شركة السويس للأكياس توقع اتفاقية مع نقابة العاملين في صناعات البناء والأخشاب    أرقام قياسية منتظرة في الجولة الأخيرة من الدوري الإنجليزي    منافس الأهلي.. رائعة ميسي لا تكفي.. إنتر ميامي يسقط مجددًا في الدوري الأمريكي    معركة الخمسة الأوائل وسباق المركز الثامن.. ماذا تنتظر الأندية في ختام الدوري الإنجليزي؟    التضامن الاجتماعي تواصل تفويج حجاج الجمعيات الأهلية إلى الأراضي المقدسة    فوائد بذور دوار الشمس الصحية وتحذيرات من الإفراط في تناولها (تفاصيل)    المنتدى الاقتصادى الأبرز.. أخر مستجدات تعزيز العلاقات الاستراتيجية المصرية الأمريكية    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    محافظ أسيوط: طرح لحوم طازجة ومجمدة بأسعار مخفضة استعدادا لعيد الأضحى    رئيس الوزراء: مصر أثبتت دورها كشريك يعتمد عليه ومؤثر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية    افتتاح أول مصنع لإنتاج كباسات أجهزة التبريد في مصر باستثمارات 5 ملايين دولار    محافظ أسيوط: طرح لحوم طازجة ومجمدة بأسعار مخفضة استعدادًا لعيد الأضحى المبارك    سهل وخرجنا من نص الوقت.. فرحة على وجوه طلاب أولى ثانوي بسوهاج عقب أداء امتحان التاريخ "فيديو"    بعد قليل.. بدء أولى جلسات محاكمة "سفاح المعمورة" أمام جنايات الإسكندرية    مركز الفلك الدولي: الجمعة الموافق 6 يونيو أول أيام عيد الأضحى    الدكتور هاني سويلم يتابع حالة الري بالبحيرة خلال فترة أقصى الاحتياجات المائية الحالية    محافظ أسيوط يتفقد مستشفى الرمد.. ويلتقي بعض المرضى للاطمئنان على الخدمات المقدمة لهم    «عبد العاطي»: الأجندة الإفريقية تأتي على رأس أولويات السياسية الخارجية المصرية    جامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025    تراجع في بنكين.. سعر الدولار اليوم ببداية تعاملات الأحد 25-5-2025    درجات الحرارة اليوم الأحد في مصر    يا رايحين للنبي الغالي.. التضامن تواصل تفويج حجاج الجمعيات الأهلية إلى الأراضي المقدسة.. تيسيرات في إجراءات السفر بالمطارات.. وباصات خاصة لنقل ضيوف الرحمن للفنادق (صور)    اليوم.. نظر تظلم هيفاء وهبي على قرار منعها من الغناء في مصر    بكاء كيت بلانشيت وجعفر بناهي لحظة فوزه بالسعفة الذهبية في مهرجان كان (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 25-5-2025 في محافظة قنا    الجيش الإسرائيلى يوسع نطاق عملياته بغزة مع انتشار سوء التغذية    مقتل 3 في كييف جراء ضربات جوية روسية جديدة    الكشف على 680 مواطنا خلال قافلة طبية مجانية بقرية العروبة بالبحيرة    موعد إعلان بطل دوري 2025 بعد رفض المحكمة الرياضية الشق المستعجل لبيراميدز .. اعرف التفاصيل    نموذج امتحان الأحياء الثانوية الأزهرية 2025 بنظام البوكليت (كل ما تريد معرفته عن الامتحانات)    "مساهمات كثيرة".. ماذا قدم محمد صلاح في مبارياته أمام كريستال بالاس؟    