الرئيس السيسى يوجه بترسيخ مبدأ "الرأى والرأى الآخر" داخل المنظومة الإعلامية المصرية    نائب محافظ سوهاج يطلق مبادرة لتأهيل الشباب فى مجالات الذكاء الاصطناعى    سعر الذهب اليوم الأحد 10 أغسطس 2025.. عيار 18 يسجل 3956 جنيها    ستاندرد تشارترد: الاقتصاد المصرى يحافظ على مرونته رغم استمرار الضغوط العالمية    نتنياهو ردا على تهديدات سموتريتش بإسقاط الحكومة: الثمن سيكون باهظا    ارتياح روسى لعقد قمة ترامب وبوتين فى ألاسكا.. ومعلقون غربيون: المكان مروعة    محمد صلاح يقود هجوم ليفربول أمام كريستال بالاس فى الدرع الخيرية    زلزال بقوة 3.7 ريختر يضرب عاصمة مدغشقر ويثير قلق السلطات    طارق محروس يزور معسكر منتخب اليد بعد تعافيه لدعم اللاعبين ببطولة العالم    7 أخبار رياضية لا تفوتك اليوم    "كيف وأين ولماذا مات؟!".. محمد صلاح يهز عرش الاتحاد الأوروبي بتساؤلات جريئة حول استشهاد بيليه فلسطين.. صحف العالم تحتفي بشجاعة "الفرعون" فى مواجهة يويفا.. و800 شهيد حصيلة جرائم الإبادة الإسرائيلية بحق الرياضيين    العثور على رضيع حديث الولادة داخل برميل بمركز قوص فى قنا    استخراج 9454 بطاقة رقم قومى و41779 مصدرا مميكنا فى 10 محافظات    تفاصيل انتهاء المدة المحددة للتظلم على نتيجة الثانوية العامة 2025.. فيديو    متى يتم تطبيقها؟.. حقيقة إلغاء أعمال السنة للشهادة الإعدادية 2025 – 2026    رئيس الوزراء: تناغم بين مختلف أجهزة الدولة باحتفالية افتتاح المتحف الكبير    شرم الشيخ للمسرح الشبابى يطلق استمارة المشاركة فى مسابقاته بالدورة 10    تفاصيل لقاء أشرف زكى مع شعبة الإخراج بنقابة المهن التمثيلية.. صور    جنات تتصدر ترند يوتيوب ب5 أغان من ألبوم "ألوم على مين"    التعليم العالى: براءة اختراع جديدة لمعهد تيودور بلهارس فى إنتاج بروتينات علاجية    الصحة: حملة "100 يوم صحة" قدّمت 38.3 مليون خدمة طبية مجانية خلال 25 يومًا    تحرير 125 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات خلال 24 ساعة    أضرار التهاب المسالك البولية المزمن لدى الرجال والنساء.. وطرق الوقاية    النصر السعودي يتعاقد مع مارتينيز مدافع برشلونة    كهرباء الإسماعيلية يتعاقد مع لاعب الزمالك السابق    مصرف أبوظبي الإسلامي مصر يقرر زيادة رأس المال إلى 15 مليار جنيه    شباب ولياقة.. أحمد عز يمارس التمارين والجمهور يعلق    وزير النقل يوجه بدراسة إقامة رصيف شحن بخط سكة حديد العاشر - بلبيس    انتهاء مشروع ربط التغذية الكهربائية للحي الرابع بمحطة 3 في مدينة بدر    موعد إجازة المولد النبوي 2025 وأبرز مظاهر الاحتفال في مصر    السيسي يوافق على صرف البدل النقدي المقترح من الحكومة للصحفيين    لست قادرا على الزواج ماذا افعل؟.. يسري جبر يجيب    حكم قضاء المرأة الصلاة التي بدأ نزول الحيض في أول وقتها.. المفتي السابق يوضح    ملتقى المرأة بالجامع الأزهر: تجربة المدينة المنورة في العهد النبوي نموذجا يحتذى به في جهود النهوض بالأمة    ضبط 5488 قضية بمجال الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    إعدام 300 ألف بيضة و170 ألف طن صادرات.. التقرير الأسبوعي ل"سلامة الغذاء"    مشاجرة في الزاوية الحمراء، والسبب 5 جنيهات!    