انتخابات الكنيست التاسعة عشرة ستجري في 22/1/2013، بهذا القرار، تكون قد حسمت موضوعة الانتخابات المبكرة وفتحت منذ لحظة إعلان القرار بورصة التوقعات التي تركزت حول السيناريوهات المتوقعة لخريطة المنافسة مع الليكود ورئيسه بنيامين نتنياهو. وفيما رأى بعض المحللين الإسرائيليين أن الانتخابات لن تشهد منافسة جدية مع نتنياهو وحزبه، توقع آخرون أن إسرائيل ستشهد «دراما سياسية عاصفة» في الفترة الفاصلة عن موعد إجرائها. في سياق كل هذا، أعلن معتزلون العودة إلى الحلبة السياسية، وبعضهم له دور مؤثر على مجريات العملية الانتخابية في حال نفذ إعلانه وشكل تحالفا يجمع أو ينسق ما بين المتضررين من تفرد نتنياهو بالحكم.. وهم كثر. وعلى اعتبار أن قرار نتنياهو ومطبخه السياسي الحزبي والائتلافي كان العامل الحاكم في تبكير الانتخابات، فإن التساؤلات تنصب على معرفة محصلة حسابات الربح والخسارة التي دفعت نتنياهو لاتخاذ هذا القرار.. وفيما إذا كان الوقت الضيق المتاح أمام خصومه حتى موعد الانتخابات سيمكنهم من تجميع قواهم لمقارعته ومنعه من تحقيق حلمه في ولاية جديدة على رأس الحكومة. حول التوقيت. رأى بعض المراقبين أن نتنياهو خسر مقدما بعض أوراقه عندما تراجع في أيار/ مايو الماضي عن قرار إجراء انتخابات مبكرة، وكان متوقعا في حينها أن تتخذ الكنيست في دورتها الصيفية آنذاك قرارا بهذا الشأن. ويقول هؤلاء بأن نتنياهو كان في معرض تشكيل حكومته هذه الأيام فيما لو بقي ثابتا على قرار الانتخابات المبكرة في حينها. ويسوغ أصحاب هذا الرأي استنتاجاتهم بالقول إن فترة الأشهر الستة الماضية التي ضيعها نتنياهو على نفسه لم تشهد تحسنا في وضعه، بل إن هذه الفترة شهدت، بروز منافسين لم يكونوا في معرض التداول حينها ومنهم أولمرت وليفني وآرييه درعي ومعهم شخصيات مخضرمة نشطت مؤخرا مع تقدم المنافسين (القدامى الجدد) إلى الواجهة. ويضيفون بأن الملفات التي حاول نتنياهو الهروب من استحقاقاتها على أبواب الدورة الصيفية للكنيست لا تزال ماثلة في الدورة الشتوية الحالية فيما لو لم يتخذ قرار. تبكير الانتخابات مؤخرا. وأن الصفقة التي عقدها مع شاؤول موفاز والتي تعهد فيها الأخير بالبقاء في الائتلاف الحكومي حتى نهاية الولاية الدستورية للكنيست، لم تنقذه من خيار الانتخابات المبكرة بعد أن نكث موفاز بوعده وانسحب من الائتلاف. وكان هذا متوقعا بالنسبة لأصحاب هذا الرأي. كما أن هؤلاء يرون بأن إجراء الانتخابات في أيلول/ سبتمبر الماضي كما كان متوقعا، سيعطي نتنياهو المزيد من الوقت المريح لمتابعة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وسيكون مجيء الرئيس الجديد أو الممدد له (أوباما) في وقت تمكن فيه نتنياهو من ترتيب أوضاعه الحكومية وبات أكثر استعدادا لمواجهة استحقاقات ما يجري في واشنطن بداية الشهر القادم. ومع ذلك يرى المراقبون بأن قرار نتنياهو صائب في تبكير الانتخابات وأنه تأخر بذلك، لأن تركها إلى موعدها الدستوري نهاية العام القادم سيضعه في موقف أصعب نتيجة التأثير السلبي المتوقع لتطبيق سياسته التقشفية العام القادم وسيؤدي ذلك إلى خسارة قسم مهم من شعبيته مما يعرض احتمال فوزه مجددا برئاسة الوزراء للخطر. ويشير المراقبون هؤلاء إلى أن بروز منافسين «متقاعدين» أمام نتنياهو لن يشكل خطرا جديا عليه إلا في حالين معا: أن يوحدوا جهودهم في حزب مركز جديد يشكل ثقبا أسود في المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي، وأيضا في حال تخلي حلفائه عنه وأبرزهم ليبرمان وهذا ما لم تحصل مؤشرات