كلاهما جريمة بشعة ونموذج للتعصب والهمجية و العنف الطائفي المرفوض.. فلماذا اختلفت ردود الأفعال؟ فتحي سرور أشاد بجهود الأمن في نجع حمادي كلاهما جريمة بشعة.. كلاهما نموذج للتعصب والهمجية.. كلاهما عنف طائفي مرفوض.. لماذا إذن اختلفت ردود الأفعال بين الحادثين؟ الحادث الأول كان في يوليو الماضي، عندما تم قتل مروة الشربيني المصرية المسلمة علي يد مواطن ألماني يدعي - أليكس دبليو فينز - داخل محكمة في مدينة «دريسدن» بعد أن وجه لها 18 طعنة ووصفها بالإرهابية بسبب ارتدائها الحجاب. أما الحادث الثاني كان في ليلة 7 يناير الماضي، حيث قام ثلاثة يستقلون سيارة بإطلاق أعيرة نارية علي مواطنين مسيحيين عقب خروجهم من الكنيسة في نجع حمادي وأسفر الحادث عن مقتل ستة أقباط وشرطي مسلم. اختلفت ردود أفعال المصريين في الحادثين، ففي الحالة الأولي خرجت المظاهرات في مصر وفي الدول العربية بل في ألمانيا نفسها تندد بالعنف والتطرف الذي يمارس ضد المسلمين مطالبين بوقفة حاسمة تجاه الحكومة الألمانية. وطالب المسلمون بالقصاص معتبرين الأمر إهانة موجهة للإسلام رافضين الاضطهاد الذي يعانيه المسلمون في الغرب. خرجوا محتجين يحملون الحكومة الألمانية والمحكمة نفسها مسئولية الحادث؛ لأنها يفترض أن تكون مسئولة عن تأمين ساحة المحكمة ولم يقبلوا اعتذار ألمانيا عن الأمر. شيع المتظاهرون المصريون في الإسكندرية الفقيدة وسط مشاعر من الحزن والغضب، وطالب النائب العام المستشار عبد المجيد محمود بتدخل النيابة العامة المصرية في التحقيقات التي تجري في ألمانيا حول القضية، أما المجلس الشعبي المحلي بمحافظة الإسكندرية فقرر إطلاق اسم مروة الشربيني علي شارع في المدينة وعلي أحد مراكز الشباب فيها. حالة من السخط والغضب سادت المصريين الذين شعروا بضربة موجهة إليهم، ضربة عبرت عنها الصحف الألمانية نفسها بقولها إن المصريين رأوا في الحادث طعنة لكل مسلمة ترتدي الحجاب. غضب تفهمه الجميع وساندته الصحف التي أطلقت علي مروة الشربيني لقب «شهيدة الحجاب»، فالحادث كان عنيفا بغيضا همجيا. الغريب أن كل هذا اختلف تماماً عندما تغيرت ديانة المجني عليه من مسلم إلي مسيحي. في الحادثة الثانية التي راح ضحيتها مسيحيون في ليلة عيد الميلاد، سادت حالة من الحزن والغضب علي أقباط مصر الذين رأوا فيه هم أيضا ضربة موجهة إليهم في عيدهم. بعض المسلمين أيضا رأوا فيه عنفا طائفيا لا يمكن السكوت عنه لكن غالبية المصريين لم يروا الأمر من هذه الزاوية وإنما استنكروا ما أطلقته الصحف علي الحادثة من كونها جريمة وعنفاً طائفياً، وتباينت ردود أفعالهم بين من يراها حادثة فردية لا يجب التوقف عندها ومن يراها «ثأراً لشرف فتاة مسلمة». تعليقات المصريين وردود أفعالهم كانت متباينة لكن الأغلبية فيها اجتمعت علي أن الأمر لا يمكن أن نطلق عليه اضطهاداً للأقباط ولا يعني استهدافا لهم ولا يعبر عن عنف طائفي. الغريب أن تعليقات المصريين لم يعد يتحكم فيها الحادث نفسه وإنما صار يحكمها بالأساس ديانتا المتهم والمجني عليه. أمر لم يكن معتاداً من قبل لكنه صار هكذا منذ توغل الخطاب الديني وسيطر المسجد والكنيسة علي العقول التي أصبحت تبحث عن سبب للشجار لا لما يقربهم ممن هم يعيشون معهم في وطن واحد. منذ حادث الزاوية الحمراء عام 1981 عندما خرج الرئيس الراحل أنور السادات ليعلن أن الأمر لا توجد فيه فتنة وإنما «غسيل مواطن نقّط علي غسيل مواطن آخر، فكانت هذه المية اللي مش ولابد سبباً في مجزرة، وصفها المغرضون بالفتنة الطائفية، وهي مجرد خناقة علي تنقيط الغسيل». منذ أن أصبحنا ننكر وجود أي اختلاف أو تعصب، ونؤكد أن الحياة جميلة والأمور تمام و«كله زي الفل»، وصارت صورة البابا مع شيخ الأزهر تتصدر الصحف؛ بدأت الخلافات تزداد عمقاً والمشاكل تزداد حدة تحت السطح الذي يبدو هادئاً لكنه صار مشتعلا. ادخل علي أي موقع أو منتدي لا علاقة له بالدين، وشاهد تعليقات المصريين علي