أعدّه: دعاء الشيبيني القاهرة.. مدينة ساحرة عامرة بالآثار من كافة الحقب وكافة الثقافات، ستجد بها الآثار الفرعونية والإسلامية والرومانية والقبطية، كلنا نعرف الكثير عنها حتى لو لم نكن متخصصين، فمِن المساجد والأسبلة والأضرحة العريقة إلى الكنائس ذات العُمران المميز والنقوش البديعة، حتى المعابد بطرازاتها المختلفة من فرعونية ورومانية، والمتاحف التي تضم قطعاً أثرية مميزة تحكي تاريخاً كاملاً.. ولكن ماذا عن الآثار اليهودية؟! إن لليهود تاريخ تواجد طويل في مصر منذ عصر نبي الله موسى وصراعه مع فرعون، إلى عصر الإمبراطورية الإسلامية العظيمة في العصور الأموية والعباسية والفاطمية وغيرها، حيث وُجدوا دائماً كأطباء ومستوزرين ببلاط الحُكام والسلاطين، إلى اليهود الذين خرجوا مع المسلمين هرباً من الاضطهاد في الأندلس، وحل بعضهم ضيفاً على مصر، حتى يهود العصر الحديث، يهود مصريون عاشوا فوق هذه الأرض، وقاموا بالنشاطات اليومية الطبيعية.. اليهود في مصر وُجِدت آثار اليهود ضمن كل مظاهر الحياة المختلفة، في السينما حيث وجدنا ليلى مراد، وفكتوريا كوهين وغيرهما، وفي التجارة، كصيدناوي وشملا وعدس، وفي العديد من المجالات الأخرى كتجارة الذهب في حارة اليهود والإسكندرية والعباسية.. وُجدوا دائماً كعنصر من عناصر المجتمع المصري.. فنجد أفلاماً مثل"حسن ومرقص وكوهين" و"فاطمة وماريكا وراشيل".. ولكننا اليوم نكاد لا نعرف أن هناك أثراً باقيا لتواجد اليهود (كمصريين) على أرض مصر. ننظر حولنا فنجد صراعات كثيرة سياسية واقتصادية، ولكن ماذا عن الصراع الحضاري؟!، فالتاريخ جزء دائم من أي حضارة، ولذلك فهو جزء أهم في أي صراع، واليوم تحاول إسرائيل أن تضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال إلى التراث اليهودي كنوع من تزييف الوعي، ومحاولة لصنع حضارة أو بالأحرى سرقة حضارة..
ولكن ذلك لن يخدع التاريخ؛ فالحرم والمسجد وأي آثار أخرى ستبقى كما هي الحقيقة آثار إسلامية عربية.. كما أن هناك آثاراً يهودية متواجدة بمصر، ولكنها آثار مصرية صنعها وباشرها يهود.. ولكنهم مصريون. لذلك فاليوم، سنتجول في الآثار القليلة الباقية تقريباً، والتي تشير إلى جزء من تاريخ وطننا.. سنتجول في رحلة عبر الآثار اليهودية على أرض مصر. لذا هيا بنا لننطلق في جولة سياحية لجزء من آثار مصر التي لا نعرف عنها شيئا.. ستة معابد ذات مكانة أثرية ودينية بالنسبة لليهود سنمر عليهم اليوم، والواقع أن ثلاثة معابد من هذه الستة لهم أهمية ليست فقط محلية بل عالمية، سنعرف عنها كل شيء، تاريخها وتفاصيل إنشائها وأهميتها بالنسبة لليهود، وكذلك طرازها المعماري. - شعر هشمايم شعر هشمايم أي بوابة السماء، كذلك يطلق على المعبد اسم (معبد عدلي)؛ نظراً لوجوده في شارع عدلي بوسط البلد، وهو المعبد الرئيسي للطائفة اليهودية بالقاهرة، وكذلك الوحيد بها الذي تنظَّم فيه حالياً بعض الصلوات والطقوس بشكل رسمي. جولة في تاريخ المعبد بُني المعبد عام 1905م بأموال تبرعات الطائفة اليهودية السفردية، عُرف في أربعينيات القرن الماضي بمعبد الإسماعيلية حيث وجوده في ميدان الإسماعيلية (نسبة للخديوي إسماعيل)، والذي كان يُعد