نحن نشهد بالفعل تداعى النظام السياسى للإخوان المسلمين في مصر الآن، والملمح الثابت لأىّ نظام أثناء تداعيه هو رفضه التخلى عن السلطة بل تكريس كل إمكاناته للبقاء فيها لأطول فترة ممكنة، فعل هذا منذ وقت ليس بالبعيد الحزب الوطنى إلى درجة حرق كلّ قوارب نجاته وكوادره ووزرائه والمتحدثين باسمه والمنتمين له حتى من بعيد. إن لجوء الإخوان المسلمين للتمكين والاستيلاء على كلّ مفاصل الدولة هو نتيجة لسقوطهم وليس سببًا لهذا السقوط، فلقد استشعروا أن الشعب الذى عانى من التهميش والفقر والمرض والذى كان يلوذ بهم أثناء لعب السلطة الغاشمة السابقة بمقدراته ينبذهم بعد أشهر قليلة من حكمهم ويتمنى رحيلهم ولم يكن أمامهم إلا الارتعاد مِن كل القوى الوطنية المختلفة عنهم واستبعادها بل طردها من المشاركة في المشهد السياسى والمؤسسي. ولا يوجد مَن هو جاهز كعهد مصر مع بنيتها كدولة منذ آلاف السنين إلا المؤسسة العسكرية فهى الأقوى وهى التى يستدعيها الشعبُ كلما نكل به حُكامه، وبالطبع لن تقبل النخبة السياسية والثقافية هذا البديل الأوحد وبالطبع لن يقبل المجتمع الدولى عودة حكم المؤسسة العسكرية في الألفية الثالثة، وأيضًا لا يستطيع أحدٌ التكهن بتطلعات المؤسسة العسكرية نفسها في ظلّ مشهد إقليمى وعالمى شديد التعقيد، فيظل السؤال الأشد أهمية مطروحًا.. هل ستتدخل المؤسسة العسكرية تدخلا محدودًا ينقذ البلاد ويساهم في انتخاب رئيس مدنى لكل المصريين ودستور لكل المصريين وبرلمان يمثل الشعب بكل أطيافه وإعادة هيكلة البنية التحتية لأقدم دولة مدنية في التاريخ؟ أم أنها ستتدخل لكى تبقى في الحكم كما كانت منذ فجر التاريخ.. منذ حُكم رمسيس، لقد جرت في النهر مياه كثيرة ابتداء من ثورة 25 يناير 2011 وحتى هذه اللحظة، ولقد أصبح من المستحيل ملاحقة المتغيرات السياسية والدولية الكبرى، لكن المؤكد توقعه أن هذا المشهد المتردى لن يستمر طويلا خصوصًا بوصوله إلى نهاية النفق المعتم بعدم وجود أمل ولو طفيف لإقامة حوار وطنى تشارك فيه كلُّ قوى المجتمع الفاعلة بأطيافها المختلفة ويهدف إلى استقرار البلاد والإلقاء بشبح الحرب الأهلية بعيدًا ثم تحقيق أهداف الثورة التى استشهد مِن أجلها شبابٌ مِن أنبل أجيال مصر، فتم استبعاد جيلهم من المشهد السياسي بل ووُضع النشطاء منه في المعتقلات. ملحوظة: كُتبت هذه السطور، الأقرب للنبوءة، قبيل برهة من سقوط الكيان الإخواماسوني، وما أحوجنا لإعادة قراءة المشهد باسلوب الفلاش باك، لنفهم أكثر ونقترب من الحقائق أعمق.