المفكرة الايطالية ريتا دي مليو للكاتبة والمفكرة الايطالية ريتا دي مليو صدرت الطبعة العربية لكتابها "الاسلام ذلك المجهول في الغرب" وفي مقدمة الكتاب تشير الكاتبة إلى أن الإسلام لا يمكن أن يحيط به أي كتاب مهما تضخمت صفحاته فهو يستحق الكثير من الكتب لكي تلم بجوانبه المتعددة وهو كالماسة لها ألف بريق وليس من الإنصاف اختصاره في كتاب واحد. وتعرضت في فصول كتابها المختلفة إلى كثير من القضايا الخلافية قالت فيها رأيها بصراحة وجرأة خاصة قضية الجهاد التي قدمت فيها تبريرات منطقية عقلانية للجهاد الإسلامي بعيدا عن استغلال هذا الفرض الديني لأهداف سياسية وإرهابية وفصلها في الجهاد رغم أنه يتحدث عن الجهاد بوصفه «الحرب المقدسة» وهو التعبير الذي لم يعرفه الإسلام ولكنه منقول عن الغربيين في حروبهم الصليبية ولكنها استخدمت المصطلح الغربي لكي تقرب إلى أذهان الغربيين. فهي ترى فيه فرضا على كل مسلم، ولكنها تقول إن الحرب في الإسلامية دفاعية لأن القرآن ينهى صراحة عن الاعتداء على الغير ويأمر المسلمين بالدفاع عن أنفسهم وعن أموالهم وبالتعاضد لنصر المستضعفين من المسلمين. بدأ ريتا دي ميليو بعرض حياة العرب قبل الإسلام وترسم خريطة للمعتقدات الدينية التي كانت سائدة في هذه المنطقة والتي تجاورت فيها الوثنية إلى جانب عبادات غريبة للنباتات والأشجار والأشياء المختلفة كما كان هناك انتشار محدود وفي مواضع بعينها للمسيحية واليهودية خاصة في اليمن وفي شمال الجزيرة العربية. في شبه الجزيرة العربية وبخلاف تقديس الأشجار والنباتات كانت هناك عبادات للأحجار المقدسة وهي أحجار متحركة أو متساقطة أو صخور بارزة أو معلقة تحمل الملامح البشرية ولم يكونوا يعبدونها لذاتها وإنما باعتبارها حاملة للألوهية أو رمزا لها. فكانوا يقيمون إلى جوارها الاحتفالات الدينية التي تشتمل على القرابين وأعمال الحج والمهرجانات. أما البدو الرحل فكان لديهم على العكس محراب متنقل يسمى القبة وهو نوع من المراكب المقدسة، كانت ترافق القبائل في تنقلاتها السلمية أو الحربية. والكاهن وهو شخصية بين القس والساحر كان له تأثير كبير وكانوا يستشيرونه في الأمور المهمة. وفضلا عن الأصنام كان العرب يؤمنون بالجن وهي مخلوقات غير مرئية يمكن أن تكون طيبة أو تكون شريرة ويمكنها أن تؤثر سلبا أو إيجابا على حياة البشر. وتشير ريتا دي ميليو إلى النظام السياسي السائد في الجزيرة العربية قبل الإسلام وهو تنظيم سياسي واحد هو القبيلة. كانت الصلة الوثيقة بين أبناء القبيلة الواحدة ناشئة عن وعي أبنائها بأنهم سلالة جد واحد مشترك. وهذا الجد، طبقا للتراث العربي، سليل جد آخر، وهو زعيم مجموعة من القبائل، وهكذا من جد إلى جد نصل إلى شخصيتين رئيسيتين، تعتبران الأصل في أهل شبه الجزيرة كلها. هاتان المجموعتان الكبيرتان يمكن تقسيمهما إلى مجموعة الشمال ومجموعة الجنوب. المجموعة الجنوبية هي القحطانية التي تنتسب إلى جدهم قحطان، والمجموعة الشمالية تحمل اسم العدنانيين وتنتسب إلى عدنان، ويسمون كذلك بالإسماعيليين، لأنهم يعتبرون عدنان سليلا لإسماعيل بن إبراهيم. وكان أهل مكة يسيرون على سنة باقي أهل شبه الجزيرة، ويعتمدون نظاما اجتماعيا قائما على القبلية. وأكبر قبائل مكة التي كانت تضم معظم السكان، وبصفة خاصة الأغنياء وكبار القوم، هي قريش، ومنها الكلمة المعروفة في الإيطالية، القرشيين كان لمجلس القبيلة مقر، وله رئيس هو الذي يدير شؤون المدينة. وقد تكونت وتشكلت مهام توزعت على القبيلة، منها خدمة وصيانة