من أرقى أحياء القاهرة آنذاك، وقد انتقل إليه صفوة اليهود المصريين للإقامة به، وأنشأوا المشاريع التجارية الكبيرة، بالتأكيد قد سمعت عن محلات عدس وشيكوريل وبنزيون وشملا.. هذه المشاريع التي لا يزال بعضها متواجداً حتى اليوم، تنتمي ليهود عاشوا في هذا الحي يوماً ما. بين اليهودي والعثماني والفرعوني تصميم المعبد يجمع بين الطراز اليهودي والعثماني والمصري الفرعوني. وقد تم ترميمه مرتين في الثمانينيات -عقب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية- وبعد عام 2000م، وقد مول الترميم الأول الجالية اليهودية السفردية بجنيف. المعبد مسجل كأثر مصري منذ عام 1996م، وبالمعبد مكتبة للتراث اليهودي بها ما يقرب من 20 ألف كتاب، بعضها عبرية تم جمعها من المعابد اليهودية الموجودة بحارة اليهود وفي العباسية، بالإضافة إلى مكتب الطائفة اليهودية. زعيم حزب شاس من بورسعيد الحاخام (عوفيدا يوسف) الزعيم الروحي لحزب شاس الإسرائيلي اليميني المتطرف كان في نهاية الأربعينيات الحاخام الرئيسي لمدينة بورسعيد، وقد أقام عدة صلوات في هذا المعبد. - إبراهيم بن عزرا هناك حيث الكنيسة المعلقة بالفسطاط في حي مصر القديمة يقع هذا المعبد، وللمعبد أسماء متعددة ك(معبد النبي إلياهو) و(معبد الجنيزا)، والجينزا هي المكان المخصص لحفظ الكتب اليهودية المقدسة القديمة. كنيسة تحوّلت لمعبد المصادر التاريخية أوضحت أن هذا المعبد كان في السابق كنيسة قبطية اشتراها اليهودي (إبراهيم بن عزرا) من أقباط مصر عام 882 ميلادياً، وقد دفع ثمنها 20.000 دينار؛ حيث حوّلت إلى معبد يهودي لأبناء الطائفة اليهودية القادمين من القدس وسوريا. المصادر اليهودية تقول إن أهمية المعبد ترجع لأن مياه النيل كانت تفيض هناك؛ حيث انتشل الصندوق الذي وُضع به سيدنا موسى (عليه السلام) وهو طفل، كما ذُكر أن موسى عليه السلام كان يقف في هذا المكان بعد تكليفه بالرسالة ليصلي ويدعو الله. كلمة (الله) منقوشة بالجدران احتوى المعبد على أبواب خشبية فريدة و 16 لوحا خشبيا نادرا ترجع إلى القرن الحادي عشر، جميعها موجودة الآن في المتحف الإسرائيلي بالقدس. كما أنه يجمع بشكل واضح وفريد بين الطراز القبطي الذي تتميّز به الكنائس المصرية والمعروف ب"الطراز البازيليكي"، والطراز الإسلامي الذي تمتاز به المساجد، فأحد جدرانه مكتوب عليه لفظ الجلالة (الله) باللغة العربية، وكذلك يوجد به ثريا معلّقة تحمل أسماء الخلفاء الراشدين الأربعة (أبو بكر، عمر، عثمان، علي) رضي الله عنهم جميعاً، وأخرى تحمل اسم السلطان المملوكي (قلاوون) وجميعها مكتوبة باللغة العربية. 200.000 مخطوطة يهودية في التسعينيات من القرن التاسع عشر، وأثناء إجراء بعض الترميمات للمعبد، اكتشفت حجرة (جنيزة) عتيقة أعلى سطحه كانت مخصصة لحفظ الوثائق والأوراق المقدسة اليهودية، وعُثر بداخلها على ما يقرب من 200.000 ورقة سليمة بعضها من القرن الأول الميلادي. وقد أحدث ذلك نقلة كبيرة، وأفاد بشكل كبير في إعادة النظر في التاريخ اليهودي بأكمله. وكان المعبد يحوي نسخة أثرية من التوراة يعود تاريخ كتابتها إلى قبل الميلاد بنصف قرن، انتقلت خارج مصر -حسب ما يشير الرحالة