كانت البداية فى الأردن عندما عقد نادى «فالداى» الدولى للنقاشات مؤتمره الأول العام الماضى تحت عنوان (الشرق الأوسط 2020: هل يمكن تحقيق حل شامل؟).. ولاقى المؤتمر الذى نظمته وكالة الأنباء الروسية «نوفوستى» بالتعاون مع مجلس السياسة الخارجية والدفاعية صدى كبيراً فى العالم العربى. فلأول مرة بادر المنظمون الروس بإدارة حوار جاد بين كل الأطراف المعنية بالنزاع العربى - الإسرائيلى، وقدم ما يقرب من 70 سياسياً وخبيراً من مصر وإسرائيل والأردن ولبنان وفلسطين وبريطانيا وروسيا والسعودية وسوريا والولاياتالمتحدة وتركيا وفرنسا آفاق إقامة منظومة أمن إقليمية فى المستقبل القريب. وقدم أوراق عمل فى المؤتمر كل من نائب وزير الخارجية الروسى «ألكسندر سلطانوف» ورئيس الغرفة التجارية الصناعية الروسية الأكاديمى «يفجينى بريماكوف» ورئيس الوزراء الفلسطينى الأسبق أحمد قريع (أبو علاء)، ونمر حماد مستشار الرئيس الفلسطينى محمود عباس (أبو مازن). وتزيد من مكانة نادى «فالداى» اللقاءات السنوية والتى أصبحت تقليدية والتى تجمع بين المشاركين فى النادى والرئيس الروسى. أما الغرض من الجلسات والمؤتمرات التى يعقدها النادى فهو إقامة ساحة دولية يتبادل فيها الخبراء الروس والأجانب المعلومات التى تفيد فى وضع حد للنزاعات الدولية واستتباب الأمن العالمى. وتعود تسمية النادى بهذا الاسم «فالداى» إلى المؤتمر الدولى الذى عقد تحت عنوان (روسيا بين قرنين: آمال ووقائع) فى عام 2004 فى مدينة (فيليكى نوفجورود) بالقرب من بحيرة «فالداى» فى روسيا. ولا يقتصر نشاط النادى حول الشرق الأوسط، فقد شهد العام الحالى وبنجاح تواصل الحوارات الروسية - الصينية، والروسية - الأمريكية، والروسية الأوروبية. وفى أبريل ونوفمبر الماضيين انعقد فى بكين المؤتمران الثانى والثالث للقسم الروسى - الصينى، أما اجتماعات مجموعة العمل المعنية بالعلاقات الروسية - الأمريكية فقد انعقدت فى جامعة هارفارد فى مايو الماضى، ثم فى موسكو فى أوائل ديسمبر الحالى فى حين جرت الحوارات الروسية - الأوروبية فى يونيو الماضى. وكان للشرق الأوسط نصيب وافر من نقاشات نادى «فالداى» كما ذكرنا فى مؤتمره الأول على شواطئ البحر الميت بالأردن، ثم فى مؤتمره الثانى بجزيرة مالطا فى الفترة من 9 - 10 ديسمبر الحالى وتحت عنوان (سيناريوهات ونماذج لتسوية شرق أوسطية). آراء صادمة/U/ أثناء ركوبى الطائرة المتجهة إلى مالطا طالعت ما قاله فلاديمير جيرينوفسكى نائب رئيس مجلس الدوما الروسى الذى طالما أعلن تأييده للعرب وقضاياهم خلال سنوات رحلاته الدورية إلى الزعيمين العراقى الراحل صدام حسين والليبى الحالى معمر القذافى، وها هو ذا الآن يعلن بأن القضية الفلسطينية لا حل لها! بل ويوصى بقبول الأمر الواقع وتناسى مطلب إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة. ويقول إن الفلسطينيين لا يقبلون بالمساحة المتاحة لإقامة دولتهم، والإسرائيليون يرفضون التنازل عما فى حوزتهم من أراضى، فضلاً عن قضية القدس التى قال إن الإسرائيليين لا يقبلون بتقسيمها ويرفضون التخلى عنها عاصمة موحدة للدولة اليهودية. وكان جير ينوفسكى قد أعلن خلال أول زيارة يقوم بها