إصابة عدة أشخاص في أوكرانيا بعد ليلة ثانية من هجمات المسيرات الروسية    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 25 مايو    ما هو ثواب ذبح الأضحية والطريقة المثلى لتوزيعها.. دار الإفتاء توضح    "حياة كريمة".. الانتهاء من 134 مشروعا فى محافظة أسوان    مصرع ميكانيكي سقط من الطابق الخامس هربًا من الديون بسوهاج    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. مرتضى منصور يعلن توليه قضية الطفل أدهم.. عمرو أديب يستعرض مكالمة مزعجة على الهواء    قانون العمل الجديد من أجل الاستدامة| مؤتمر عمالي يرسم ملامح المستقبل بمصر.. اليوم    نائب إندونيسي يشيد بالتقدم الروسي في محطات الطاقة النووية وتقنيات الطاقة المتجددة    بعد فيديو اعتداء طفل المرور على زميله بالمقطم.. قرارات عاجلة للنيابة    هل يتنازل "مستقبل وطن" عن الأغلبية لصالح "الجبهة الوطنية" في البرلمان المقبل؟.. الخولي يجيب    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    «هذه فلسفة إطلالاتي».. ياسمين صبري تكشف سر أناقتها في مهرجان كان (فيديو)    قساوسة ويهود في منزل الشيخ محمد رفعت (3)    النائب حسام الخولي: تقسيم الدوائر الانتخابية تستهدف التمثيل العادل للسكان    «أضرارها تفوق السجائر العادية».. وزارة الصحة تحذر من استخدام «الأيكوس»    استقرار مادي وفرص للسفر.. حظ برج القوس اليوم 25 مايو    ناجي الشهابي: الانتخابات البرلمانية المقبلة عرس انتخابي ديمقراطي    «أحدهما مثل الصحف».. بيسيرو يكشف عن الفارق بين الأهلي والزمالك    ميدو: الزمالك يمر بمرحلة تاريخية.. وسنعيد هيكلة قطاع كرة القدم    وأنفقوا في سبيل الله.. معانٍ رائعة للآية الكريمة يوضحها أ.د. سلامة داود رئيس جامعة الأزهر    حلم السداسية مستمر.. باريس سان جيرمان بطل كأس فرنسا    الأردن وجرينادا يوقعان بيانا مشتركا لإقامة علاقات دبلوماسية بين الجانبين    نائب رئيس الوزراء الأسبق: العدالة لا تعني استخدام «مسطرة واحدة» مع كل حالات الإيجار القديم    نسرين طافش بإطلالة صيفية وجوري بكر جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. رفعت سيد أحمد: دعوة العريان الصهيونية... باطل أريد بها الباطل

اعتبر كثير من المراقبون دعوة د. عصام العريان ليهود الكيان الصهيوني للعودة لمصر، بمثابة تطبيع مع العدو على الطريقة الإخوانية، خاصة أن تصريح من ذلك النوع يعد شديد الخطر على أمن مصر القومى ، بل وأمن المنطقة كلها ، إن الدعوة لعودة اليهود المصريين فى فلسطين المحتلة والذين يقدر عددهم اليوم بحوالى 50 ألف صهيونى نصفهم جواسيس وقتلة للجيش المصرى وللشعب الفلسطينى ، إن دعوة هؤلاء للعودة تحت أى حجة لهى (كلمة الباطل) التى يراد بها (باطل) ، لأن أهداف من يطرحها اليوم مغازلة أمريكا وتل أبيب وليس البحث عن حقوق الفلسطينيين فليس هكذا تورد الإبل وتعالج القضايا المصرية .
وبمناسبة تفجير (العريان) للقضية ، دعونا نفتح ملفها الغامض ، حتى نحول مستقبلاً دون أن يعيد أحد من الحاكمين أو من النخبة بهذه الخفة أو حتى بنية – بالونة الاختبار - طرحها على الرأى العام الملتهب أصلاً والغارق فى قضايا يصعب حلها .