على حدوثه.. إلى الآن على الأقل. الأمن والاقتصاد لم ينتظر نتنياهو انطلاق قطار الانتخابات رسميا حتى يبدأ حملته الانتخابية، فقد بدأها فعلا وهو على منصة الحديث في الكنيست مع افتتاح الدورة الشتوية. بحيث حول خطاب الافتتاح التقليدي إلى خطاب انتخابي صرف. فدعا الجمهور إلى انتخابه مرة جديدة لقيادة «الدولة إلى الأمن والازدهار الاجتماعي الاقتصادي». وأمضى نتنياهو معظم ولايته على رأس الحكومة وهو يشهر خطاب الأمن ويحذر من الخطر الوجودي الذي يتهدد إسرائيل وخاصة من الملف النووي الإيراني ولم يعف قطاع غزة والضفة من تصنيفهما ضمن مصادر الخطر الجدي على هذا الوجود. وكان موضوع الأمن هو السلاح الذي شهره في وجه المفاوض الفلسطيني في مفاوضات العام 2010 بشكليها المباشر والتقريبي.. وفعل ذلك أيضا في ما يسمى المفاوضات الاستكشافية التي جرت أواخر العام الماضي وبداية هذا العام في العاصمة الأردنية عمان. هذا التركيز المفرط على موضوعة الأمن حفز كثيرا من منافسيه للقول بأن نتنياهو لا يعمل شيئا في رئاسته للحكومة سوى «زراعة الخوف في قلوبنا». وفي موضوعة الازدهار الاجتماعي والاقتصادي أشار منافسو رئيس الوزراء وخصومه إلى الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إسرائيل صيف العام 2011 واعتبروا ذلك مؤشرا على رفض الإسرائيليين لسياسته الاقتصادية الاجتماعية. كما أشاروا إلى أن مشروع الموازنة للعام 2013 والذي يهرب من تداعيات نقاشه في الكنيست، يحمل إلى الإسرائيليين نذرا بحياة اقتصادية أقسى. ويشير هؤلاء أنه وعلى الرغم من أن نتنياهو ركز كثيرا على ملف الأمن إلا أن كل المؤشرات تؤكد أن إسرائيل ليست في حال أفضل من الناحية الأمنية كما كانت عليه قبل قدوم نتنياهو إلى رئاسة الحكومة. ويضربون مثالا على ذلك وقوع عدة عمليات ضد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في الفترة الأخيرة ويضيفون بأن المستوطنين حول قطاع غزة لا يزالون تحت مرمى «التهديد الفلسطيني» من القطاع. أسماء تقلق نتنياهو تعامل نتنياهو بشكل براغماتي مع الخريطة الحزبية والسياسية في الكنيست التي جاءت بانتخابات 2009، وتمكن عبر مناوراته المعروفة من الفوز برئاسة الحكومة بعد أن استطاع إفشال مهمة تسيبي ليفني في تشكيل الحكومة وقام هو بذلك بمساعدة من إيهود باراك، مستفيدا من الأغلبية اليمينية في الكنيست. كما نجح في حماية الائتلاف الحكومي من السقوط مرات عدة. لكن ما يطرح اليوم من أسماء يحتمل أن تعود إلى الحلبة السياسية يجعل المراقبين يتوقعون بروز مصاعب جدية في طريق وصول نتنياهو إلى كرسي رئاسة الحكومة للمرة الثالثة في حياته السياسية. من بين الأسماء المطروحة: آرييه درعي: وكان رئيسا لحزب شاس في انتخابات العام 1999 التي خسر فيها نتنياهو، وشغل منصب وزير الداخلية في حكومة رابين التي تشكلت عقب انتخابات العام 1992. وقد حكم عليه بالسجن بعد إدانته بارتكاب الرشوة والتلاعب بالمال العام فيما اعتبره مؤسس شاس الحاخام عوفاديا يوسف «بطلا» لأن الأموال التي أخفاها قد جيرها لصالح الحزب. وكان درعي قد أعلن في 21/6/2011 أنه سيعود إلى الحياة السياسية لكنه نفى عودته إلى حزب شاس، قائلا إنه سيشكل حزبا جديدا لا يقتصر نشاطه في أوساط طائفة معينة. لكن مؤخرا تصاعد الحديث عن احتمال عودته إلى رئاسة حزب ساش بديلا عن إيلي يشاي وزير الداخلية في حكومة نتنياهو. ومن المعروف أن علاقة درعي بنتنياهو سيئة ويتوقع المراقبون أن يرفض درعي في حال عودته إلى شاس التحالف مجددا مع نتنياهو وأنه سيبحث عن خيارات ائتلافية