انتصار السيسي تهنئ الشعب المصرى والأمة الإسلامية بالعام الهجري الجديد    «القومي للمرأة» بمطروح: نعمل على دعم السيدات في القرى والنجوع وتمكينهن    استقرار أسعار الخضروات في سوق محطة مصر بالإسكندرية.. وكيلو البطاطس يصل ل8 جنيهات    ترامب يدعو لإلغاء محاكمة نتنياهو بتهم الفساد.. ويؤكد: يعيش مأساة سخيفة    44 شهيدا في غارات وقصف الاحتلال عدة مناطق بقطاع غزة منذ فجر اليوم    ألمانيا تدعو إيران للتراجع عن تعليق التعاون مع الوكالة الذرية    رئيسة حكومة إيطاليا تحتفل ب"وحدة الناتو" وتسخر من إسبانيا    خلال 11 عامًا .. مصر تعيد كتابة دورها في إفريقيا تحت قيادة الرئيس السيسي    أندية البرازيل مفاجأة مونديال 2025    تشكيل يوفنتوس المتوقع أمام مانشستر سيتي في مونديال الأندية    جوارديولا يكشف تفاصيل إصابة لاعب مانشستر سيتي قبل مواجهة يوفنتوس في مونديال الأندية    الكل قلقان.. تواجد لافت لأولياء الأمور أمام لجان الثانوية العامة تزامنا مع امتحاني الفيزياء والتاريخ بالشرقية    تحريات لكشف تفاصيل حادث تصادم بين 3 سيارات بمحور 26 يوليو    موجة حارة ورطوبة مرتفعة.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس اليوم    بعد رفضه عرض ال 200 مليون جنيه.. هل يغيب محمد رمضان عن دراما 2026؟    وفاة والدة الدكتور محمد القرش المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة وتشييع الجنازة في كفر الشيخ    من الطلاق إلى أقسام الشرطة| مها الصغير تتهم أحمد السقا بالاعتداء الجسدي واللفظي    بكسوتها الجديدة.. شاهد طواف المعتمرين حول الكعبة أول أيام العام الهجرى    الجلسة الافتتاحية لمؤتمر "التخدير والرعاية المركزة الخضراء": منصة علمية ورسالة مجتمعية    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة في منطقة زنين ببولاق الدكرور    محافظ مطروح: العلمين الجديدة تحولت لمقصد سياحي متميز على ساحل البحر المتوسط    أبرز نشاط السيسي الأسبوعي.. قرارات جمهورية مهمة وتكليفات قوية للحكومة    محافظ الفيوم يبحث آليات إنشاء مجمع متكامل لإنتاج مستلزمات الري الحديث    رسميًا.. موعد صرف المعاشات بالزيادة الجديدة 2025 بعد قرار السيسي    وزير الإسكان يُعلن تسليم مركز شباب نموذجي بمنطقة النوادى بمدينة بدر    الناطق باسم الأمن الفلسطيني: جرائم الاحتلال لن تثنينا عن أداء دورنا الوطني    ضبط 354 قضية مخدرات و229 قطعة سلاح خلال 24 ساعة    الداخلية تضبط المتهمين بتبادل إطلاق الرصاص بالقليوبية    ضربها في الشارع.. مها الصغير تحرر محضرا ضد السقا    بعد تجميع الدرجات ورصد الأوائل.. موعد ظهور نتيجة الدبلومات الفنية 2025 فور اعتمادها رسمياً    «مستقبل وطن»: ندعم خطط الدولة ونولى ملف الاستثمار أولوية كبيرة    محافظ دمياط يعتمد تنسيق المرحلة الأولى من الثانوية العامة بدمياط| التفاصيل    ننشر أسعار البيض اليوم الخميس 26 يونيو    بعد رحيله عن الزمالك.. حمزة المثلوثي يحسم وجهته المقبلة    نور عمرو دياب لوالدها بعد جدل العرض الخاص ل"فى عز الضهر": بحبك    الجوزاء يفتعل الجدل للتسلية.. 