إن ثمة أسئلة هامة يطرحها موضوع (اليهود المصريين) ، من قبيل : لماذا اختفوا .. وأين هم اليوم ؟ وماذا يفعلون ؟ وإلى أين تتجه أنظارهم؟ إلى " أورشليم " .. أم إلى " شارع عدلى " ؟ أين معابدهم .. وكيف أصبحت .. وكم عددهم ..وما هى أعمالهم .. ونشاطاتهم ؟ وهل الدعوة إلى عودتهم إلى مصر جائزة وفقاً للقانون الدولى أم أنها سقطت وفقاً للدراسات القانونية التى اعتبرتهم مهاجرين بإرادتهم وذهبوا لبلد آخر اغتصبوا أرضه وطردوا شعبه بعد قتل نصفه تقريباً ؟! .. تساؤلات كثيرة كانت كافية للقيام بعملية مسح لشوارع القاهرة ومدن مصر الكبرى وسجلات هيئات جهاز التعبئة والإحصاء والمساحة والتنظيم والإدارة ، والسياحة بحثاً عن الأجوبة التى كونت عناصر هذه الدراسة التى استغرقت منا وقتاً طويلاً بين تنقيب بحثى واستقصاء ميدانى .
كانوا جواسيس أيام الفراعنة !!
منذ سنوات قليلة عثر فى جزيرة " أبو " أو باللغة المعاصرة " جزيرة الفنتينى " فى أسوان ، على عدة وثائق آرامية ، أُرجع أغلبها إلى القرن الخامس قبل الميلاد ، وذكرت هذه الوثائق التى عكف عليها العلماء اليهود والإسرائيليون - إبان عهد الرئيس المصرى السابق أنور السادات للتنقيب على حقائقها الهامة - أنه بعد خروج موسى بألف عام عاد اليهود إلى مصر ، نازحين من فلسطين فى منتصف القرن الخامس قبل الميلاد ، بعد المعارك العنيفة إثر انقسام اليهود إلى (يهود إسرائيل) و(يهود يهوذا) ، ثم بينهم جميعاً وبين الآشوريين ، وأن الشعب المصرى آواهم وحماهم من الاضطهاد ، وذكرت الوثائق السابقة حقائق مهمة عن حياتهم ونشاطهم السياسى والاجتماعى .
وتستطرد الوثائق الآرامية السابقة قائلة : إن العلاقات الودية لم تستمر طويلاً ، وأنه وكنتيجة لتزايد تواجدهم ، فى أواخر القرن الخامس قبل الميلاد ، فى معسكرات أسوان على الحدود الجنوبية إبان الاحتلال الفارسى لمصر ، قام " بعضهم بالتعاون مع الاحتلال الفارسى ، فى حين عارض " البعض " الآخر ذلك ، ويروى هيرودوت من ناحية أخرى أن قمبيز أرسل "أكلة السمك من الفينيقيين ، وهم من " اليهود " إلى مصر ، بهدف التجسس عليها " .
وكنتيجة لهذه الطبائع ، فلقد وجد لدى البعض منهم التواطؤ الذى اتضحت صورته أكثر كما يقول عالم الآثار الدكتور عبد العزيز صالح فى كتابه (الشرق الأدنى القديم مصر والعراق) فى ثورات الوطنيين المصريين ضد الفرس أعوام (488 ، 487 ، 460 ، 454 ، 450و410 قبل الميلاد) ، حين انحازت كل فئات الشعب إلى الثورة عدا هذا " الجزء " من اليهود الذين – كما تقول إحدى الوثائق الآرامية – لم يتركوا مراكزهم فى خدمة الفرس ولم توجه إليهم تهمة التمرد ، بل تجاوزوا تجاهلهم لمشاعر المصريين القومية ، إلى تجاهل تقاليدهم الدينية أيضاً ، فتجرأوا على تقديم الأضاحى من " الكباش " فى معبدهم عوضاً عن " الجداء " وكان الكبش رمزاً مقدساً للمعبود خنوم فى أسوان كلها ، مما دفع السخط تجاههم إلى الذروة فى عام 410 قبل الميلاد ، فقام الوطنيون المصريون بتدمير معبدهم إبان حكم الملك الفارسى دارا الثانى .
وهكذا ، وكما تقول الوثائق القديمة (المصرية – والفارسية – والآرامية) كان " بعض " اليهود القدامى ، عيوناً على " الشعب " لخدمة المحتل فى حين كان " البعض " الآخر مع هذا الشعب فى كفاحه ، أو على الأقل واقفاً على الحياد ، فهل هذا هو حالهم اليوم ، أو أن أحداث التاريخ فى تلاحقها قد أحدثت تغييرها الشامل فى جوانب حياتهم ، وصفاتهم ، وعلاقتهم (بالوطن المصرى) الذى آواهم منذ القرن الخامس قبل الميلاد ؟ وما هى حقيقة نشاطهم السياسى والاقتصادى اليوم ؟ .
