بينما يباشر المصريون مناقشة آفاق الانتخابات النيابية المقرر إجراءها في خريف 2010، بدأت التكهنات حول ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانونياً ولكنها ناشطة سوف ترشّح أعضاء للمشاركة في للانتخابات، كما جرى عام 2005 وفي العديد من الانتخابات السابقة. وهل ستسمح الحكومة للجماعة بأن تفوز بأي عدد من المقاعد يمكن أن تحصل عليه في انتخابات مفتوحة وعادلة؟ هزّت نتائج غير متوقعة النظام السياسي المصري عام 2005: في الجولة الأولى من الجولات للانتخابات النيابية الثلاث، فاز مرشحون مستقلون مرتبطون بالإخوان المسلمين – الذين تنافسوا على ثلث المقاعد البرلمانية فقط – ب34 مقعداً في مقابل 68 للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم. لم يكن الإخوان المسلمون ليفوزوا بهذا العدد الكبير من المقاعد لو أن السلطات الحكومية لم تسمح لمرشّحيهم بأن يشنوا حملاتهم بانفتاح أكبر بكثير منه في الانتخابات السابقة. قبل الجولة الثانية، أوقفت الدولة نحو 900 من أعضاء الجماعة أو مسانديها، ونزل مشاغبون مدعومون من الحكومة إلى الشوارع، ومنعت القوى الأمنية الناخبين من دخول مراكز الاقتراع في أماكن عدة. ومع ذلك فاز الإخوان المسلمون في نهاية المطاف ب88 مقعداً (أو 20 في المائة من المقاعد المنتخبة في مجلس الشعب والتي يبلغ عددها 444 مقعداً)، أي أكثر بكثير من أي حزب معارض قانوني (حزب الوفد حصل على 6 مقاعد) ، و أكثر بكثير من عدد المقاعد التي فازت بها الجماعة من قبل (على سبيل المثال 17 مقعدا في انتخابات 2000). منذ ذلك الوقت، استعملت السلطات المصرية العديد من الوسائل لمنع الإخوان المسلمين من المشاركة في الانتخابات، أو على الأقل خفض حجم مشاركتهم إلى حد كبير. أرجئت الانتخابات البلدية التي كانت مقرّرة في أبريل/نيسان 2006 سنتين إضافيتين، وعندما أُجريت، لم تسمح السلطات سوى بتسجيل 21 مرشحاً من الإخوان المسلمين، مع العلم بأن عدد المقاعد المتنافس عليها هو 52 ألفاً. واستُبعِد الإخوان المسلمون أيضاً من انتخابات مجلس الشورى عام 2007. بحسب الدكتور محمد حبيب، نائب الرئيس الأول في جماعة الإخوان المسلمين (وأستاذ علوم الجيولوجيا في جامعة أسيوط)، سوف تقرر الجماعة إذا كانت ستشارك في انتخابات 2010 بعد دراسة مترويّة لثلاثة عوامل: الإطار القانوني للانتخابات، ووضع الإشراف القضائي، وإرادة الشعب المصري. في ما يتعلق بالعامل الأول، أرست التعديلات الدستورية التي أُقرَّت عام 2007 إطاراً قانونياً لإقصاء الإخوان المسلمين، فوضعت أسس عودة النظام الانتخابي القائم على اللوائح الحزبية، ونصت على أنه لا يمكن تشكيل أي حزب "بالاستناد إلى إطار مرجعي ديني". يشار إلى أنه ما زال يتعيّن على الحزب الوطني الديمقراطي اقتراح قانون انتخابي جديد للانتخابات المقبلة. في ما يخص الإشراف القضائي، ألغت التعديلات الإشراف المباشر من جانب القضاء القوي وشبه المستقل تقليدياً على الانتخابات، واستبدلت القضاة بلجنة انتخابية يمكن أن تتعرّض أكثر للتأثير الحكومي. تشير تعليقات حبيب إلى أن الإخوان المسلمين لا يريدون أن يجدوا أنفسهم في نفس الوضع الذي واجهوه في الانتخابات البلدية عام 2008، حيث لم تجد الجماعة في نهاية المطاف، وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها طوال أشهر، من خيار سوى الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات التي حاربت من أجل المشاركة فيها. أما العامل الثالث، إرادة الشعب، فيستطيع الإخوان المسلمون الادعاء كأي حزب سياسي آخر، بأن "الشعب" يطالبهم بدخول المعركة من جديد. يؤكد الدكتور عصام العريان، عضو البرلمان السابق (1987-90) رائد إصلاحي وعضو من أعضاء الجماعة المعتدلين (مع انه لم يعد عضوا في مجلس شورى الإخوان)، "لدينا مبدأ المشاركة وفي الواقع خوض جميع الانتخابات من أجل تعزيز تغيرات ديمقراطية