4 أبراج تُحب إثارة المشاكل    تهنئة السنة الهجرية 1447.. أجمل العبارات للأهل والأصدقاء والزملاء (ارسلها الآن)    ألونسو ردًا على لابورتا: نشعر في ريال مدريد بالحرية والديمقراطية    بنتايج خارج القائمة الأولى للزمالك بسبب العقود الجديدة    الصحة: تقديم أكثر من 200 ألف خدمة طبية وعلاجية بمستشفيات الأمراض الصدرية خلال مايو الماضي    ماذا قال مينا مسعود بعد زيارته لمستشفى 57357؟    ماذا يحدث لجسمك عند تناول «فنجان قهوة» على الريق؟    26 يونيو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    مصير وسام أبوعلي في الأهلي.. موقف اللاعب و4 بدلاء ينتظرون    مواعيد مباريات دور ال16 فى كأس العالم للأندية.. الإنتر يواجه فلومينينسى    تشديدات أمنية مكثفة بلجان الدقي لمنع الغش وتأمين سير امتحاني الفيزياء والتاريخ للثانوية العامة    الهجرة النبوية.. مشروع حضاري متكامل    رسميًا.. اليوم إجازة رأس السنة الهجرية 2025 للموظفين بالحكومة والقطاع الخاص    هل الزواج العرفي حلال.. أمين الفتوى يوضح    لمنع تأمين مساعدات غزة.. نتنياهو يصدر أمرًا بالتدخل العسكري    تشريع جديد يُنصف العامل.. كيف يؤمن القانون الجديد حقوق العمال؟    محافظ المنيا يشهد احتفال الأوقاف بالعام الهجري الجديد - صور    بمناسبة العام الهجري الجديد.. دروس وعبر من الهجرة النبوية    إليسا تهنئ نادر عبدالله بعد تكريمه من «ساسيم»: «مبروك من نص قلبي»    وزير الرياضة يهنئ أبطال السلاح بعد التتويج ب 6 ميداليات أفريقية    صوت بلغاريا مع أنطاكية.. البطريرك دانيال يندد بالعنف ويدعو إلى حماية المسيحيين    حضور جماهيرى كبير.. ويل سميث لأول مرة فى مهرجان موازين بالمغرب (صور)    دار الإفتاء تعلن اليوم الخميس هو أول أيام شهر المحرّم وبداية العام الهجري الجديد 1447    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبل أن تدهمنا فتنة أكبر- فهمي هويدي – صحيفة الخليج الإماراتية
نشر في مصر الجديدة يوم 26 - 01 - 2010

ما بال أقوام يحسبون أنه لا سبيل إلى إطفاء نار الفتنة الطائفية في مصر إلا بإضعاف الهوية الإسلامية للبلد، الأمر الذي يغدو نوعاً من الشطط الذي يستبدل فتنة بأخرى أكبر منها وأشد خطراً .
1
حين وقعت الواقعة في نجع حمادي وروعنا جميعاً بسببها، حذرت من تدخلات المتعصبين والمزايدين والمتربصين، وتمنيت عليهم أن يخدموا الوطن في أثناء الأزمة بسكوتهم وامتناعهم عن التحريض وتأجيج المشاعر وتوسيع الحريق . لكن ذلك لم يحدث للأسف، وإنما، وجدنا تنافسا بين عناصر الفئات الثلاث على تحقيق أكبر عدد من أهدافهم وسط المعمعة . وبدا أن القاسم المشترك الأعظم في مسعاهم هو تهميش حضور الإسلام في إدراك الجماهير فضلا عن المجال العام . في مسعى يكاد يكون تمثلاً لحالة الرجل الذي يقول المثل العامي إنه أراد أن “يكحلها فأعماها” عن عمد وسبق إصرار .