لإسرائيل بحثاً عن مقبرة أبيه أن القدس الموحدة هى عاصمة الدولة العبرية ولاحق فيها للفلسطينيين. كما أعلن أيضاً أن إسرائيل لها الحق فى ترسيم حدودها عند أى منطقة تريدها. وأضاف أن العالم العربى متسعاً للفلسطينيين! قد تكون هذه الآراء صادمة لكنها تعبر عن اتجاه تقول مفرداته إن الكثير من مصالح روسيا فى مجالات التعاون العسكرى وتحديث الدولة يرتبط اليوم بإسرائيل وليس بالعرب الذين - كما قال أكبر الخبراء الروس بمنطقتنا «يفجينى بريماكوف» - يأتون إلى موسكو طلباً لدعمها ويناشدونها التدخل فى الوقت الذى يذهبون فيه إلى واشنطن ليؤكدوا لها بأنها ستظل صاحبة اليد العليا فى المسألة. غير أن واقع الحال وفقا لما شاهدته خلال يومين من جلسات المؤتمر يختلف تماما عن رؤية جيرينوفسكى، وهذا أيضاً ما اتضح من خلال الجلسة الافتتاحية التى أكد فيها بريماكوف على التعجيل بايجاد تسوية لقضية الشرق الأوسط، لأن الأمور تتعقد أكثر وأكثر والمنطقة تشهد أوضاعاً مأساوية بسبب سياسة إسرائيل التى جمدت عملية السلام بمواصلتها سياسة الاستيطان وتهويد القدس وعدم الالتزام بالقرارات الدولية. وأشار بريماكوف إلى أن سياسة أوباما فى الشرق الأوسط لن تقدم المزيد، فقد قاربت الفترة الرئاسية الأولى على الانتهاء، ولم يف بما تعهد به من قيام دولة فلسطينية، وربما تتاح له الفرصة للمشاركة فى التسوية فى حال فوزه بفترة رساسية ثانية، لكن هذا الأمر لا يمكن التنبؤ به لأن الكونجرس يسيطر عليه الاتجاه المؤيد لإسرائيل. وفى نفس الجلسة حدد بريماكوف الذى شغل فى السابق منصبى وزير الخارجية ورئيس الوزراء ومنصب رئيس جهاز المخابرات الروسية شرطاً للخروج من المأزق، وذلك بتوسيع اللجنة الرباعية وضم الصين والهند من أجل تفعيل عملها، وأن تقوم بدورها الضاغط على إسرائيل ووضع خريطة للتسوية مثل تبادل للأراضى على الجانبين وتحديد موقف القدس، ومناقشة الحق فى العودة فى إطار تعويض اللاجئين ونقلهم لأماكن أخرى فى ظل إجراءات دولية. ولم يستبعد بريماكوف الحل الكونفدرالى مع الأردن كحل يمكن مناقشته بين الأطراف المعنية وأن يتحمل المجتمع الدولى مسئولياته تجاه تلك القضية القابلة للانفجار مرة أخرى. وتحدث مايكل فريندو رئيس مجلس النواب فى مالطا بصفتها الدولة المضيفة، حيث رحب باسم شعب وحكومة مالطا بانعقاد هذا المؤتمر على أرضها، وأكد على وجود إجماع داخل البرلمان المالطى على حل الدولتين وقال بوضوح إن مالطا تؤيد فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، وأضاف: عندما كنت وزيرا للخارجية أيدت فكرة إنشاء سفارة لفلسطين وأخرى لإسرائيل فى فاليتا. وتحدث جورجى سامبا يو الممثل السامى لأمين عام الأممالمتحدة لدى تحالف الحضارات والرئيس البرتغالى سابقا فدعا إلى تطوير الحوار بين مختلف الطوائف وقال إن تحالف الحضارات يهدف إلى ترسيخ علاقات الشراكة ويخفف من حدة التوتر. ثم تحدثت الدكتورة سحر القواسمى النائبة فى المجلس التشريعى الفلسطينى عن حركة فتح وقالت إن السلم الدولى مهدد بهذا الصراع فالاستيطان يتنامى بشكل خطير وحل الدولتين على محك خطر، وعلى الجميع أن يتعاملوا وفقا لخارطة الطريق وهذا ليس شرطاً فلسطينياً، ولكنه شرط من الرباعية الدولية. واعتبرت القواسمى أن الفشل فى الحصول على الدولة الفلسطينية من خلال فتح أدى إلى نجاح حماس. وأكدت على أن حالة الانقسام الفلسطينى سببها الاحتلال. وفى الجلسة التى أدارها فيتالى نعومكين مدير معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية والتى حملت عنوان (مشكلات وتوقعات لتسوية فى الشرق الأوسط: هل توجد حاجة إلى أفكار جديدة؟)