في البداية اسمحوا لي أن أستعير عنوان هذا المقال' وقفة مصرية', من إحدي حملات تنظيم الأسرة, لما لها من دلالة عميقة لمواجهة ظاهرة العنف الطائفي, وأيضا الإشادة بالمواقف المصرية الخالصة التي اتخذها البعض ضد الجريمة الطائفية التي حدثت في نجع حمادي ليلة عيد الميلاد2010. فما زال مسلسل العنف الطائفي مستمرا ما بين إنكار وتهوين من البعض, وتعميم شديد للظاهرة من البعض الآخر.لنظل نعيش في دائرة مغلقة ما بين الإنكار الشديد والتعميم الأشد لهذه الظاهرة الخطيرة. وسواء كانت أحداثها فردية أو في سبيل الانتشار, فهي كالزيت الذي يطلق علي نار هزيلة. وهذه المواقف أو تلك التي تحيط بهذه الظاهرة تتخذ من قيادات رسمية وشعبية علي السواء وليس فقط من العوام. إن الإنكار الشديد والتهوين المستمر من هذه الأحداث, وكذلك التعميم الشديد باعتبارها ظاهرة تعم جميع أرض المحروسة, كلها مواقف لا تصلح الآن لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد كياننا الكلي ووحدة مصرنا التي توحدنا فيها كمسلمين ومسيحيين علي مر العصور والأجيال. وكلا الموقفين يؤديان إلي نفس النتيجة وهي انتشار الظاهرة كالنار بين الهشيم, فعدم المواجهة العاقلة لها بتحليل أسبابها واتخاذ وقفة مصرية مجتمعية ورسمية راسخة لوأد هذه الظاهرة قبل تفشيها, سوف يحترق بها الجميع. نحن نعلم جيدا أن هناك أسبابا كثيرة لأحداث العنف الطائفي, وهي ليست بأسباب دينية أو طائفية بالدرجة الأولي, لكنها فجأة تتحول إلي طائفية, والسؤال المهم لماذا؟, ومن يغذيها ويدفع بها إلي الطائفية وإلي العنف والقتل والدمار الذي يطول بخاصة الأبرياء الذين ليس لهم صلة بجريمة أو جنحة ما؟. ونحن نعلم أيضا أن بعض الأسباب طائفية, والسؤال أيضا لماذا؟, هل بسبب وجود العدالة في المجتمع أو بسب بوجود تميز طائفي, أو بسبب تأجيج الوعي العام عند العوام ضد بعضنا بعضا مما يدفع للكراهية والرفض الذي يصل إلي حد التربص والقتل والدمار؟. إننا نعلم أيضا أن هناك بعضا من رجال الدين أو من يتمسحون بالدين, يعملون علي نشر الفرقة والعداء, من خلال الفضائيات الدينية إسلامية كانت أومسيحية. كما ينتشر أيضا العديد من المتطرفين داخل المدارس والجامعات وغيرها, وهؤلاء يبثون وبأصوات عالية روح الفرقة والكراهية والتحريض, فتتأثر بهم الغالبية, وبخاصة الشباب, ويصبحون قنابل موقوتة جاهزة للانفجار في أي لحظة, وبالتالي يمكن أن يندس وسطهم من يقوم بأفعال تهدد الأمن القومي الوطني ومستقبله. ونحن الآن علي حافة تفشي هذه الظاهرة, ننادي كما ينادي الكثيرون من عقلاء هذا البلد, أن نتعقل أمورنا ونتدبر أحوالنا حفاظا علي مستقبلنا ومستقبل أبنائنا, وكذلك تماسكنا وتضامننا معا. فالأمر يحتاج إلي مواجهة سريعة وحازمة, الشق الأكبر منها قانوني, بتطبيق وتفعيل سيادة القانون بعدالة( وليس تسييسا لها), علي كل مخطئ ومجرم تسول له نفسه للترويج والتأجيج للعنف والسلوك الإجرامي والقتل بسبب اختلاف الدين أو الطائفة, و أيضا إعادة النظر في كل ما تبثه وسائل الإعلام, وبخاصة الدينية منها, فالبعض منها يبث سموم التعصب والفتن من كلا الجانبين المسيحي والإسلامي. ولا بد من الوقوف موقف واضح وصريح من هذه الوسائل المتعصبة, وبناء إعلام مضاد يبث صحيح الدين علي الجانبين ودون تميز طرف علي طرف آخر مع متابعة لكل ما يتم التفوه به علي منابر المساجد والكنائس, وما إذا كانت هذه الرسائل الدينية تحض علي الكراهية والفتنة والتعصب أم لا, ووقف هذا النزيف الذي يملأ عقول شباب أمتنا ويدفعه إلي ممارسة هذه الأفعال التي تضر بحاضر الأمة, ومستقبلها. هذا إلي جانب إجراء مراجعة شاملة للعملية التربوية علي كل الأصعدة, وهل هي فعلا تساعد علي بناء مواطن سوي يقبل الحرية والاختيارات والاختلافات الفردية, أم أنه نظام تربوي يقوم علي كراهية المختلف وعدم الاختلاط به, فتقتل الصداقات في مهدها وينشأ الفرد أشبه بقنبلة موقوتة ضد كل ما هو مختلف عنه سواء في الجنس أو الدين أو الطائفة أو غيرها من مجالات التنوع البشري الخلاق. لابد أن نعترف بأن ما نعانيه الآن من ثقافة رافضة للاختلاف تختلف عن تلك الثقافة التي كنا نعيشها منذ نصف قرن مضت من الزمان, ونحن اليوم لا نسترجع الماضي أو نتباكي عليه, بل ندعو عقلاء الأمة من المفكرين والمثقفين, وقيادات المجتمع المدني, والقيادات الرسمية والشعبية إلي أن نتكاتف معا بالعمل الجاد والمخلص والمخطط والمرتبط بثقافة الجماهير, ولا نرضخ للشائعات والتأويلات المنحرفة ولا للضغوط الشعبية أحيانا, وأن نؤكد جميعا سيادة القانون بعدالة ودون تميز, ليس هناك بديل إلا ذلك, وبغيره سيستمر هذا المسلسل الطائفي ويأخذ طريقا ربما لا يمكن العودة منه.