آخر ما يخطر على البال إذ يظن بي أنني أدعو إلى التهوين مما جرى، لأن ما أتمناه حقا ألا نبالغ في رد الفعل، بحيث نعطي الموضوع حقه بغير زيادة أو نقصان، كما أنني أرجو ألا يزايد عليّ أحد في تأصيل حق الأقباط كمواطنين وشركاء في المصير . وقد سجلت موقفي هذا في كتابي “مواطنون لا ذميون”، الذي طبع منذ نحو ربع قرن “عام 1985”، وعلقت بعض فصوله في الكنائس المصرية آنذاك، ولعل كثيرين يذكرون مقالتي التي منع “الأهرام” نشرها في عام ،1995 ودعوت فيها إلى انتخاب كل الأقباط الذين ترشحوا لعضوية مجلس الشعب وقتذاك . وكانت المقالة ردا على دعوة مرشح الحزب الوطني عن دائرة حي الظاهر بالقاهرة، إلى عدم التصويت لمرشح “حزب الوفد” منير فخري عبدالنور، لأنه قبطي، ولا يتسع المجال لاستعراض كتابات أخرى سجلت فيها موقفي إزاء الموضوع، خصوصاً أن تلك الكتابات متوفرة في أي أرشيف له صلة به .
إنني أخشى أن نكرر خطيئة الرئيس بوش بعد أحداث 11 سبتمبر/ايلول، حين بالغ في رد الفعل، وأعلنها حربا مفتوحة على “الإرهاب” . وتصور أن بمقدوره إعادة تشكيل العقل الإسلامي من جديد . فدعت إدارته إلى تغيير مناهج التعليم وتجديد الخطاب الديني وأخضعت منظمات المجتمع المدني الإسلامية للرقابة والتفتيش، ولم يكتف بمعاقبة الذين ارتكبوا الحادث ومَنْ وراءهم . ثم كانت النتيجة فشلاً على كل الجبهات . فلا هو قضى على الإرهاب، ولا غير من عقول المسلمين وثقافتهم، وإنما أشاع بينهم درجات متفاوتة من البغض والكراهية للولايات المتحدة وسياساتها، حتى أصبحت إحدى مشكلات خلفه أن يحسن من صورة بلاده في العالم الإسلامي .
ما يحدث في مصر الآن شيء قريب من هذا . ذلك أن التعامل مع الجريمة البشعة التي وقعت في نجع حمادي لا يريد له البعض أن يكتفى بمعاقبة الجناة ومن وراءهم، وتحري الأسباب الحقيقية التي دعتهم إلى ارتكاب الجريمة، وإجراء حوار جاد حول مصادر التعصب ومطالب الأقباط، ولكن أولئك البعض، الذين هم خليط من الفئات الثلاث سابقة الذكر . نقلوا المناقشة إلى مستوى آخر، استهدف الهوية الإسلامية لمصر . فدعوا إلى إضعاف تلك الهوية، ومنهم من تحدث بصراحة عن طمس تلك الهوية ومحوها تماما . وكما أن بعض الناشطين الإسلاميين رفعوا شعار “الإسلام هو الحل”، فإن أصحابنا هؤلاء رفعوا شعارا ملغوما مضادا قالوا فيه إن الإسلام هو المشكلة .
2
حتى أكون أكثر تحديدا فإنني أفرق بين دائرتين للحوار، الأولى تتصل بمطالب الأقباط وحقوقهم كمواطنين في البلد، والثانية تتعلق بالخطوط الحمر التي ينبغي الوقوف عندها حفاظاً على مقومات المجتمع ودفاعا عن السلم الأهلي، وقبل التطرق إلى المطالب فإنني ألفت النظر إلى أن الاستجابة لها لا علاقة لها بعدد الأقباط في مصر ونسبتهم المئوية بين السكان . ولذلك فإنني لا أجد مبرراً للمبالغة أو المزايدة في هذا الباب . وهي ملاحظة عنت لي حين لاحظت أن بعض المثقفين وبعض المسؤولين أيضا يتحدثون عن أن الأقباط يمثلون 10% من سكانها . وتلك معلومة تدهش خبراء الإحصاء في مصر الذين يقطعون بأن تلك النسبة لا تتجاوز 6% في أحسن فروضها . ويستندون في ذلك إلى مؤشرات 13 إحصاء تمت في مصر منذ بدأت في عام ،1897 في ظل الاحتلال البريطاني لمصر . وبعض تلك الإحصاءات أشرف عليها الإنجليز، وبعضها شارك نفر من الأقباط في إجرائها (رئيس الإحصاء في تعداد عام 1937 كان حنين بك حنين وفي إحصاء عام 1976 كان المسؤول عن التعداد في الوجه البحري قبطي آخر هو السيد موريس حنا غبريال، وكيل الوزارة بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء) . وفي كل تلك الإحصاءات التي تمت خلال 113 عاما لم تتغير النسبة التي أشرت إليها، إلا في حدود هوامش بسيطة للغاية تقل عن نصف في المائة، ولذلك فليس هناك مبرر منطقي للمزايدة والقفز بالنسبة إلى 10% أو أكثر، لأنهم لو كانوا واحدا في المائة فحقهم في المواطنة والمساواة مكفول ولا ينبغي أن ينتقص منه .