، وتحدث شلومو بروم وهو باحث بارز فى معهد دراسات الأمن القومى فى إسرائيل وجنرال سابق فقال إن رجال السياسة على طرفى النزاع غير قادرين على اتخاذ قرارات حاسمة. وهناك انشقاق كبير وعدم ثقة بين الطرفين وفى إسرائيل رئيس وزراء يناور وغير قادر على اتخاذ قرارات. مبادرة السلام العربية/U/ ترأست مصر جلستين من جلسات المؤتمر: جلسة برئاسة السفير محمد شاكر رئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية شدد خلالها على المبادرة العربية للسلام وهى المبادرة التى نبعت من إرادة عربية ومع ذلك لم تعطها إسرائيل الاهتمام الكافى. وفى نفس الاتجاه تحدث السفير محمد عز الدين مستشار الأمين العام لجامعة الدول العربية، فأخذ يفصل كل بند من بنود المبادرة التى تم توزيع نصها الأصلى على الحاضرين. أما الجلسة الثانية فكانت برئاسة الدكتور طه عبد العليم مدير عام مؤسسة الأهرام والمستشار فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية والرئيس السابق لهيئة الاستعلامات، والذى أكد فى كلمته على ضرورة تغيير الصورة النمطية لدى كل طرف عن الطرف الآخر. وعن المبادرة العربية أعرب المتحدثون من الإسرائيليين مثل شلومو بروم ويهودا بن مئير وجرشون باسكين عن أسفهم لأنه لم يتم إعطاء المبادرة حق قدرها فى إسرائيل، فهى تدعو إلى إقامة سلام كامل مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضى الفلسطينيةالمحتلة ومن مرتفعات الجولان السورية وتوافق على قيام دولة فلسطينية فى حدود الرابع من يونيو 1967. دور مكمل/U/ فاجأ فيتالى نعومكين الحاضرين عندما طرح عليهم السؤال: هل تدخل غزة فى الحل؟ فقال حبيب مالك أستاذ التاريخ وعميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية فى الجامعة الأمريكية فى بيروت: إذا شاركت حماس فى العملية فسيكون هذا أمراً جيداً لكننا نعلم أن حماس تتبع إيران. وقال الشيخ تيسير التميمى قاضى قضاة فلسطين إن المسئول عن الوضع فى قطاع غزة هو إسرائيل. صحيح أن هناك خلافات فى وجهات النظر وهناك أحزاب وتكتلات سياسية متصارعة لكننا نرفض أى تدخل لا إقليمى ولا دولى بين الفلسطينيين. فى حين قال إيهود يعارى محلل شئون الشرق الأوسط بالقناة الثانية الإسرائيلية إن حماس سوف تظل مسيطرة على قطاع غزة وأن أية مصالحة ستكون ظاهرية وستظل حماس مسيطرة فى الحقيقة، والوضع فى غزة يشبه الوضع فى شمال العراق. وقال جرشون باسكين المؤسس والمدير المشارك لمركز إسرائيل - فلسطين للبحوث والمعلومات، وهو بالمناسبة نفس المركز الذى قام مؤخراً بترجمة ونشر رواية (عمارة يعقوبيان) لعلاء الأسوانى بالعبرية على الإنترنت، قال إن الفلسطينيين يميلون إلى التوصل إلى الصلح مع إسرائيل ودعاهم إلى الصلح بين أنفسهم. وأضاف