"مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت" - (العنكبوت - 41) الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله، الذى أنزل رسوله بدين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون. والحق الذى لا مراء فيه انه لولا حفظ الله لكتابه و لسنة نبيه صلَّ الله عليه وسلم ، لضاع هذا الدين كما ضاع من قبل على أيدى الذين فرقوا دينهم شيعا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات . وفيما حذرنا النبى صلَّ الله عليه وسلم أن نحذوا حذوهم ، فقد تنبأ لأمته أنها ستفترق بدورها إلى 72 فرقة ، كلهم مسلمون وكلهم يظنون أنهم على الحق ، وفيهم المصلون والمؤدون الزكاة و الصائمون ، وهم جميعا يشهدون بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، إلا أنهم فى النار جميعا إلا فرقة واحدة ، وصفها النبى صلَّ الله عليه وسلم ، بأنها المتبعة للكتاب والسنة ، العاضة عليهما بالنواجذ . من هنا لم يكن من حق أى فرد أن يخرج عن حدود الكتاب والسنة ، بل الجميع ... شاءوا أم أبوا ، هم واجتهاداتهم الفقهية خاضعون لهذه الحدود بلا تأويل أو تعطيل ولا تكييف أو تحريف . كتاب و احد إذن و سنة واحدة ، وطريقة واحدة وفرقة واحدة هى الناجية، وليس من وراء ذلك سوى الخروج عن صحيح الدين بدرجات متفاوتة، وهذا ما يعد تحديدا المفهوم الذى يمكن من خلاله دحض جميع الثوابت الراسخة التى تميز الفكر الصوفى ، وهو الفكر الذى سارت على نهجه إحدى أهم الفرق الإسلامية على مر التاريخ ، والتى تعد - بجدارة - ضمن الفرق الضالة المبدلة لدين الله ، المحدثة فيه ما ليس منه ... كما سنرى . الصوفية أعلام " التمذهب" ماذا لو قال رجل مسلم أنه لن يشتري الخمر إلا فيما بين الصلوات المكتوبة، استنادا للآية القرآنية الواردة بهذا المعنى وذلك بحجة أن اجتهاده قد قاده للأخذ بتلك الآية، دون الأخرى الناسخة لسابقتها، التى تنهى تماما عن شرب الخمر؟؟ أليس هذا الإجتهاد الفاسد – كنموذج مفترض – يعتبر مماثل تماما لأخذ طائفة من المسلمين كالشيعة لحديث صحيح يستندون إليه فى إباحة زواج المتعه، متجاهلين تماما لوجود حديث آخر (صحيح) ورد تاليا وناسخا له، يحرم تماما هذا النوع من الزواج ؟؟؟ نموذج آخر لذات الإجتهاد الفاسد قد سبق وأفتى به مفتى مصر قبل عدة سنوات، قال فيه أنه يكفى أن يبلل المرء ولو شعرة واحدة من رأسه بطرف إصبعه ليُجزئ ذلك عن فريضة مسح الرأس أثناء الوضوء ( !! ) وقد أرجع وقتها، المفتى الشهير بصوفيته، وهو الشيخ د. علي جمعة، فتواه إلى أخذه برأى الإمام الشافعى وحده من بين آراء أئمة آخرين فى المسألة ذاتها وهو بذلك يكرس لكارثة فقهية حقيقية، بحيث يصبح الأساس هو اختيار ما يناسب كل إنسان من الآيات والأحاديث بحسب هواه، لمجرد أن أحد الإئمة قد وافق رأيه، وذلك دون النظر للقضية أو المسألة الفقهية من منظور محايد لسياق عام يتضمن معان وترتيب نزول الآيات والأحاديث الصحيحة، بغض النظر عمن استند إليها من الأئمة. والمعروف أنه عندما تتعدد الآيات أو الأحاديث المتعلقة بقضية ما فلابد أن يتم حسم الرأى فيها، لا أن يترك الأمر فيها مائعا بما يسمح لكل صاحب هوى أن يتبع هواه، ولابد أن يكون الحسم وفقا لاعتبارات هامة جدا منها: 1 – بالنسبة لآيات القرآن لابد من الإستناد لقاعدة الناسخ والمنسوخ بحيث يجب مبدأيا الإقرار بكل ما نزل من القرآن ولكن لا نتبع إلا الآيات الناسخة لما قبلها وهى فى القرآن متعددة. 