لماذا لا نطالبهم بتعويضات عن الأسرى الذين قتلوا أحياء !!
تؤكد السجلات الرسمية أن تعداد اليهود فى مصر كان فى العام 1920 حوالى مائة ألف يهودى ، أدت الصدامات العربية – الإسرائيلية المتتالية ما بين عامى 1948 – 1956 ، ثم حركة التأميمات الكبرى التى قادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ، وأخيراً حرب 1967 واتهام بعضهم فى عدة قضايا تجسس وتخريب منشآت (عملية سوزانا مثلاً) ، أدت هذه العوامل جميعاً إلى نزوحهم إلى (أرض الميعاد الوهمى) ، كما صورتها لهم أجهزة الدعاية الصهيونية المكثفة ، وساعد فى ذلك وطأة الحروب عليهم ، وإحساسهم الداخلى بأن وطنهم الحقيقى هناك ، فى (أورشليم) ، وقبل الثورة – ثورة عبد الناصر – كان اليهود فى مصر يتوزعون على ثلاثة شرائح ، الشريحة الأولى وتتكون من اليهود المصريين والثانية من اليهود الأجانب المتمصرين (أى الذين حصلوا على الجنسية المصرية) والشريحة الثالثة : اليهود الأجانب ممن ظل متمسكاً بجنسيته الأحنبية ، والشرائح الثلاثة بعد هجرتهم الطوعية من مصر وحصول أغلبهم على الجنسية الإسرائيلية وجنسيات أوروبية وأمريكية واغتصابهم لأرض الفلسطينيين فإن حقهم سقط بالكامل فى العودة إلى مصر ، ومن هنا سقطت أى دعاوى أخرى تطالب بعودتهم أو اعتبارهم مصريين حيث وفقاً للقانون المصرى من يحصل على الجنسية الإسرائيلية تسقط عنه مباشرة الجنسية المصرية !! ثم إن المطالبة الإسرائيلية اليوم بتعويض اليهود المصريين بما قيمته 36 مليون مليار دولار لهو الابتزاز بعينه ورغم عدم أحقيتهم فى أى تعويض لأنهم خرجوا بإرادتهم ، فإننا نطالب بالمقابل بما قيمته 500 مليار دولار تعويضاً لاحتلال سيناء (نهب ثرواتها المتنوعة من 1967 – 1982) وهو رقم إحصائى أعددته معاهد دراسات استراتيجية دولية (سبق أن كتبنا دراسة تفصيلية عنه)، ونطالب بتعويض عن الأسرى المقتولين (30 ألف أسير تقريباً) والذين قتل بعضهم أحياء أثناء حروب 1948 – 1956 – 1967 ومسجلة قصص قتلهم فى تقارير منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية !! .
اليهود فى مجمع اللغة العربية
ومن الحقائق التاريخية التى ينبغى أن تسجل هنا ، أن الشعب المصرى (من مسلمين ومسيحيين) لم يعامل اليهود – كما حاولت الدعاية الصهيونية أن تصور – إلا بالأساليب الطيبة وكانت علاقاتهم به طبيعية ، ويكفى كدليل واحد فقط على ذلك ، أن أحد العلماء اليهود فى قمة العهد الناصرى ، ويدعى (حاييم ناحوم) كان عضواً بارزاً فى مجمع اللغة العربية حتى عام 1962 حين توفى ودفن فى مقابر اليهود بالبساتين ، واعتلى عدد آخر منهم إبان العهد نفسه ، مناصب تربوية وثقافية مهمة ، ولم يشعروا للحظة أنهم غرباء أو أجانب ، فقد كانوا مواطنين مصريين ، كما تقول كتابات حاييم ناحوم وغيره ، وبعد العام 1973 هاجر عدد كبير من اليهود لينخفض تعدادهم فى العام 1985 إلى ألفى يهودى ، زادوا نسبياً بالتناسل أو إعادة الاستيطانى الخفى عبر السفارة الإسرائيلية فى القاهرة إلى حوالى 5 آلاف يهودى (فى العام 2012) ، يتفرقون على مدن مصر ، كما سنرى ، وكانت الدعاية الصهيونية حول " وهم أرض الميعاد " هى السبب المباشر لهجرتهم وليس سوء المعاملة كما روج أعداء عبدالناصر وثورة يوليو.