إن المطالب الخاصة بإصدار قانون موحد لدور العبادة، والمساواة في الوظائف العامة، ووقف القدح في المعتقدات الدينية، وتجريم أي تمييز أو تحقير ينال أي مواطن بسبب معتقده الديني، وغير ذلك من المطالب التي تتعلق بحقوق المواطنة ومقتضيات المساواة، هذه كلها أمور مشروعة، وليس هناك أي مبرر للتقاعس في الاستجابة لها . ولا أفهم مثلا لماذا تأخر إصدار القانون الموحد لدور العبادة طوال أربعين عاما . ذلك أنه من مصلحة الجميع أن تخضع عملية بناء دور العبادة لقواعد واحدة، تمكن كل المتدينين من أداء شعائرهم، وليت التوحيد لا يقتصر على شروط البناء، وإنما يشمل أيضاً مجمل الظروف التي تعمل في ظلها تلك الدور . وهو ما قد يمكن المساجد من الإفادة من الحريات المتاحة للكنائس، سواء في عدم تقييد مواعيد الفتح والإغلاق أو رفع يد وزارة الداخلية عن الوعاظ فيها، إلى جانب التسامح مع ما تمارسه من أنشطة اجتماعية وثقافية وخيرية .
3
هل لابد لإنصاف الأقباط إضعاف الإسلام ومطاردة مظاهره في مصر؟ وهل هذا ممكن من الناحية العملية؟ وما تأثير هذه الدعوة على السلم الأهلي والتعايش المفترض بين المسلمين والأقباط؟
وهل يصبح الأقباط في أمان في هذه الحالة؟ وبعد الانسحاب من العروبة تطبيقا لشعار “مصر أولا وأخيراً”، ماذا يبقى من مصر إذا طمس الإسلام فيها وصار بدوره “محظورا”؟
هذه أسئلة من وحي الكتابات التي نشرها نفر من “المصريين الجدد” مؤخراً، وأزعم أنها ألقت بذور فتنة أخرى نسأل الله أن يجنبنا شرورها، وحتى لا يظن أحد أنني أبالغ فيما سألت عنه، فإنني سأكتفي بالإشارة إلى بعض الأفكار والعناوين التي نشرتها الصحف المصرية في الآونة الأخيرة، فقد كتب أحد القيادات الثقافية في ثنايا مقال عن “مواجهة ثقافة التخلف” أن ظاهرة التدين في مصر وصلت إلى معدلاتها الخطرة، وأن الظاهرة في مجملها تهدد المجتمع المدني، لا فرق في ذلك بين معتدلين ومتطرفين . وقالت ناقدة أدبية إن المشكلة ليست في تأويل النص (القرآني) ولكنها في النص ذاته . وأخذ ثالث على ثورة يوليو أنها أنشأت المؤتمر الإسلامي ومجمع البحوث الإسلامية . وذلك أدى إلى إطلاق يد المتطرفين، ما أدى إلى إنهيار أركان النهضة في مصر وتراجع ثقافتها لتحل محلها ثقافة التطرف والخرافة والانحطاط . ودعا أحد الكتاب إلى إلغاء تدريس مادة التربية الدينية في المدارس . واحتجت إحدى الكاتبات على الاستشهاد بالنصوص الإسلامية في حث التلاميذ على الالتزام بالفضائل والقيم . وقالت إن الإشارات إلى الصدق أو الشجاعة أو البر بالوالدين في كتب المدارس ليس لها مرجعية أخلاقية أو وطنية، وإنما تعزز اعتمادا على نصوص إسلامية . واعتبرت أن تدريس النصوص التي تحث المسلمين على أي فعل حميد يغرس التفرقة بينهم وبين الأقباط، ونشرت إحدى الصحف قائمة بوصايا عشر للقضاء على الفتنة الطائفية اقترحها أستاذ جامعي . من هذه الوصايا نزع الملصقات الدينية من حوائط الدواوين الحكومية، ومنع إقامة الصلوات في أماكن العمل، مع إلغاء منحة التأخير للأقباط يوم الأحد . منها أيضا منع أي نشاط اجتماعي لدور العبادة، وتسليم المستوصفات ودور الحضانة والمسلمين إلى الحكومة لتدار من دون أن تكون لها أي هوية دينية . منها كذلك منع نشر أي فتاوى دينية في وسائل الإعلام التابعة للحكومة، وإلغاء الصفحات الدينية، والتوسع في إقامة نوادي الشباب ومنع ممارسة أي نشاط ديني بها . . . إلخ .
