لم تعد الزعامة السياسية في المنطقة العربية قاصرة على الشقيقة ( الكبرى ) مصر، ولم تعد تتشارك معها السعودية فقط في زعامتها للعالم العربي بعد تفكك المثلث العربي ( سوريا – السعودية – مصر ) ولجوء سوريا الى الحضن الايراني ، بل دخلت على اللعبة في الشرق الاوسط قوة جديدة تعلن عن نفسها باستقلال في القرار السياسي ، وشبكة متشعبة من المصالح والعلاقات الخارجية ، انه الحصان التركي يعلن عن دخوله مضمار السباق في المنطقة بعد طول غربة في اوروبا والغرب . .. لقد اثيرت في الفترة الاخيرة مسالة تراجع الدور المصري في المنطقة العربية والشرق الاوسط ، ولم تعد صورة الشقيقة الكبرى التي تهتم بالقضايا العربية هي الصورة التي يراها الجانب العربي ، الى حد جعل قطر تزاحم مصر في ملفات وقضايا تعارف عليها الجميع بانها ارث مصر ومضمارها منذ البداية ، لقد استطاعت قطر ان تضع بصمتها النهائية على اتفاق المصالحة اللبنانية ، كما رعت قطر عملية السلام في دارفور ، قطر هي التي شنت هجوما عنيفا على مصر اثناء عملية الرصاص المصبوب على قطاع غزة واتهمتها بالعمالة لاسرائيل وامريكا ، واخيرا وليس اخرا ، مصر تضع نفسها في موقف اخر يثبت تراجع دورها العربي وانهيار صورتها لدى العالم الخارجي ، انها الازمة التي انفجرت عقب اعلان مصر عن قيامها باقامة الجدار الفولاذي على حدودها مع غزة وما صاحبة من ردود افعال شعبية وعربية تهاجم مصر وتتهمها بانها تشارك في تجويع الفلسطينيين وحصارهم ، هذا بالاضافة الى الفشل المصري في التوصل الى اتفاق بين حركتي فتح وحماس ، بعد ان اتضح ان سوريا وايران تمسكا بجزءا كبيرا من خيوط التوصل لمثل هذا الاتفاق نتيجة سيطرتهم على حماس وتقديم الدعم المالي والعيني للحركة في فلسطين. ففي بيروت تظاهر اكثر من 300 شخص اما السفارة المصرية بسبب اقامة الجدار الفولاذي ، وأقام المتظاهرون بواسطة ألواح معدنية مجسما لجدار على بعد أكثر من عشرين مترا من القوى الأمنية، الصقوا عليه شعارات بينها "نتنياهو يقول شكرًا يا حكام مصر"، و"أيها العرب أوقفوا قتل الأبرياء بجداركم الفولاذي"، و"لن يرحمكم التاريخ يا حكام مصر". وفي سويسرا تجمهر أكثر من خمسمائة متضامن مع القضية الفلسطينية أمام السفارة المصرية في بيرن، من بينهم نواب وعشرات الشخصيات الحزبية والنقابية، للتعبير عن غضبهم من شروع السلطات المصرية في بناء الجدار الفولاذي على طول الحدود مع قطاع غزة المحاصر، واستمرار إغلاق معبر رفح، واستنكاراً على وضع القاهرة العراقيل أمام المتضامنين الدوليين القادمين من مختلف أنحاء العالم ومنعهم من الوصول إلى غزة عبر معبر رفح الذي يعتبر المنفذ الوحيد إلى القطاع . ..وفي الاردن نظم عدد من النقابيين والنشطاء الأردنيين مظاهرة قرب السفارة المصرية بالعاصمة الأردنية عمان, للاحتجاج على إقرار السلطات المصرية ببناء الجدار الفولاذي، على الحدود مع قطاع غزة المحاصر. ورفع المتظاهرون الذين منعتهم قوات الأمن الأردنية من التجمهر أمام باب السفارة، لافتات تنديدية، ورددوا شعارات تستنكر القرار المصري الذي سيعمق من مأساة غزة المنهكة أصلا بالحصار الإسرائيلي، الذي جعل سكان القطاع يعيشون عزلة قاتلة. ..وفي باكستان نظمت الجماعة الإسلامية الباكستانية الاثنين مظاهرة في مدينة لاهور للتنديد بالجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر على حدودها مع غزة . وفي السعودية اطلق الدكتور يوسف الأحمد أستاذ الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود، فتوى بحرمة بناء هذا الجدار وقد استطاعت اسرائيل وفق الصحافة الاسرائيلية اختيار الوقت المناسب لمزيد من الاحراج لمصر ، حيث شرعت في اقامة جدارًا أليكترونيا على حدودها مع مصر لاظهار مصر وكانها تعمل لصالح إسرائيل. كما دأبت السعودية على إظهار متانة العلاقات المصرية السعودية، ولكن من وراء الستار توجد حرب باردة بين الدولتين، فالسعودية هي الاخرى كثيرًا ما دخلت على خط المصالحة الفلسطينية، حتى إنها أرادت إدخال بعض التعديلات على الورقة الاخيرة التي أعدتها مصر من أجل إقناع حماس بالتوقيع عليها وهو ما سيجعل المصالحة تتم بلمسات ورعاية سعودية، وهذا ما ترفضه مصر. كما أن السعودية احتلت مكانة مصر في بعض القضايا الأخرى، وأهمها مبادرة السلام ( السعودية ) والتي تحولت الى مبادرة السلام ( العربية ) التي لا يزال العرب يتمسكون بها حتى اليوم في ادارتهم لملف الصراع مع اسرائيل. وبالاضافة الى ما سبق ، فقد اصبحت السعودية ذات ثقل سياسي خارجي خاصة بسبب علاقتها مع الولاياتالمتحدة ، التي تقوم على اساس المصالح الاقتصادية المتمثل في الثروة السعودية من النفط ، ومبيعات السلاح الامريكية للسعودية وبعض دول الخليج الاخرى