أشهر معابدهم
ومن أشهر معابد اليهود فى مصر هو المعبد الشهير بشارع عدلى ، وهو يقع مباشرة فى مواجهة أحد أفرع مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية فى القاهرة ، ويوجد لليهود فى القاهرة معابد عدة شهيرة فى حى الظاهر والدَّراسة إضافة إلى مقر هام فى ميدان الجيش فى القاهرة واسمه (الجالية الإسرائيلية فى مصر ، وعندما ذهب كاتب هذه الدراسة - قبل سنوات - إلى هناك بهدف البحث الميدانى والصحفى عنهم ، لم أجد أحداً ، سألت البواب الذى يجلس أمام المبنى عن تاريخ ونشاط هذه الجالية ، فقال لى وكان اسمه (مصطفى متولى عبد العاطى) وعمره يزيد على السبعين عاماً:إننى هنا منذ أربعين عاماً ، وهذا المبنى كان المقر القديم لشئون السفر والهجرة لليهود المصريين ، وبعد زيارة السادات إلى إسرائيل (عام 1977) ، حولوا اسمه إلى "الجالية الإسرائيلية فى مصر"،وأجَّروا الدور الثانى والثالث إلى وزارة التربية والتعليم واحتلت الجالية الدور الأرضى فقط ، لأن شئون اليهود " دلوقت قلت جداً " . (وسألته عن نشاط هذه الجالية) فأجاب : " اللى عايز يسافر ، واللى عايز يبيع منزله ، واللى عايز يدفن حد من أهله ، وحاجات بالشكل ده " . وعلمت أن بعض القيادات اليهودية الحالية عادت بعد فشل اتفاقات كامب ديفيد ، إلى بيع المعابد اليهودية القديمة مثل معبد حنان فى حى الظاهر والمعبد اليهودى بالدراسة .
حارة اليهود بلا يهود
واستكمالاً لمسح الوجود اليهودى فى مصر ، مررنا بحى الموسكى ، أو الجيتو القديم المسمى ب " حارة اليهود " وحاولنا أن نجد يهودياً واحداً ولكننا فشلنا ، فكل بيوت اليهود تحولت إلى بوتيكات ومخازن للخردة ، ومعارض لأحدث سلع الانفتاح ، وبالقرب من هذه الحارة افتتحت مقبرة لليهودى المصرى القديم موسى بن ميمون والتى حاول الإسرائيليون احتلالها من خلال فاروق حسنى وزير الثقافة السابق إلا أن المثقفين والإعلام المصرى وقت افتتاحها (2009) وقف لهم بالمرصاد وأفشل خططهم ، وذهبنا إلى مقابرهم فى "البساتين" فوجدنا ثلاث مقابر جماعية موضوع على كل منها قفل نحاسى ضخم وإلى جوارها يعيش سكان المقابر حياتهم العادية ، بلا أى ضيق أو خوف ، استوقفت أحدهم وسألته عن الأسماء التى يطلقونها على مقابر اليهود فأجابنى بأن " اسمها مقابر اليهود وبس " ولكن المقبرة الضخمة هذه يسمونها موشى ديان ، وحاولت أن أقول له إن ديان دفن فى جبل صهيونى بفلسطين المحتلة ، إلا أنه نظر إلىّ يومها باستغراب ودهشة ، وسألت سيدة عجوزاً عن سر تسمية هذه المقبرة باسم (مقبرة موشى ديان) فأجابت بعد صمت طويل (علشان موشى ديان لما جه مصر فى السر عام 1977 زار المقبرة دى وبنى السور اللى محوط عليها ده) ، وأمام مقبرة مكتوب عليها بالفرنسية (عائلة أد أى) ، سألت صاحب محل لبيع الحلوى وسط المقابر قبالة المقبرة سالفة الذكر،عن نسبة الزيارات وعن عدد المرات التى رأى فيها "حالات دفن" لليهود المصريين فأجابنى:"منذ عامين على الأقل لم أر أحداً منهم ولم يدفن أحد،وكانت آخر مرة منذ حوالى عامين ونصف،وكان اليهود الموجودين عشرة أو عشرين وكلهم كبار فى السن" وكان أحد أسوار المقبرة قد تهدم وربطت إليه بعض الأغنام ، ووضعت فوقه أقفاص دجاج خشبية .