مسالمة. سنشارك، على الأرجح، لنرفع أصواتنا باسم الشعب. ليس الأمر أننا نسعى للحصول على السلطة، ليس هناك أي مؤسسات حكم في مصر؛ هنالك رجل واحد فقط يمثل السلطة. كل شخص وكل شيء آخر مهمش—البرلمان ومجلس الوزراء، وحتى المؤسسة العسكرية. وإذا قررنا المشاركة سيتم ذلك عن طريق أفضل أعضاء الجماعة بطبيعة الحال. ولكننا لا نقرر من سيفوز ولا يقرر الشعب ذلك أيضا. انه قرار رجل واحد؛ رجل واحد في وزارة الداخلية سوف يقرر من يفوز!" الإخوان المسلمون حركة واسعة ذات أوجه سياسية واجتماعية ودينية، ومع ذلك ليس هناك توافق بعد حول المشاركة أو عدمها في مزيد من الدورات الانتخابية. هناك على الأقل ثلاثة أجيال داخل الجماعة. يعتبر ابراهيم الحديبي، وهو مدوِّن ينتمي إلى الإخوان المسلمين ويمثّل على مضض نحو عشرين ناشطاً، أنه من الخطأ أن تركّز الجماعة على الطموحات السياسية: "عندما نتصرّف كحزب سياسي، نفقد التركيز على الإسلام والرسالة الإسلامية. أجل سوف يترشحون للانتخابات، أنا شبه واثق من ذلك – لكنني لا أشجّعه". يقول الحديبي إنه يفضّل ألا يحاول الإخوان المسلمون تشكيل حزب، بل أن يشجّعوا الحكومة على منح ترخيص لحزب الوسط الذي يمثّل جيلاً آخر من ناشطي الإخوان المسلمين والذين انفصلوا عن الأكبر سناً في منتصف التسعينات ويحاولون منذ ذلك الوقت تسجيل حزبهم في الدوائر الرسمية. وما يزيد الأمور تعقيداً هو أن المرشد الأعلى مهدي العاكف، في عقده الثامن، أعلن مؤخراً أنه لن يترشّح مجدداً للمنصب عندما تنتهي ولايته في يناير/كانون الثاني 2010. يدفعنا هذا تلقائياً إلى طرح أسئلة حول ما إذا كانت الشعلة سوف تنتقل إلى قادة متوسطي العمر أو أصغر سناً، وفي هذه الحال هل ستنتقل إلى الأكثر تقدمية أم الأكثر محافظة بينهم؟ ثم هناك السؤال المتعلق بالطريقة التي ستدير بها الحكومة والحزب الوطني الديمقراطي الانتخابات سنة 2010. فحتى لو قرّرت قيادة الإخوان المسلمين المشاركة في الانتخابات وترشيح ممثلين عنها، تقول دينا شحاته من مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية "نتوقّع جميعنا ألا يُسمَح للإخوان المسلمين بالترشّح"، نظراً إلى إقصائهم من الانتخابات الأخيرة لاختيار مجلس الشورى والمجالس البلدية. يتكهّن المحللون إذا كان الحزب الوطني الديمقراطي سيعود إلى أساليبه القديمة ويوزّع على حفنة قليلة من الأحزاب المعارضة التي يختارها بنفسه – حزب الوفد الوسطي وحزب التجمّع اليساري، وربما أيضاً حزب الغد الليبرالي الذي يتزعّمه أيمن نور – عدداً من المقاعد في مجلس الشعب أكبر من الذي يمكن أن تفوز به نظراً إلى سوء تنظيمها والانقسام بين قياداتها وافتقارها إلى الشعبية بشكل عام. قد تكون هذه وسيلة للاستمرار في استبعاد الإخوان المسلمين، وفي الوقت ذاته الإيحاء للولايات المتحدة وسواها بأن الاتجاهات الديمقراطية تتوسّع. يتعيّن على قادة الإخوان المسلمين المسؤولين عن اتخاذ القرار بشأن المشاركة في انتخابات 2010 أو عدمها، أن يبقوا العديد من القواعد الناخبة نصب أعينهم، من كنّاسي الشوارع مروراً بالطلاب والمهنيين الشبان وصولاً إلى عناصر الجيش ونخبة القطاع الخاص. أياً كانت الهفوات التي سيرتكبونها مع اقتراب موعد الانتخابات في السنة المقبلة، سوف تصمد جماعة الإخوان المسلمين كما فعلت منذ 81 عاماً. غير أن هناك سؤال سيُطرَح يتعلق بالاتجاهات التي ستنمو وتتعزز داخل الجماعة، مع تعاظم الضغوط تحت أقدام القادة الحاليين والتي يمارسها جيلان مختلفان على الأقل – وفصائل مختلفة داخل هذين الجيلَين – ينتظران الارتقاء إلى المناصب القيادية التي يشغلها الآن الأكبر سناً. * دنيس سوليفان أستاذ العلوم السياسية ومدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة نورث إيسترن. وهو حالياً باحث لغوي تابع ل"مركز دراسة اللغة العربية في الخارج" في الجامعة الأمريكية في القاهرة.