2 – تطبيق القاعدة ذاتها على الأحاديث النبوية، وكلها قادمة من المشكاه ذاتها، وبما يبطل حجج جميع العلماء الذين يتمسك كل طائفة منهم بالتحيز الأعمى لمعسكر أحد الأئمة فى جميع آرائه، وبالمقابل يرفض الأخذ كل ما جاء به غيره من الأئمة حتى لو كان هو الرأى الأقرب للصواب والأقوى فى حسم القضية. وهؤلاء العلماء ( المتمذهبون ) لا فرق بينهم – عمليا – وبين المبيحون لزواج المتعه استنادا لحديث وتحديا فى الوقت نفسه لحديث آخر ، استكبارا وجهلا منهم ، بل ولا فرق بينهم وبين المبيحون لشرب الخمر كما ورد فى المثال (الافتراضى) المذكور أولا. 3 – فى جميع القضايا الخلافية ذات الطابع الإجتهادى لابد من إدراك أن أحدا من الأئمة (الأربعة وغيرهم) لم يكن معه أبدا إلا وجه واحد من الحقيقة، يمثل ما تحصل عليه من أحاديث صحيحة بنى عليها اجتهاده الشخصى، فما جمعه "الشافعى" من الصحاح، قد جمع غيره ايضا كل من "ابن حنبل" و"أبى حنيفة" و"مالك" ... ولا يمكن أن يكون وجه الحقيقة أقرب للإكتمال إلا بوضع جميع الآراء على مائدة واحدة وطرحها للنقاش، دون تحيز لهذا أو ذاك، دفعا لشبهات التناقض بين صحاح الأحاديث ووصولا إلى الرأى الأصوب فى كل مسألة وبحيث لا تتبقى سوى هوامش ضئيلة من الخلاف بين الآراء وذلك فى الحالات التى يصعب فيها تحديد أى الأحاديث كانت أسبق وأيها نزل تاليا، أو أيها كان عاما وأيها كان خاصا. وهنا فقط يمكن لأى مجتهد أن ينتقى مايراه أصوب ولكن أيضا دون أن يكون الحكم هو هواه، بل ما يراه أقرب للتقوى ومرضاة الله. وعودة إلى سياق الرسالة لنجد أن التمذهب كان من أهم الطرق السريعة المؤدية لافتراق الأمة بين الصحيح والصحيح، ثم بين الصحيح والضعيف، ثم بين الدين برمته وبين البدعة، بل والخروج التام عن الدين... ! وعلى هذه الطرق لم يكن للصوفية أى دور فى وأد فتن التمذهب، بل كان لكثير منهم دور كبير فى إشعالها بدليل أن كثير من علمائهم الزاعمين بأنهم من غير غلاة الصوفية، أو من حذا حذوهم من الزاعمين بأنهم من المتمسكين بالكتاب والسنة، قد جاهروا بانتمائهم لمدرسة التمذهب ذاتها، فهذا على المذهب الحنفى وهذا على المالكى وهذا علي الحنبلي.. وهكذا. إن الأدلة تترى على أن المنهج الصوفى وأهله لم يفيدوا الإسلام كعقيدة وكأمة ولو مرة واحدة، ومعارك الأمة في الأندلس ومع الصليبيين وضد التتار ومن بعدهم صليبيى العصر الحديث تشهد على ذلك ... وهو ما يؤكد أن أدوارهم قد اقتصرت دوما على توارث العهود المقدسة من شيخ إلى شيخ .. وقضاء أعمارهم فى التعبد والتأمل ، دون أدنى إفادة للدين أو الدعوة ... ! بل إن حتى دعاؤهم – إن كانوا قد اهتموا أصلا بالدعاء بنصر الأمة – يبدو أنه قد ضاع هباء مثله فى ذلك مثل دعاء غيرهم من عصاة المسلمين الذين استحقوا عقاب الله وغضبه عليهم، ولم يكن أهل الصوفية استثناء من هذا الغضب وذلك العقاب الإلهى ، برغم ادعائهم القرب ومزاعم الوصول .. ! ويكفى هنا أن نقرأ نص ما كتب الزعيم "مصطفى كامل" في كتابه "المسألة الشرقية" [ومن الأمور المشهورة عن احتلال فرنسة " للقيروان: أنَّ رجلاً فرنساويًّا دخل في الإسلام، وسمّى نفسه "سيد أحمد الهادي" واجتهد في تحصيل الشريعة حتى وصل إلى درجةٍ عاليةٍ، وعُيِّن إماماً لمسجد كبيرٍ في "القيروان" فلما اقترب الجنود الفرنساوية من المدينة: استعدَّ أهلها للدفاع عنها، وجاءوا يسألونه أنْ يستشير لهم ضريح شيخٍ في المسجد! يعتقدون فيه. فدخل "سيدأحمد" الضريح، ثم خرج مهوِّلاً لهم بما سينالهم من المصائب، وقال لهم بأنَّ الشيخ ينصحكم بالتسليم(2) لأنَّ وقوع البلاد صار بحتاً، فاتبع القوم البسطاء قوله، ولم يدافعوا عن "القيروان" أقل دفاع بل دخلها الفرنساويون آمنين] أ. ه. وحين أغار الفرنجة على "المنصورة" قبل منتصف القرن السابع الهجري، اجتمع زعماء الصوفية، أتدري لماذا؟ لقراءة "رسالة القشيري" والمناقشة في كرامات الأولياء. [ من أجل ذلك يجب ألا نستغرب إذا رأينا المستعمرين يغدقون على الصوفية الجاه والمال. فربَّ مفوَّض سامٍ لم يكن يرضى أن يستقبل ذوي القيمة الحقيقية من وجوه البلاد، ثم تراه يسعى إلى زيارة "حلقة" من حلقات الذكر، ويقضي هنالك زيارة سياسية تستغرق الساعات. أليس التصوف الذي على هذا الشكل يقتل عناصر المقاومة في الأمم](3) أ. ه. والرجاء أخى الكريم مقارنة هذا المقطع الأخير بالعلاقة القوية بين الصوفية وبين أعداء الدولة حتي في العصر الحديث، ومشهد زيارة ومشاركة "فرانسيس ريتشارد دوني" - السفير الأميريكى الأسبق - لمشايخ الطرق الصوفية ومشاركته لهم فى حلقات الذكر، لا يمكن إلا أن يذكرنا بالمشهد ذاته إبان الحملة الفرنسية علي مصر، وكان بطله حينئذ هو "نابوليون بونابرته" ...!!! بالتالى فإنه لا وجه للمقارنة أبدا بين هؤلاء الذين يدعون زورا أنهم خواص هذه الأمة، وبين الذين كان الله يفتح للمسلمين بلاد الشرق والغرب على أيديهم، إكراما للصحابى أو حتى التابعى منهم ... وكذا لا مقارنة بين هؤلاء وبين أهل السنة الذين – على قلة أعدادهم – قد رفعوا لواء المقاومة ضد الكيان الصهيو أميركي، بينما أمراء الأمة وأسلحتها المعطلة حتى علاها الصدأ، وشيوخها الخائنين للأمانة، إضافة إلى جميع الطرق الصوفية الضالة، لا يدافعون عن دين الله إلا بالحناجر والبيانات، ولا يجاهدون إلا بالنيات .. هذا إن صلحت أصلا هذه النيات ... ! والجدير بالذكر هنا أن هذه الجماعة – جماعة أهل السنة – المتمسكة بأصول دينها كتابا وسنة بصورة حرفية هى الوحيدة التى تنطبق عليها شروط الفئة المنصورة ومواصفاتها بحسب ما ورد فى الأحاديث الصحاح، فهم (الفئة القليلة) التى لا يضرها من خذلها فى قتالها، دفاعا عن الدين وأهله، وهى وحدها الذى يزداد دورها جلاء بدخول الأمة زمان الفتن، عندما تتكالب عليها الأمم بينما أعداد المسلمين كثير لكنهم كثرة كغثاء السيل، ما بين جماعات إرهابية وأخري تخريبية لمجتمعاتها. لكن تبقى هذه الفئة القليلة لا يقدر عدوا مهما بلغت قوته أن يعلن انتصاره عليها، وذلك برغم خذلان المنتمين لأهل الإسلام لها باختلاف طوائفهم وجماعاتهم، سواء بالإحجام عن مدهم بالسلاح أو بالمال أو باتخاذ مواقف العيب فيهم و الإنكار عليهم ، بل والسير فى مواكب الإعلام الغربى والصهيونى الذى بات أكثر نفيرا كما تنبأ القرآن الكريم ... ! من جانب آخر فإن النصر الذى وعده الله تعالى هذه الفئة ، لا يمكن ان يناله سواها، وهذا النصر لا يمكن بدوره أن يأتى إلا إذا كان مقترنا بجهاد الأعداء, الأمر الذى يخلو منه تماما قاموس الصوفية، كما أن الخذلان الذى تلاقيه هذه الفئة المنصورة، ومصدره أهل الإسلام أنفسهم، لا تعانى منه فرق الصوفية ومشايخهم ومريديهم المنتشرين كالجراد فى كل بقاع الأرض بل هم يتمتعون – وهم على حال غفلتهم هذه – بتوقير وتقديس غالبية المسلمين الأكثر غفلة بدورهم، من المنتمين للطرق إياها .. ناسين أن سلعة الله الغالية وهى الجنة طريقها محفوف بالتضحيات والصعاب ، وهى بالفعل الطريق الأصعب من تلك (الطرق) التى لا يفعل سالكوها سوى الإجتماع على الأذكار (الألفية) والإنخراط فى حلقات الدراويش وحضور الموالد، وقضاء أعمارهم فى انتظار لحظة ال... وصول !!! ... المؤكد إذن ، أن هؤلاء المتخاذلون عن الزحف ، لو كان فيهم خير ما ثبطهم الله عن نيل شرف الدفاع عن دينه ، و لنصر بهم جنده و أعزهم بهم، كما هى سنة الله فى خلقه منذ أرسل الرسل عليهم السلام ، و لن تجد لسنة الله تبديلا.