مدافن خارج القاهرة
والوجود اليهودى فى مصر لا يقتصر على مدافن القاهرة فقط ، ففى الاسكندرية توجد أعداد قليلة جداً من المقابر والمعابد ، وفى مدن الصعيد وخصوصاً المنيا هنالك بعض المقابر كما يوجد فى قرية ديمتوه فى البحيرة معبد أبو حصيرة الشهير ، والذى يزعم الإسرائيليون إنه رجل دين يهودى قديم ، أتى من المغرب منذ مئات السنين ، والجدير بالذكر أنهم يحتفلون عادة فى شهر (مارس) من كل عام بذكرى وفاته ، وتحوطهم قوات ضخمة من رجال الأمن المصريين ، ورغم حصول القوى الوطنية قبل الثورة على حكم قضائى بمنع الاحتفال بمولد أبو حصيرة إلا أن مبارك ورجال أمنه ومخابراته كانت تسمح بالاحتفال رغم أنف الأهالى ، وبعد الثورة استطاعت القوى الثورية أن تمنع الاحتفال وكان موقفاً محموداً.
والملاحظ أن هذه المعابد والمقابر تحولت بفعل الزمن إلى أماكن مهجورة ، لا يقترب منها أحد ، وإن اقترب فبالهدم ، أو بالبيع،كما حاول أن يفعل البعض من خلال ما يسمى ب"الجالية الإسرائيلية" بالقاهرة بالتعاون مع السفارة الإسرائيلية والمركز الأكاديمى الإسرائيلى بالقاهرة والموجود فى 92 شارع النيل بالجيزة أعلى شقة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل(!!) وهذه الجهات الإسرائيلية جميعاً حاولت أن تسرق تراثنا المصرى فى شقه اليهودى وبخاصة وثائق الجينزا الشهيرة،وكانت سلطات الرئيس المخلوع تسمح لهم بذلك للأسف الشديد .
إسرائيلى يحكى عن اليهود المصريين
فى كتاب مهم – ويعد مرجعاً فى مجاله - للصحفى الإسرائيلى (عاموس إيلون) بعنوان (رحلة إلى مصر) والذى وضعه بعد رحلة استمرت عامين جاب أثناءها ربوع القطر إثر توقيع اتفاقات كامب ديفيد (1978) ، ولم يترك مصر إلا بعد مقتل أنور السادات ، يقول عاموس ايلون الذى امتلأ كتابه بالعديد من الأسرار والمعلومات الهامة : " عندما وصلت إلى شارع عدلى ، وجدت الهدوء يسوده فى هذه الساعة من النهار ، وعلى اليمين ، وفى أحد أدوار مبنى قديم كانت الأنوار لاتزال مضاءة فى المكتب الذى خصص لمنظمة التحرير الفلسطينية فى القاهرة ، وفى مواجهة هذا المكتب مباشرة تقع الواجهة المظلمة للمعبد اليهودى المتبقى فى القاهرة والمتداعى للسقوط ، وداخل هذا المعبد وكان الوقت موعد صلاة السبت المسائية ، يوجد عدد قليل من الرجال المسنين وصبى صغير يجلسون فى مقاعدهم ، وكان صدى ترانيم الذكور الحزينة وغير المتزامنة تملأ الحجرة الخالية ، وأثناء دخولى التفت الرجال ناحيتى التفاتة قصيرة " .