اليهودي الحاخام (يوسف داود أزولاي). هذا المعبد يُعدّ مقصداً ليهود العالم الذي يتوافدون عليه لأهميته الدينية والتاريخية والمعمارية والفنية. - موسى بن ميمون بالتأكيد سمعت عن هذا المعبد فالأخبار قد حاصرته الأيام السابقة، حيث تم ترميمه وافتتاحه منذ أيام قليلة بحضور وفد يضم عدداً من الشخصيات الدينية الإسرائيلية البارزة.. وبالتأكيد كذلك قد سمعت عن حارة اليهود بالموسكي.. هناك يقع المعبد، ويُعتبر من أهم المعابد اليهودية في العالم، وله مكانة خاصة لدى اليهود؛ نظراً لقيمة صاحبه، حيث يقصده العديد من اليهود من شتى أنحاء العالم؛ طلباً للبركة، وقد ضُم المعبد لهيئة الآثار المصرية عام 1986م. ابن ميمون من قرطبة إلى مصر اسم المعبد منسوب للحاخام اليهودي الشهير (موسى بن ميمون)، وهو الزعيم الروحي لليهود، وقد وُلد بقرطبة ثم هاجر إلى مصر واستقر بها، ودُفن بهذا المعبد، إلا أن رُفاته فيما بعد نُقل إلى منطقة طبرية بأرض فلسطين. - المعبد الأشكنازي درب البرابرة بميدان العتبة حيث التفاصيل العتيقة والطابع المعماري الأثري الغالب يقع المعبد، أنشأه في عام 1887م اليهود الأشكناز (اليهود الغربيون)، الذين تركّزت إقامتهم في منطقة ميدان العتبة وشارع الجيش. أعيد بناؤه مرة أخرى في عام 1950م وهو معبد صغير المساحة يتكون من طابقين، ويُعدّ المعبد الوحيد لطائفة اليهود الأشكناز في مصر. - موسى الدرعي بالعباسية يوجد المعبد، وقد بدأت فكرة بنائه أواخر القرن ال19 الميلادي، وقد امتاز بفخامته الشديدة. وقد انتقل أبناء اليهود القرائين -إحدى الطوائف اليهودية بالقاهرة وكان يبلغ عددهم 150 أسرة- وخاصة الأثرياء منهم من حارة اليهود؛ للإقامة في حي العباسية الراقي، ولذلك بدأ الإعداد لبناء هذا المعبد ليكون معبداً خاصاً بهم في عام 1926م. المعبد مقام على أرض تبرعت بها إحدى السيدات اليهوديات، وقد تم بناؤه بتبرعات جُمعت من أبناء الطائفة. المواعظ من فوق السجاد المعبد مميز كذلك عن باقي المعابد اليهودية الأخرى بالقاهرة لكون المصلين اليهود يجلسون فوق سجاجيد مفروشة على الأرض للمشاركة في الصلوات وسماع المواعظ، وذلك على خلاف باقي المعابد الأخرى التي توجد بها صفوف من الكراسي المتراصة لجلوس المصلين عليها. ولليهود القرائين معبد آخر صغير بحارة اليهود يسمى (راف سمحا) إلا أنه قد هُجر بعد انتقالهم إلى حي العباسية، وتركزت صلاتهم في المعبد الجديد؛ لفخامته وقربه من مساكنهم وأعمالهم الجديدة، ولا يزال هناك عدد ضئيل جداً من هذه الطائفة يعيش بمصر حتى يومنا هذا. - حاييم كابوسي حارة اليهود مرة أخرى، وتحديداً بدرب النصير، يوجد هذا المعبد.. المعبد مختلف في تصميمه المعماري عن باقي المعابد اليهودية الأخرى الموجودة بالقاهرة، فقد صُمّم على الطراز الإيطالي الذي تتميز به المعابد اليهودية في إيطاليا، ولم يتبع الطراز المعماري البازيليكي الذي تتميز به الكنائس المسيحية في العصر الروماني والبيزنطي. وهناك أنباء بأن هيئة الآثار المصرية تعتزم قريباً البدء في ترميم هذا المعبد. كان (حاييم كابوسي) هو آخر محطات جولتنا السياحية، التي ألقت الضوء على جزء من هذه الآثار العامرة الغزيرة.