أمين الفتوى يوضح حكم الصلاة أو الصيام عن المتوفى غير الملتزم وطرق إيصال الثواب له    «الصحة» تنظم 146 دورة تدريبية وورشة عمل لتطوير الكوادر التمريضية    مهرجان القلعة يعود في دورته ال33.. ليالٍ موسيقية بنكهة عربية وعالمية    مبادرة «المليون كتاب» ستساهم في تحقيق العدالة الثقافية بين كل الفئات    جهود منظومة الشكاوى الحكومية في يوليو 2025 |إنفوجراف    الرد فى الصندوق لا فى الهاشتاج    محاولة تفجير فاشلة.. محاكمة المتهمين في قضية «خلية المطرية الإرهابية»    إبعاد 6 أشخاص خارج البلاد لأسباب تتعلق بالصالح العام بقرارات من الداخلية    اتحاد الكرة يحدد مؤهلات الأجهزة الفنية المسموح تواجدها بالملاعب خلال المباريات    «جوتيريش» يرحب بالإعلان المشترك الشامل بين أرمينيا وأذربيجان    إزالة 12 حالة تعد وقطع المرافق عن غير الملتزمين بسداد أقساط التقنين بأسوان    أكثر من 2 ملياري جنيه دعما من «صندوق إعانات الطوارئ» ل 429 ألف عامل    عائلات المحتجزين الإسرائيليين بغزة تدعو لإضراب اقتصادي في ال17 من أغسطس الجاري    «الزراعة» تعلن حصول «وقاية النباتات» على تجديد واعتماد دولي جديد ل 12 اختبارًا    وزير الري يتابع حالة المنظومة المائية بالمحافظات وموقف إيراد نهر النيل    جيش الاحتلال يعلن اعتقال 70 فلسطينيا في الضفة الغربية    طارق يحيى: ريبيرو يعاني في قراءة المباريات.. والزمالك حقق انطلاقة موفقة    حظك اليوم الأحد 10 أغسطس 2025 وتوقعات الأبراج    بيونج يانج تحذو حذو سول في تفكيك مكبرات الصوت على طول الحدود    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    ريبيرو: كنا الأفضل في الشوط الثاني.. والتعادل أمام مودرن سبورت نتيجة طبيعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العراق يا عرب
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 05 - 2009

كان هذا النداء هو لسان حال المشاركين فى مؤتمر مهم حمل عنوان «نحو استراتيجية عربية فاعلة تجاه العراق» نظمه المركز العراقى للدراسات الإستراتيجية فى العاصمة الأردنية عمان فى أول شهر أبريل الماضى. وشارك فيه نخبة كبيرة من الأكاديميين والسياسيين من مصر والأردن وسوريا والمغرب وفلسطين والعراق، الذى كان حاضرا بمختلف ألوان الطيف السياسى والطائفى، من سنة مشاركين فى العملية السياسية، إلى ممثلين للبعث والمقاومة والعشائر، ومن الشيعة بكل توجهاتهم، ومن الأكراد سواء المنتمين إلى الحزبين الكبيرين بزعامة طالبانى ومسعود البرزانى والمنتمين إلى أحزاب كردية صغيرة، ومن الدول العربية كان هناك القوميون والليبراليون ومن يدعم ما يعرف بمحور الممانعة أو محور الاعتدال.
وتعددت الأطروحات واختلفت الرؤى حول تساؤل مهم أين يقف العراق من العرب اليوم؟.. وأين يقف العرب من العراق؟.. فبعد ست سنوات من سقوط نظام صدام حسين بكل ما له وما عليه، والاحتلال الأمريكى، وتطور العملية السياسية العراقية، فإن الأجواء التى سادت المناقشات خيم عليها حالة من عدم اليقين المتبادل بين العراق والعرب. فالعرب لا يعرفون على وجه اليقين ماذا يجرى فى الساحة العراقية ومع من يقفون؛ هل يقفون مع النظام العراقى الرسمى الذى يمثل الدولة العراقية من رئاسة جمهورية ومجلس نيابى منتخب وحكومة توافقية، رغم ما يشوب هذا النظام من مآخذ خاصة فيما يتعلق بإدارة العملية السياسية وتطورها وأطرافها أو فيما يتعلق بإدارة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ونهجها فى إنهاء الاحتلال الأمريكى من خلال التفاوض والاتفاقيات الأمنية، أم يقفون مع من يمثلون تيار حزب البعث العراقى الذى يسعى للدخول فى العملية السياسية ولكن على أساس رفض لفكرة الدولة الاتحادية أو الفيدرالية التى تنتقص من عروبة العراق وتعرضه للتقسيم ويدعون إلى عودة الدولة المركزية القومية القوية طبقا لمفهومهم.. أم يقفون مع من يرفعون شعار المقاومة المسلحة وأن الانسحاب الأمريكى من العراق يجب أن يتم بقوة السلاح وليس بالاتفاقيات حتى لو كانت تلك الاتفاقيات ستؤدى إلى الانسحاب.