ثم يستطرد المؤلف فى موضع آخر قائلاً : " وعندما انتهت الصلاة انتحيت جانباً بالرجل المسن ذى اللحية ، الذى كان يقود الصلاة ، فقال لى هامساً ، إنه آخر من تبقى من أسرته فى مصر والبعض الآخر هاجر إلى فرنسا وإسرائيل ، ويضيف قائلاً إنه فيما سبق كان يعيش فى مصر حوالى 100.000 (مائة ألف) يهودى ، وقد تناقص عددهم إلى درجة أنه ربما يصل الآن إلى 300 يهودى فقط (!!) (ونلاحظ أن هذا الرقم الذى ذكره الكاتب الإسرائيلى غير دقيق ، فالعدد الآن وصل إلى قرابة الخمسة آلاف يهودى بعضهم تسلل إلى مصر تحت جنح اتفاقات السلام والسياحة !!) .
ويقول المؤلف فى موضع آخر : " إن الحياة كانت قاسية للغاية بالنسبة إلى اليهود ولاسيما خلال فترة الحروب ، وفترة عبد الناصر ، الذى اعتبر هذه الحرب مقدسة ، وأنها ضد اليهود أعداء الإسلام ، وأن من يضحى بحياته ضدهم يكون شهيداً وجزاؤه الجنة ، ولكن الأحوال تحسنت فى السنوات الأخيرة (يقصد أيام السادات بالطبع !!) ، فقد تم السماح لبيت المسنين فى الاسكندرية بقبول المساعدة من منظمات دولية لغوث اليهود !! " وتم السماح باسترداد بعض ممتلكات اليهود المصريين وعودتهم إلى بلادهم بأمر السادات " ، هذا هو كلام أحد الصهاينة فى كتاب قديم نشر قبل أكثر من ثلاثين عاماً ، ولقد مضى مبارك على خطى السادات فى مغازلة إسرائيل عبر ملف اليهود المصريين فورط مصر فى الكثير من القضايا والتى لم تخدم سوى إسرائيل وهى ذات الخطى التى يحاول أن يسير عليها بعض الساسة بعد ثورة 25 يناير 2011 ، وهو ما يعد خطأ تاريخياً واستراتيجياً سيدفعون ثمنه غالياً !! .
أين هم اليهود المصريين اليوم
والآن نأتى إلى أهم نتائج هذه الدراسة ، أين هم اليهود المصريون اليوم ؟ وما هى أنشطتهم وعلاقاتهم الاقتصادية والسياسية مع الدول الأجنبية وإسرائيل على وجه التحديد ؟ .
الوثائق والأرقام التى حصلنا عليها تؤكد أن عددهم فى داخل إسرائيل – كما أشرنا – يقترب من 50 ألف أصبحوا الآن إسرائيليين قلباً وقالباً ولا يجوز أو يحق نعتهم بالمصريين ، بعد مشاركتهم فى جرائم إسرائيل ضد مصر وجيشها وضد الشعب الفلسطينى ، والعدد المتبقى من المائة ألف يهودى الذين كانوا يعيشون فى مصر قبل الثورة أصبحوا مواطنين فى بلاد أوروبية وأمريكية ولا حاجة لهم أو حق قانونى فى العودة ؛ أما يهود مصر الذين بقوا فيها فوفقاً لآخر إحصاء رسمى صادر عن جهاز التعبئة والاحصاء ، فإن تعدادهم اليوم – كما سبق وأشرنا – يقترب من ال 5 آلاف يهودى ، أغلبهم كبار فى السن ، بلا عمل ويعيشون على عطاءات السفارة الإسرائيلية والمؤسسات اليهودية الدولية ، غير أن بعض كبار رجال الأعمال من اليهود ، من متوسطى السن ، يملكون الآن أكثر من 18 شركة استيراد وتصدير وصناعات محلية (ترفيه) ، وأغلب استيرادها من إسرائيل ، ويقدر رأسمال هذه الشركات بأكثر من (500 مليون دولار) !! وبعضهم اتهم فى قضايا تجسس شهيرة (وصل عددها إلى 25 قضية منذ توقيع اتفاقات السلام عام 1979).
