاز من السيدة الأولى التى كانت تربطها صلة طيبة بهوانم المجلس، أم أنه جاء منهن بدون إيعاز من أحد لأنهن يحملن فى أعماقهن تراثا معينا يدفعهن إلى تفضيل الرئاسة المؤبدة، أيا ما كان الأمر فقد لاقى هذا الإقتراح وكان لابد أن يلاقى رضاء عميقا من الرئيس أنور السادات، الذى راح يتابع فى انتشاء لا تخطئه العين مهرجانات الزفة للتعديل الجديد، ومهرجانات التنديد بالمعارضين والمنتقدين لمبدأ التأبيد، وهى المهرجانات التى بلغت ذروتها فى خطاب شهير لفضيلة الشيخ أحمد حسن الباقورى قال فيه : "إن السلطان هو ظل الله في الأرض، وظل الله في الأرض له حرمة ومهابة، فلا يجوز المساس بالسلطان أو الإساءة إليه بكلمة، حتى إن بعض الفقهاء قالوا: إذا كان السلطان يركب بغلة وذيلها مقطوع فلا يجوز التهكم عليه، لأنه ذيل بغلة السلطان، فكيف بالتهكم على السلطان نفسه!؟" .....ما زلنا إلى يومنا هذا، نعيش توابع عام البغلة، ففى أعقاب الإنقلاب الدستورى لعام 1980 أصبح من المستحيل عمليا تداول السلطة بشكل سلمى وأصبح السبيل الوحيد للتغيير متمثلا: إما فى انقلاب عسكرى مسلح أو فى ثورة شعبية، لكن لا هذا ولا ذاك قد حدث أى منهما فى مصر،.... الإنقلاب العسكرى لم يحدث لأن القوات المسلحة كانت وما زالت منذ عام 1952موالية تماما لمؤسسة الرئاسة باعتبار أن الأخيرة كانت أيضا وما زالت جزءا منها منتميا إليها بشكل أو بآخر، والثورة الشعبية لم تحدث لأن الجماهير المصرية كانت فى عام 1980 ما زالت تعيش بقايا الإلتحام بين قيادة وطنية معبرة بالفعل عن آمال الأغلبية الغالبة من الشعب المصرى وبين قواعد هذه الأغلبية الغالبة التى كانت قد اطمئنت إلى قياداتها فاستكانت وترهل حراكها السياسى، وحينما بدأت الجماهير تنتبه إلى أن طبقة جديد من الأثرياء الجدد، الذين وضع بذورهم أنور السادات نفسه، والذين يسمون أنفسهم برجال الأعمال، هم الذين يحكمون قبضتهم على النظام السياسى، وهم الذين يستفيدون من السلطة المؤبدة للرئاسة رغم انتماء تلك الرئاسة تاريخيا إلى مدرسة الوطنية المصرية والتوجه العربى!!، حينما بدأت الجماهيرتنتبه إلى ذلك كان الأوان فيما يبدو قد فات، وكانت سائر القوى السياسية المنظمة قد تم الإجهاز عليها ( باستثناء الإخوان المسلمين الذين يجرى حاليا تصفيتهم أو ربما عقد صفقة معهم )، أخطر من ذلك أن القوى الأمنية قد تضخمت تضخما رهيبا وقادرا على البطش بأى تيار سياسى يثبت أن له فاعلية ما، ولم يبق فى مواجهة ذلك كله سوى بديل واحد ممكن ووارد، وهو الإنفجار العشوائى الذى إن حدث فسوف يمثل كارثة رهيبة فادحة لا تعدلها كارثة أخرى على مدى تاريخنا كله.