وقد عبر عن هذا الاتجاه من شارك فى المؤتمر باسم المقاومة بعبارة أثارت دهشة الكثيرين عندما قال: «إن المقاومة إذا لم تجد عدوا فعليها أن تخلق هذا العدو للحفاظ على الروح المتقدة للمقاومة باعتبارها هدفا فى حد ذاتها للحفاظ على روح الأمة». ولذلك أطلقوا على تنظيماتهم المسلحة كما ذكر المتحدث أسماء حماس العراق، وحزب الله العراق، وفى ظل عدم اليقين هذا تفرق العرب وتباينت مواقف الدول العربية من العراق وما يجرى على ساحته.. وأصبح من المستحيل الحديث عن استراتيجية عربية تجاه العراق... اللهم إلا الاعتراف بالحكومة العراقية واستقبال ممثليها رسميا واستمرار عضوية العراق فى جامعة الدول العربية، ولكن من بين أكثر من ستين سفارة وبعثة دبلوماسية أوروبية وأجنبية فى بغداد لا توجد سوى أربع بعثات عربية ومكتب تمثيل لجامعة الدول العربية افتتح مؤخرا ومستوى التمثيل يقف عند حد القائم بالأعمال والذى يتواجد معظم الوقت فى عمان، هذا ما أفرزته حالة عدم اليقين العربية تجاه ما يجرى فى العراق.
أما على الجانب العراقى، فإن الموقف ليس بأفضل كثيرا من حيث الاختلاف والتباين تجاه العلاقات العربية العراقية العربية فهناك تيار واسع كان ولايزال يرى أن الانتماء العربى للعراق تحت شعارات القومية العربية هو أس البلاء وهو ما جلب للعراق كل النكبات التى عانى ويعانى منها ابتدءا من رفع شعار أن العراق هو البوابة الشرقية للأمة العربية وعليه أن يخوض الحروب والمعارك دفاعا عن أمته العربية، وانتهاء بشعار أن العراق هو حجر الزاوية فى تحرير فلسطين حتى لو كان الطريق إلى القدس يبدأ باحتلال الكويت.. هذا التيار يرى أن العلاقات العراقية العربية يجب أن تقوم على مبدأ أن المكون العربى فى العراق من شيعة وسنة هو جزء من الأمة العربية مع احترام المكونات الأخرى من أكراد وتركمان وأشوريين وغيرهم وأن العراق عضو مؤسس فى الجامعة العربية وهو يمثل النافذة الشرقية لتحقيق التواصل مع القوى الإقليمية المجاورة إيران وتركيا.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فشأنه شأن باقى الدول العربية يساند الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيتى ولا يعترف بإسرائيل أو يقيم علاقات معها إلا فى إطار الطرح العربى المتمثل فى مبادرة السلام، وهناك توجه آخر يرى أن على العرب أن يقفوا بقوة وحسم إلى جانب التيار القومى العربى الذى تعتبره بعض القوى السنية وجماعات حزب البعث والمقاومة سندا رئيسيا لها لدعم قيام الدولة القومية المركزية بينما الطرح الكردى للقضية يدور حول ضرورة القناعة العربية بأن العراق بلد متعدد القوميات وأن الأكراد جزء أساسى من هذا البلد ويتمسكون بهويتهم العراقية فى اطار نظام اتحادى أو فيدرالى يحترم المقومات الإثنية والمذهبية لكل طائفة. فى ظل هذه الأجواء يصبح من العبث الحديث عن استراتيجية عربية فاعلة تجاه العراق أو عن توجه عراقى موحد تجاه العرب، ويصبح علينا مواجهة الحقيقة والتعامل معها لأن العراق ركيزة رئيسية فى أى نظام عربى نسعى لإقامته، وقوة مضافة إلى عمل عربى مشترك، ورقم مهم فى المعادلة العربية والإقليمية.
