(فى 30 أكتوبر 1991 انعقد مؤتمر مدريد للسلام فى الشرق الأوسط برعاية كل من الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتى وحضور أوروبى وشارك فى المؤتمر من الدول العربية كل من مصر والأردن وسوريا ولبنان والمغرب وتونس والجزائر ودول مجلس التعاون الخليجى الستة وشارك الفلسطينيون من خلال ممثليين لهم تحت الغطاء الأردنى ضمن وفد أردنى - فلسطينى مشترك. وفى هذا المؤتمر كان هناك مسارين للتفاوض مسار ثنائى يشمل الأطراف العربية التى لها نزاع مباشر مع إسرائيل وهى سوريا والأردن ولبنان والفلسطينيين ومسار متعدد الأطراف ويشمل بعض الأطراف الإقليمية والعربية وهدف هذا المسار كان الدخول فى مفاوضات على عدد من القضايا الحيوية المتعلقة باللاجئين والمياه والأمن والحد من التسلح والبيئة والاقتصاد والتعاون الإقليمى ، وتشكل من أجل هذا الهدف خمسة لجان تعثر بعضها بعد الكشف الصارخ للنوايا الإسرائيلية وتوقفت كل تلك المسارات تقريبا عام2000 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية لكنها بالنسبة لنا فى مصر كانت قد وضعت بذور الاختراق من خلال المسار الاقتصادى أو تحديدا من خلال رجال الأعمال المصريين الذين اشتركوا فى هذه المفاوضات وسوف تكشف الأيام القادمة عن مزيد من الأسرار فى هذا المجال . ورجال الأعمال لايهمهم إلا الربح والربح مع الشركاء الجدد من الرأسماليين العالميين والشركات متعددة الجنسيات وكانت هناك توصيات لرجال الأعمال أن يؤسسوا منابر إعلامية ظاهرها الحرية وباطنها الهدم فى كيان الدولة المصرية بالتوازى مع عمل مؤسسات دولية تضخ أمولا طائلة على برامج وأفراد ومؤسسات المجتمع المدنى لتحقيق مايطلق عليه تغيير المفاهيم . ومن خلال شبكة واسعة فى الداخل وغزو إعلامى - أليكترونى بالأساس - من الخارج كان هناك من يدفع بشدة وإصرار لخلق الفوضى فى مصر لاستغلالها فى تغيير نظام الحكم فى منطقة الشرق الأوسط ومصر تحديدا لصالح ترسيخ أهداف النظام الدولى الجديد وتحقيق جملة من الأهداف لعل أهمها من وجهة نظرى هو : ترتيب قضايا التسوية بين العرب والكيان الصهيونى ، ويمكن أن نضيف إليها ترسيخ وإدارة نظام إقليمى جديد فى الشرق الأوسط ، وضمان نفط المنطقة إلى مدى زمن قادم ، والحصول على مكاسب (جيو- اقتصادية) والتدخل فى الشئون الداخلية واختراق السيادة الإقليمية باستغلال نموذج الدولة الرخوة . وفوق كل ما سبق هنالك أيضا العولمة الدينية التى لم ينتبه لها أحد حتى الآن والتى تهدف بالأساس إلى تفكيك الإسلام والمسيحية فى الشرق بعد تفكيك المسيحية الغربية واختراقها لصالح خرافات من العقائد الوثنية ولصالح اليهود الذين كان يتم رفضهم فى أوروبا بسبب العداء الدينى مع المسيحية . وفى الصراع التاريخى أعتمد الرأسماليون العالميون والصهيونية العالمية على الشيوعيين ثم تخلصوا منهم فى مرحلة تالية ليعلنوا أن أيدلوجيتهم هى نهاية التاريخ . أما الدين بالنسبة للعرب ومصر تحديدا فليس مجرد عقيدة ولكنه عنصر ثقافى للتميز وأمن قومى يحمينا من الأختراق .. الدين هنا الذى أقصده الدين الإسلامى والمسيحى وليس الجماعات أو التحزبات ليس الإخوان أوأقباط المهجر ، وإذا كنا رفضنا الشيوعية من قبل ونعتبرها الآن مرحلة تاريخية انتهت رغم صوتها الخافت ، وإذا كنا نرفض الدعوة الأممية للإخوان لأن الخلافة أصبحت فكرة تراثية من الماضى لاتصلح للتطبيق الآن ، فإن الرأسمالية العالمية ورجالها فى مصر فى رأيىّ هم أخطر من الإخوان لأن دينهم هو المال الذى لا وطن ولا ولاء ولا انتماء ، ويمكن أن يدخل فى تحالف ليس مع أعداء الوطن فحسب ولكن مع الشيطان ذاته.