بأن حماس لا تمثل فى الواقع سوى 15% من السكان وأن أغلب الفلسطينيين ليسوا متطرفين. وقال رامى طهبوب المستشار الأول فى وزارة الخارجية الفلسطينية إن ما يجرى فى القطاع الآن هو جزء من البانوراما العامة فى الشرق الأوسط وما حدث فى غزة جاء نتيجة للوضع السياسى ككل. وحماس ليست بالقوة حتى داخل قطاع غزة، فهم هناك يعانون والأموال القادمة من الدول المانحة تتم سرقتها وتوجيهها لأهداف أخرى. وتحدث السفير محمد شاكر عن الدور الذى تلعبه مصر فى المصالحة الفلسطينية وقال: لقد توصلنا بالفعل إلى اتفاق لكن حماس رفضت التوقيع فى اللحظات الأخيرة. وحول الدور الروسى المزمع القيام به فى الشرق الأوسط قال هارولد سوندرز رئيس المعهد الدولى لدعم الحوار ومساعد وزير الخارجية الأمريكى السابق إن روسيا مستعدة أكثر من غيرها لتساعد فى التسوية ولا بد من تنسيق المواقف مع صناع السلام، وروسيا بلا شك تربطها علاقات جيدة مع كثير من اللاعبين، ومن الممكن أن تتولى مهمة أخرى إلى جانب دورها فى الرباعية الدولية. وعلق الشيخ تيسير التميمى على ذلك بقوله إن مشاركة روسيا فى الرباعية هى مشاركة شكلية وأعرب عن تفضيله لخروج روسيا من الرباعية وتشكيل قوة جديدة مع دول مثل الصين والهند لأن انفراد أمريكا بالمسألة سيؤدى إلى تعقيد الموقف أكثر وأكثر. وحول نفس الموضوع تحدث الدكتور طه عبد العليم عن ضرورة أن يتواكب التحرك الروسى مع الأمريكى، فالجديد أن الولاياتالمتحدة تتحدث عن أراضى محتلة ودولتين لشعبين. وإدارة أوباما بالذات أخذت على عاتقها تصحيح خطأ وخطيئة إدارة بوش الابن بخصوص تعريف الإرهاب. وأوباما نفسه فى خطابه بجامعة القاهرة بعث برسالة واضحة إلى العالمين العربى والإسلامى. وأضاف عبد العليم بأن روسيا يمكن أن تساعد فى نقل خبراتها للسلطة الفلسطينية خاصة وأنها على علاقة طيبة مع إيران وسوريا وحماس. وتحدث حبيب مالك وقال إن روسيا ليست الاتحاد السوفيتى وهناك توافق قيمى بين روسياوالولاياتالمتحدة، والتكامل والتعاون بين الروس والأمريكيين هو الذى يمكن أن يصل بنا إلى شاطئ الأمان. فنحن بصدد عالم جديد وليس معسكرين متصادمين. وقال رامى طهبوب إن روسيا يمكن أن تلعب دورا أكبر فى الشرق الأوسط لأن الكثيرين من عناصر الجالية الروسية فى إسرائيل متمسكون بولائهم لدولتهم الأم. فرد عليه إيهود يعارى بقوله: صحيح أن اليهود الروس يفتخرون بالثقافة الروسية يقرأون الأدب الروسى ويشاهدون الأفلام الروسية لكن سياسة الكرملين لا تعنيهم فى شىء على الاطلاق. وفى النهاية تحدث بريماكوف وقال إننا إذا تأخرنا يمكن أن تتضاعف المشاكل، ولقد سمعنا منكم اقتراحات بإخراج الولاياتالمتحدة من عملية سلام الشرق الأوسط لكننى أقول بأن إخراج الولاياتالمتحدة لن يفيد بشىء. وهذا لا يعنى أننا موافقون على أن تحتكر الولاياتالمتحدة دور الوساطة. وانا مع تفعيل دور روسيا فى الشرق الأوسط بلا شك. وعلى روسيا أن تنشط مشاركتها فى الجهود المبذولة لكنها وحدها لا تستطيع عمل شىء حتى لو أرادت ذلك. وقال بريماكوف إن تنشيط الرباعية الدولية هو شىء هام للغاية وأضاف بأن التركيز على أن روسيا يمكن أن تلعب دوراً من خلال اليهود الروس فى إسرائيل هراء.