الحادثين وستكتشف مدي التعصب والجهل الذي صرنا نعيش فيه. مقتل مروة الشربيني صار مرتكبها هم المسيحيون أينما كانوا، ومقتل أقباط نجع حمادي أصبح المتهم فيه هم المسلمون حتي لو رفضوا ما يحدث. لكن ما يجب التوقف عنده هو توصيف الحادث الثاني علي كونه ثأراً وأن «البادي أظلم». علي موقع الدستور نفسه ستجد البعض معلقا علي أي مقال يري في الحادث جريمة بكون كاتبه لا يعبأ ببنت مسلمة هتك عرضها ولا أي اعتداءات من الأقباط علي المسلمين. ستجد البعض الآخر يؤكد أن الحادث «ثأر طائفي لمسيحيين أسلموا ثم قتلوا من مسيحيين مثلهم انتقاماً منهم علي هجرتهم دينهم فكان رد الفعل أن هؤلاء مسلمون ولابد من الانتقام لهم». رغم أن الحادثين يمثلان قمة العنف الطائفي والجهل والعصبية والتخلف لكن الأمور لم يعد الحكم عليها واضحاً؛ لأن الضحية الأولي مصرية مسلمة، والضحايا الآخرون مسيحيين مصريين. توقفت التعليقات عند الديانة لكنها قفزت علي كونهم جميعا مصريين. قالوا إن الحادث الأول اضطهاد لكنهم استنكروا أن يقول البعض إن الحادث الثاني فيه اضطهاد للمسيحيين لأنه من وجهة نظرهم أن الحكومة تضطهد المصريين جميعا وهو أمر وإن كان صحيحا لكنه لا ينفي فكرة اضطهاد البعض للآخرين، بل إن بعض المحللين يرون أن ما يحدث في مصر من اضطهاد طائفي قد يكون تنفيساً لما يتعرضون له علي يد الحكومة والنظام. ورغم هذا يبقي غريبا، أن يكون رد الفعل المختلف بين الحادثين موجوداً أيضاً علي المستوي الرسمي وليس الشعبي فقط. فرغم توجه وفد من الحزب الوطني لتقديم العزاء إلي المسيحيين في حادث نجع حمادي برئاسة أحمد عز لكن المدقق سيري نفيا قاطعا من وجود أي خلل أمني قد يكون تسبب في الحادث رغم أنهم قالوا إن الحكومة الألمانية نفسها مسئولة في قضية مروة الشربيني لأنها أهملت تأمين ساحة المحكمة. الدكتور أحمد فتحي سرور - رئيس مجلس الشعب - علّق علي الحادث الأول بأن حمّل الحكومة الألمانية المسئولية المدنية كاملة عن استشهاد مروة الشربيني، وذلك لعجزها عن حماية ساحة المحكمة التي شهدت الحادث، وتقصيرها الواضح الذي أدي إلي ذلك الحادث الإرهابي أمام القضاة. وقال إن هذا الحادث الإرهابي يلفت النظر إلي وجود نقص في قانون العقوبات المصري لأنه يمتد فقط إلي معاقبة المصري إذا ما ارتكب جريمة في الخارج، ولكنه لا يمتد إلي من ارتكب جريمة ضد مصري في الخارج. أما في حادث نجع حمادي فاكتفي بقوله إن الحادث «خطير ويهدد الوحدة الوطنية». ووصفه بأنه ينم عن التعصب الأعمي ولا يجوز أن يمر بسهولة، لكنه لم يقل لنا من المسئول عن تأمين نجع حمادي ولم يحدد من يفترض أن يؤمن الكنائس في يوم العيد. في حادث مروة الشربيني كانت ردود الأفعال الرسمية كلها مؤيدة للمشاعر الشعبية فالفرصة صارت واردة لإبعاد الأنظار عما يجري في الداخل وعلي الساحة السياسية فلماذا لا يواكبون المشاعر الجياشة التي تجتاح المصريين فوصف الأمر بالتعصب والطائفية أمر حقيقي ولن يضر النظام في شيء؟ الأمر يختلف كثيرا في حالة نجع حمادي، فالحادث وقع علي الأراضي المصرية والمسئولية تقع علي عاتق النظام لذا كان لابد من توجيه الرأي العام دون إغضاب الأقباط فكان وفد الحزب الوطني لتوجيه واجب العزاء -لاحظ أن هذا تم بسرية وجوب الإعلان عنه وكأنه عيب علي عكس الاهتمام الإعلامي الكبير الذي حدث في عزاء مروة الشربيني- يصاحبه تأكيد أن الأمن مستتب ولا يوجد خلل وأنه لا يعبر عن أي طائفية وإنما الوحدة الوطنية ستستمر رغم أنف المتربصين! نفس النظرية مستمرة منذ حادث «المية اللي مش ولابد»، والنتيجة زيادة في العنف الطائفي وتغيير للمسميات وبالتالي البعد أكثر وأكثر عن إيجاد أي حلول لأننا نرفض الاعتراف بالوضع القائم ولأننا نصر علي أن نري في جريمتين بشعتين طائفيتين أمرين مختلفين فنقول علي واحدة ثأراً وعلي الأخري تعصباً.. ليبقي وصف الجريمة الجديدة التي ستقع حائرا في انتظار تحديد ديانة المتهم والمجني عليه.