الكعبة، ووفادة وسقاية وإطعام الحجيج، وهكذا دواليك. وقد وصلت الحياة الاجتماعية في هذه المدينة إلى مستويات أكثر رقيا من تلك التي شهدتها المراكز الحضرية الأخرى، خاصة مجتمعات البداوة. هذا هو باختصار حال البيئة الدينية والاجتماعية التي ولد محمد وعاش فيها حتى نزول الوحي، وما تبعه من انتشار للإسلام. تعرض المؤلفة مولد وحياة الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، بنفس الطريقة والمنهج التاريخي النقدي الذي يقبله الغرب، ولكنها تأخذ في الاعتبار في نفس الوقت أن المسلمين يعتبرون أن حياة محمد وأقواله وأفعاله جزءًا لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية، التي تقوم على القرآن والسنة. كما تعرضت لزواجه من السيدة خديجة، التي جذبت استقامته انتباهها، فكلفته بتجارتها وأرسلت معه ميسرة الذي حكى لها بعد عودته عن المعجزات التي أتى بها الرسول في رحلته، واستشارت فيها قريبا لها هو ورقة بن نوفل، الذي أكد لها أن هذه الصفات تنطبق على النبي الذي بشرت به الكتب المقدسة، والذي سوف يظهر في بلاد العرب. فرحت خديجة بهذا وعرضت الزواج على محمد فقبل وأنجب منها أربع بنات: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وولدين ماتا. كان يسر الحال الذي جاءه من زواجه بخديجة، سببا في أن يستطيع محمد التفرغ لحياة تلائم ميوله الطبيعية الخلوة والتأمل، ثم تحكي المؤلفة كيف هبط الوحي على النبي في غار حراء، كما ترويه الروايات العربية، وقد جاءت في هذا السياق التاريخي متسقة ومتوافقة، والأهم أنها لم تبذر أي بذرة شك في بعثة الرسول وفي نزول الوحي عليه، وفي أن القرآن الكريم هو كتاب الله المنزل للعالمين. وقدمت المؤلفة للهجرة النبوية وهجرة المسلمين الأولى والثانية، ووصفت محمدا في المدينة بأنه كان نبيا وكان زعيما سياسيا عبقريا استطاع أن يقود الأمة منطلقا من المدينة، رغم كل مشاكلها، ورافعا شأن الأمة إلى عنان السماء. كما أشارت إلى أول ميثاق للتعامل مع الآخر في التاريخ، وهو «صحيفة المدينة» التي رتبت حقوق المسلمين وغير المسلمين في دولة الإسلام الجديدة. ورغم هذا فقد عرضت الوضع في المدينة كما يلي: «في المدينة اعتنق الوثنيون الإسلام وأظهر المسيحيون تعاطفهم مع النبي أما اليهود فظلوا متصلفين ومعادين رغم العهد الذي أشرنا إليه». وفي الكتاب كله نلمح حرص المؤلفة على إظهار أن اليهود ظلوا دائما يلقون معاملة حسنة من الإسلام، ولكنهم لا يردون هذه المعاملة بمثلها، وإنما كان ديدنهم دائما الغدر ونقض العهود، وهو بالتأكيد من المواقف الشجاعة، التي يقل من يقررها في الغرب، خوفا من التهمة الشائعة بمعاداة السامية، التي أصبحت تخيف الأقلام جميعها هناك. تفرد المؤلفة جزءا خاصا بمحمد النبي والإنسان وتقرر فيه إن شخصية محمد هي إحدى الشخصيات الأكثر تفردا من بين أعظم الشخصيات التي صنعت تاريخ البشرية. ومعجزاته بالنسبة لمن يؤمن به وبالنسبة لمن لا يؤمن، تعد من الأحداث المذهلة. ولكنه كان هو نفسه المعجزة الأكبر شخصيته وحياته في مكة كان رجلا وديعا، يكاد يكون زاهدا في تعبده وفي عزلته الروحية. وكان رب بيت مثاليا طوال عشرته التي دامت خمسة وعشرين عاما من الحب مع زوجته التي كانت تكبره، خديجة. ورغم ما تعرض له من عداوة واستهزاء فإنه ظل واثقا من نفسه ومن النصر النهائي لربه ويجيب بهدوء ليهزأ من الكفار بآيات من القرآن وهو يهددهم بنار السعير. وفي المدينة تحول إلى رجل سياسي محنك، حتى أصبح رئيس دولة ومحاربا لا يشق له غبار. من ذا الذي يستطيع أن يتعرف في هذا الواعظ الوديع الذي كان في مكة على الفارس المقدام الذي يقود جيشه لفتح الجزيرة العربية وما خلفها؟ يحكى أن النبي كان يمكن التعرف عليه من بين جميع المحاربين، رغم وجهه المغطى، وذلك من خلال ومضات بريق في عينيه. من يريد أن يشوه هذه الشخصية العظيمة فهو يضعه عادة في مقارنة بالمسيح. ولكن الشخصية الزاهدة للمسيح ليس لها أي علاقة بإنسانية محمد. فنبي الإسلام الذي كان يخوض الحروب، ويشن الغارات ويمارس القصاص، يجب النظر إليه داخل البيئة التي وجد فيها، والذي كانت طريقة حياته فيها هي القاعدة. فقد كان «رجلا مثل جميع الرجال»، رجلا مصطفى ولكنه في جميع الأحوال رجل، وقد أكد القرآن على هذا المفهوم مرتين. المرة الأولى في سورة الكهف الآية 110: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ». والمرة الثانية في سورة الإسراء الآية 93: «قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً». والفارق بينه وبين الآخرين من البشر هو أن الله اصطفاه وكلفه بتبليغ رسالته. وجعل منه خاتم الأنبياء! وهناك من لا يزال يرى في القرآن مجموعة من القواعد الدينية من أصول مسيحية ويهودية، تعلمها محمد من خلال اتصالاته مع شخصيات كبيرة تنتمي إلى هذين الدينين، قابلهم في مكة وفي المدينة. ومنها لفق محمد قرآنه. أي أن هؤلاء يرمون محمد بالانتحال. وفي هذا المجال فإنني أطرح الأسئلة التالية. لماذا كان عليه أن يخترع كذبة ضخمة مهولة مثل تلك؟ لجنون العظمة، حبا بالسلطة؟ في مكة، حيث لم يحقق الكثير من النجاح وواجه العديد من الآلام، لم يكن ليلتزم بهذا الصراع الذي كان يبدو بلا مخرج، إلا إذا مقتنعا بصحة رسالته. كيف استطاع أن يفحم بآيات القرآن اللاذعة الكاذبين والمنافقين إذا كان هو نفسه كاذبا؟ وإذا كان هو الذي ابتدع هذا الإسلام من بنات أفكاره فلماذا لم يجعله بسيطا سهلا مقبولا من غالبية قومه؟ هؤلاء القوم الذين كانوا مشركين وثنيين وأتى لهم بدين توحيدي؟ بالإضافة إلى الديانة التوحيدية لماذا فرض عليهم صيام رمضان وهو أمر شاق جدا في شبه الجزيرة العربية حارقة الحرارة؟ وكيف أمكن أن يصبح من أصدقائه أشخاص من نبلاء الروح ومن الموهوبين بالذكاء الراقي إذا لم يكونوا يعتبرونه من الصادقين؟ وكيف استطاع وهو الأمي أن ينتج عملا على قدر كبير من القيمة أدبيا ولغويا؟ كم من الأسئلة التي يمكن طرحها وكم من الإجابات! ولكن هذا العرض هو عرض إسلامي وليس دراسة نقدية. وبالنسبة للمسلمين فإن محمدا هو نبي شديد النقاء والصدق، رسول الله، قدوة للمؤمنين، وخاتم للنبيين. على اتهامه بالقسوة يمكن الرد ببساطة: لقد عاقب محمد بقسوة أفرادا ارتكبوا جرائم، أو أعداء عنيدين مثل القلائل (ستة) من القرشيين عند فتح مكة، واليهود الذين خانوه.. واستعمل كل الوسائل التي أتاحها له المجتمع آنذاك للدفاع عن جماعته ودعمها. حارب بإمكانيات متواضعة وبمعاونة قليلة حتى لا يسقط أمام الأعداء والمنافقين الذين كانوا يريدون له الخراب. ولكي يواجه احتياجات جماعته لجأ إلى شن الغارات، التي كانت تعتبر مشروعة في شبه الجزيرة العربية منذ أزمنة أبعد وليست قابلة للحكم عليها بمقاييس أفكارنا الغربية. والحروب التي قام بها، سواء دفاعية أو هجومية، كانت لنشر دعوته. ولكن هذا العمل الوحشي في حياة الإنسانية حاول هو أن يجعله أقل وحشية. فقد أمر جنوده: «لا تقتلوا شيخاً فانياً لا تقتلوا امرأة لا تقتلوا صغيراً رضيعاً لا تهدموا بناءً لا تحرقوا شجراً لا تقطعوا نخلاً وأحسنوا».