يجب أن تتجاوز جميع الأطراف العربية والعراقية هذه الحالة من عدم اليقين والتردد لأن مواجهة الأمور بشجاعة وصراحة تصبح أمرا ضروريا، فلا يمكن الحديث عن استراتيجية عربية فاعلة تجاه العراق بمعزل عن مواقف القوى الدولية وبمعنى أدق بمعزل عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالى فإن موقف أى دولة عربية من العراق سيبقى محكوما بموقف تلك الدولة وعلاقاتها بأمريكا، كما لا يمكن الحديث عن تلك الإستراتيجية العربية بعيدا عن مواقف الدول الإقليمية من العراق وتطور تلك المواقف وأعنى هنا بالتحديد الموقف والدور الإيرانى يليه الموقف والعلاقات التركية، خاصة فى ظل العلاقات المتوترة والتى تزداد توترا ما بين إيران والعديد من الدول العربية، ولعل العامل الأكثر أهمية هو ما يتعلق باختلاف المواقف والتوجهات للدول العربية والاختلافات العربية العربية تجاه القضايا الرئيسية وبؤر الصراع فى المنطقة وفى مقدمتها القضية الفلسطينية والموقف فى لبنان، وقضية السودان والصومال والصحراء المغربية. وهناك خلاف كبير حول أسبقية تلك القضايا بالنسبة لاهتمام كل دولة عربية.. الخطاب الكلاسيكى العربى يرفع شعارا دائما وهو أن القضية الفلسطينية هى قضية العرب الأولى أو المركزية ولكن لأنها تحولت على مدى أكثر من 60 عاما إلى قضية مزمنة لا يبدو لها حلا فى الأفق القريب ولسنا فى مجال تحليل أسباب ذلك فإنه يصبح من الطبيعى والمنطقى أن ينشغل السودان أولا بقضية دارفور وقرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف رئيسه عمر البشير، وأن ينشغل لبنان بإشكاليات النفوذ السورى وثنائية السلطة فى ظل دولة حزب الله داخل الدولة اللبنانية وما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات النيابية التى هى على الأبواب، وأن ينشغل المغرب بقضية الصحراء والموقف الدولى بل وموقف الجزائر من تلك القضية.. وأن ينشغل اليمن بالحوثيين والتمرد الذى يسود محافظة صعدة.. وتنشغل سوريا بهموم الجولان المحتل والمباحثات غير المباشرة والمباشرة مع إسرائيل برعاية تركية والطموح لأن تكون برعاية أمريكية.. وأن تنشغل مصر بقضايا أمنها القومى الذى أصبح مستهدفا من أكثر من اتجاه خاصة من الاتجاه الشمالى الشرقى فى ظل الانقسام الفلسطينى، والتحالفات مع قوى إقليمية ذات أهداف خاصة وتمتلك أذرعا فى قلب المنطقة العربية تسعى للوصول إلى قلب مصر.
فى ظل كل تلك الظروف يصبح من العبث التعويل على بناء استراتيجية عربية موحدة وفاعلة تجاه العراق.. ولعل الأكثر جدوى هو الاتجاه نحو مبادرات من الدول العربية تجاه تطوير علاقاتها بالعراق وتأتى فى المقدمة مصر بكل ثقلها العربى والإقليمى والدولى وبكل ما يربطها بالعراق من مشتركات حضارية وثقافية وتاريخية، والمملكة العربية السعودية بحكم جوارها الجغرافى المباشر للعراق وما تمثله من مكانة وثقل معنوى ومادى، خاصة أن السعودية تتبنى توجها إيجابيا نحو المصالحة وتنقية الأجواء العربية.. ولابد أن تكون لسوريا مبادرتها الإيجابية والواسعة تجاه العراق مع كل التقدير للظروف التى تعيشها سوريا فى ظل الاحتلال الإسرائيلى للجولان وسعيها المشروع لتحرير أرضها بما تراه مناسبا من وسائل وعلاقات وبالقطع هناك دول مهمة فى مقدمتها الأردن والكويت ودول الخليج العربى.. كل تلك الدول إن خلصت النوايا وتوافرت الإرادة السياسية فإنها ستكون القاطرة التى تقود توجه باقى الدول العربية، كما أنها من خلال تطوير علاقاتها بالداخل العراقى ستصل إلى حالة من التوافق حول طبيعة العلاقات العربية العراقية المستهدفة..
إن الأمور ليست بتلك السهولة التى نطرحها بها، ولكنها تحتاج إلى إرادة سياسية قوية وإلى جهد مستمر من الإخوة العراقيين دون كلل ولا ملل وأيضا من العرب على مختلف المستويات الرسمية والأهلية.. ونعود من حيث بدأنا... إنه العراق يا عرب.. قبل أن يضيع بلا رجعة...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.