إلى جانب كل إلغاء لحضور الدين أو مظهر له في المجتمع فثمة اتفاق بين هؤلاء جميعاً وأمثالهم على المطالبة بإلغاء المادة الثانية للدستور، التي تنص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام وأن مبادىء الشريعة تعد المصدر الرسمي للتشريع في مصر، وهو المبدأ المستقر في الدستور المصري منذ عام ،1923 وظل مكانه ثابتاً في كل الدساتير اللاحقة التي صدرت طوال ال28 عاماً التالية، لا يستثنى من ذلك إلا دستور 1958 الذي صدر في عهد الوحدة بين مصر وسوريا (المستشار طارق البشري اعتبر أن وجود المادة الثانية بصيغتها الحاضرة يحقق الاسناد الشرعي الإسلامي لمبدأ المساواة التامة بين المسلمين والأقباط في جميع المجالات، بمعنى أنها توفر مرجعية إسلامية لكل المبادئ الواردة بالدستور المتعلقة بالمواطنة والمساواة) .
4
سألت بعض المخضرمين في العمل السياسي: لماذا لم تطل الفتنة الطائفية برأسها في المرحلة الناصرية، ولماذا استشرت في المرحلتين التاليتين، اللتين تنسبان إلى الرئيسين السادات ومبارك؟ ولماذا لم تتحقق الوحدة الوطنية المنشودة رغم أن قانوناً صدر لحمايتها في عام 1972؟ في ردهم قالوا إن وجود حكومة قوية في عهد الرئيس عبدالناصر، توفرت لها رؤية استراتيجية واضحة، ومشروع وطني جامع . هذان العاملان، كانا على رأس الأسباب التي شكلت بيئة سياسية لم تسمح بظهور الفتنة الطائفية . (قال لي السيد سامي شرف مدير مكتب الرئيس عبدالناصر إنه بتوجيه من الرئيس كان يجتمع يوم الاثنين من كل أسبوع مع الانبا صمويل، أحد أساقفة الكنيسة، للتفاهم حول مختلف الأمور العالقة بين المسلمين والأقباط) . وحين لم تتوفر تلك البيئة في المرحلتين التاليتين فإن الرئيس السادات حاول أن يستعيض عنها بالإجراءات، التي تمثلت في قانون الوحدة الوطنية .
هذا التحليل إذا صح فإنه يعني أن حصر البحث عن حلول للمشكلة في حدود توجيه المطالب واللجوء إلى الإجراءات الحكومية لا يكفي لوأد الفتنة وإطفاء نارها . إنما يتعين أيضا النظر إلى البيئة السياسية الراهنة، التي افتقدت إلى الرؤية الاستراتيجية الواضحة والمشروع الوطني المعبر عن طموحات الجماهير وأشواقها، ما أسلم المجتمع إلى تيه أوصل الناس إلى ما وصلوا إليه الآن من تفكيك وتخبط . وهذه هي الفتنة الكبرى التي لا يريد أحد أن يتحدث فيها، لأن ذلك ينقل الحوار من مستوى السجال الطائفي إلى أفق النقد السياسي . وهي حدود عندها يتوقف الكلام المباح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.