لاتزال مصر تدافع باستماتة عن موقعها فى جدول البؤس العالمى، فى مارس من العام الماضى جاءت ضمن أكثر أربع دول بؤسا فى العالم، وها هى فى العام الحالى تأتى الخامسة ضمن أكثر 60 دولة بؤسا، وفقا لمؤشر البؤس العالمى كما جاء فى تقرير تعده وكالة «بلومبرج» العالمية المتخصصة فى الشئون الاقتصادية. وهذه المكانة العالمية «المرموقة» وصلت إليها مصر نتيجة حاصل جمع معدل التضخم ومعدل البطالة بها، وكما تعرف سعادتك فإن وراء هذا «الإنجاز العالمى» منظومة متكاملة تحارب فى صمت على أكثر من جبهة لكى تضع مصر فى قاع سلة بؤساء العالم، منظومة تعمل فى تناغم بديع من أكبر رأس فى البلد حتى أصغر موظف يمارس هواية التزلج على سطح الفساد. غير أن هذه الحالة من البؤس الاقتصادى ليست أكثر من عنوان دال ودقيق على حالة البؤس العام التى ترفل فيها مصر، من السياسة إلى الثقافة إلى التعليم إلى الصحة، ولأن البؤس بالبؤس يذكر، فمازال صدى فضيحة مفاوضات مياه النيل بشرم الشيخ الأسبوع الماضى يدوى فى الآفاق كاشفا عن مكانة بائسة لنا على الصعيد الأفريقى، حتى صرنا غير قادرين على التفاهم مع رواندا وبورندى، بينما إسرائيل تتمدد فى العمق الأفريقى كل يوم، وفقا لنظرية الفراغ، إذ لا يعقل أن تترك مكانك وتنسحب تماما ثم تغضب عندما يتقدم أحد لشغل ما تركت من فراغ. والسيناريو ذاته تكرر على المستوى العربى، انكماش مصرى واضح، أسفر عن تمدد إيرانى ملموس فى المنطقة، لا يستطيع عاقل أو منصف أن يلوم طهران عليه، فلا يصح أن تجلس مسترخيا على مقعد الشيخوخة الوثير ثم تطلب من الآخرين ألا يتحركوا ويعملوا. وداخليا أيضا تمضى الأمور وفقا لنظرية الفراغ، تنسحب الدولة من الشارع فيمرح البلطجية واللصوص والنصابون، حتى بلغ بنا الحال أن مواطنا يتم ذبحه فى عرض الطريق فى إمبابة، بينما المارة والجيران يتابعون وقائع الذبح لحظة بلحظة من شرفات المنازل كما كتب الزميل ممدوح حسن أول أمس الجمعة فى الشروق دون أن يجرؤ أحد على فعل شىء لأن الدولة ببساطة غائبة، أو هى متفرغة لملاحقة نشطاء سياسيين يطالبون بالتغيير، وما جرى مع شباب 6 أبريل فى وسط القاهرة ليس ببعيد. و لأن البؤس لا يتجزأ، فقد عجزت دولة مفترض أنها كبيرة عن معالجة مرارة رئيسها فى أى من مؤسساتها الصحية، وهى الدولة ذاتها التى شاركت فى أكبر عملية نصب على المواطن من خلال فيلم إنفلونزا الخنازير الهابط. باختصار شديد نحن جديرون بموقعنا البارز فى جدول البؤس العالمى، وما جرى فى معركة اليونسكو، والحرب الكروية مع الجزائر.. إلخ إلخ، مجرد عينة من حروبنا المقدسة للاحتفاظ بمكانتنا كدولة بائسة.