هذا ويتوزع اليهود المصريون على محافظات مصر بنسب قليلة ، وأشهر المحافظات الموجودين بها هى (القاهرةالاسكندريةالفيوم – بنى سويف – المنياقنا) ، والملاحظ أنهم لا يتواجدون فى القرى ولكن فى المدن، وتحديداً فى الأحياء القديمة ، ففى القاهرة مثلاً يضم حى الجمالية أكبر نسبة من اليهود المصريين يليه حى الزيتون ثم حى الظاهر ثم حى الوايلى وقصر النيل ويتوزع الباقى على أغلب أحياء القاهرة . والملاحظ أن علاقات اليهود المصريين – اليوم – بالسفارة الإسرائيلية علاقات قوية وتثير الشبهة.
اليهودى التائه فى حوارى مصر !!
الملاحظ أيضاً أنه لا توجد فى مصر أية جهات رسمية لمتابعة مشاكل ومصالح ونشاط اليهود المصريين بالقدر الكافى وهذا واضح إلى حد كبير وقد فوجئت أجهزة الأمن إبان عهد الرئيس المخلوع (حسنى مبارك) أن من بين المتعاونين مع المركز الأكاديمى الإسرائيلى بالقاهرة ومع السفارة الأمريكية ، فى شبكات التجسس التى ضبطت خلال الثلاثين عاماً الماضية عدد من اليهود المصريين ، الذين غفلت عنهم أعين الأجهزة الرسمية ، وأيضاً لا توجد احصائيات دقيقة عن تعداد اليهود فى مصر وعن معابدهم ومقابرهم ، ونشاطهم ، والتعدادات الموجودة حتى الآن ، تعدادات اجتهادية غير دقيقة ، ولقد ساعد التجاهل الرسمى هذا للوجود اليهودى المصرى ، فى استغلال إسرائيل لهذا الوجود دعائياً فى تفريغ مصر منهم من ناحية ، وفى تجنيد بعضهم – كما حدث بالفعل – لخدمة أهدافها السياسية من ناحية ثانية ، وفى تشويه حقيقة العلاقات التى ربطت تاريخياً بين اليهود المصريين وباقى أبناء الشعب المصرى من ناحية ثالثة ، وفى استخدامهم – رابعاً - كأداة جذب للإسرائيليين من أصول مصرية تحت دعوى استرداد أملاكهم فكان هؤلاء اليهود هم الوسطاء فى هذه الجريمة الخطيرة التى ساعد على تحقيقها دعوات ساذجة مثل دعوة (العريان) لعودة اليهود من أصول مصرية إلى مصر وهو مطلب إسرائيلى تاريخى بامتياز ، إن القضية أخطر وأعقد مما تناولها البعض ، إنها قضية وطن يراد اختراقه وقضية ثورة يراد تدميرها ، وما ورقة (اليهود المصريين) سوى أداة فى هذا المخطط ، فهل ندرك ذلك أم سنظل تائهين !! .
ثم دعونا نسأل هل يتحرك أحد وتبدأ رحلة البحث عن " اليهودى التائه " فى حوارى مصر القديمة .. وهل تبدأ حملة الحماية للمقابر وللمعابد وللوثائق اليهودية المصرية القديمة ، باعتبارها تراثاً مصرياً وليس إسرائيلياً كما تروج إسرائيل ، وبدلاً من سرقة "حاخامات إسرائيل " لها كما حدث إبان حكم الرئيس السابق وكما يحدث اليوم حيث إنها جزء من تراثنا القومى ، وجزء من تاريخنا ولا علاقة لإسرائيل أو لجواسيسها به ؟ مجرد تساؤلات حائرة تبحث عن إجابة تليق بثورة كان أحد أبرز شعاراتها الاستقلال الوطنى والكرامة وليس دعوة من يسموا زيفاً (اليهود المصريين) الملوثة بدماء الفلسطينيين والعرب للعودة إلى وطن لا أظنه يرحب بهم أبداً !!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.