عند استقراء الواقع التاريخي للإنسانية قبيل الرسالة المحمدية الخاتمة، نجد الحاجة البشرية الماسة لتصحيح العقيدة الفاسدة، نتيجة لانتشار الوثنية المشركة، التي تسببت في الفساد الخلقي، لعلمنا أن أخلاق الناس على قدر دينهم ، ولقد ذكر المولى عز وجل أنبيائه وأقوامهم بمبعث تلك الرسالة الخاتمة ، فأخذ عليهم الميثاق في قوله تعالى: ( وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) (آل عمران : 81) وكذلك فالمصطفى صلى الله عليه وسلم دعوة سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم وذلك مصداقا لقوله تعالى (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم أنك أنت العزيز الحكيم) (البقرة : 129)، وكذلك هو بشرى عيسى في قوله تعالى: (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل أنى رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدى من التوراه ومبشراَ برسول يأتى من بعدى أسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) (الصف :6). لقد كثر الاهتمام في قديم الزمان وحديثه بدراسة السيرة النبوية لخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن مناف بن قصي بن كلاب صلى الله عليه وسلم وأمه آمنه بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، فاشترك أبوه وأمه في الجد الخامس كلاب وأسمه " عروة أو حكيم " ولقد لقب بهذا الاسم لكثرة صيده الكلاب، وقبيلته هي قبيلة قريش أشراف زمانهم، والجد قصي كان اسمه " زيد " فكان أول من تولى سدانة وحجابة الكعبة أي معه مفتاحها، وكانت له أيضاَ السقاية والرفادة أي سقاية الحجاج وإطعامهم. ولقد ولد المصطفى في شعب بنى هاشم بمكة صبيحة يوم الاثنين في الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل ، وكانت حادثة الفيل قبل مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم بأقل من شهرين ، الموافق ليوم الثانى والعشرين من شهر أبريل سنة 571 ميلادية ، وذكر بن القيم أنه صلى الله عليه وسلم سمى بأسماء كثيرة من بينها ( أحمد ومحمد ) والاسمان مشتقان من خصائصه وخصاله المحموده ، والتى من أجلها سمى ( محمد ) وأسمه ( أحمد ) هو الذي يحمده أهل السماء والأرض ، وأهل الدنيا والآخرة ، فكان من فرط كرمه وأمانته أنه يوم فتح مكة طلب مفتاح الكعبة من " عثمان بن طلحة " بعد الطواف حولها ، وتطهيرها من الأصنام والأوثان ودخلها فصلى ركعتين ، وكبر ، ووحد الله ثم خرج ، فطلب منه على بن أبى طالب أن يجعل مفتاح الكعبة لهم ، فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم " عثمان بن طلحة " فرد إليه المفتاح قائلاَ ( هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء ) وفى رواية أخرى ( خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ) فنزل قوله تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) ( النساء : 58) * الداعية الإسلامية وعضو المجمع العلمي لبحوث القرآن و السنة [email protected]