أخرى. وفي حال صح ذلك فإن نتنياهو يكون قد خسر مؤيدا مهما يحظى بعدد لا بأس به من المقاعد في الكنيست (له 11 مقعدا حاليا). أولمرت وليفني: يتحدث كثيرون عن إمكانية عودة إيهود أولمرت، رئيس كاديما ورئيس الوزراء الأسبق إلى الحلبة السياسية. ويعتقد عدد من المحللين أن أولمرت في حال عودته سيكون خصما قويا ويستطيع أن يجمع حوله عددا لا بأس به من النواب والشخصيات الحزبية والسياسية وخاصة من داخل حزب كاديما الذين يشعرون ب «اليتم» بعد غيابه وتشتت الحزب بين أنصار ليفني وموفاز. ويشير آخرون إلى عدد من الشخصيات في أحزاب مختلفة ربما ينضمون إليه وخاصة في ظل طرح سيناريوهات لتشكيل حزب جديد تكون فيه تسيبي ليفني الشخص الثاني ومعها أشكنازي كوزير محتمل للدفاع كما أن حاييم رامون قد أبدى حماسه لتشكيل هذا الحزب وإن كان منحازا لتكون ليفني على رأسه، لكن أنصار أولمرت يقولون بأنه من الصعب على ليفني أن تقنع الكثيرين بقيادتها بعد فشلها مرتين، مرة في تشكيل الحكومة ومرة أخرى في الاحتفاظ بمنصب رئاسة الحزب. لكن أصواتا أخرى ترى غير ذلك، على خلفية الملفات القضائية الثقيلة التي خاضها أولمرت ولم تنته فصولها حتى الآن. وحتى اللحظة، لم تحسم أي من الشخصيات التي طرحت في معرض الحديث عن تشكيل حزب مركز جديد، لم تحسم أمرها وربما تنتظر قليلا حتى تجري حساباتها وتستطلع ردات فعل الجمهور وباقي الأحزاب على احتمال عودتها إلى مقدمة العمل الحزبي والسياسي. موشيه كحلون: أحد الشخصيات الرئيسية في حزب الليكود وله شعبية واسعة في الأوساط السياسية والحزبية في إسرائيل ومعروف عنه نشاطه في الشأن العام وفي خدمة الفئات والشرائح الفقيرة. وهو أحد شخصيتين سياسيتين من أصول شرقية (إضافة إلى سلفان شالوم) وعددهم قليل جدا في قيادة الحزب علما أن 80% من منتخبيه يعودون إلى أصول شرقية (سفارديم). كحلون أعلن اعتزاله مؤخرا، وكان اعتزاله مفاجئا إلى حد أن البعض عزا ذلك إلى عدم رغبته بالاستمرار إلى جانب نتنياهو، الذي كان «يفاخر» فيه في اجتماعات الحكومة بسبب الانجازات الاجتماعية التي يقوم بها وكان أن نتنياهو وضعه في مقدمة المواجهة في حال أثارت رئيسة حزب العمل يحيموفيش القضايا الاجتماعية في دور الحكومة. السؤال الكبير الذي يدور فور إعلان اعتزال كحلون، يتعلق بإمكانية قيامه بنشاط انتخابي لصالح حزبه الليكود وبذلك إذا حصل تكون خسارة نتنياهو محدودة أما إذا اعتكف كحلون أو جاهر بانتقادات ضد نتنياهو فإن المراقبين يتوقعون أن الضرر كبير في حملة نتنياهو الانتخابية. فرص «العمل» رئيسة حزب العمل شيلي يحيموفيتش ردت مباشرة على شعار نتنياهو فقالت إن ما يهم المجتمع الإسرائيلي هو الاقتصاد والوضع الاجتماعي وليس الأمن والسياسة. وتقول الأوساط المحيطة بها بأنها عازمة على عرض خطة اقتصادية بديلة عما هو سائد لدى الحكومة الحالية. وقد دخلت على خط الاحتجاجات التي وقعت بشأن عدم قدرة الفئات الوسطى امتلاك شقة، فرأت أنه من غير المعقول أن يحتاج المرء إلى رواتب ثماني سنوات حتى يمتلك شقة. رأى المراقبون في حديث شيلي محاولة لإعادة الاعتبار للبرنامج الاجتماعي الذي غيبه حزب العمل منذ نحو 15 عاما إبان رئاسة باراك للحزب ورضي بأن يكون الحزب وإمكاناته ذراعا سياسية يحركها رئيس الائتلاف الحاكم منذ فقد الحزب رئاسة الحكومة في العام 2001، وقبل المشاركة بحكومات الليكود ومن ثم كاديما بحقيبة عسكرية متجاهلا الوعود التي قدمها لجمهوره في مواسم الانتخابات، وقد أدى ذلك إلى فقدان الحزب لقدر كبير من جماهيريته مع استمرار تغييب دوره الاجتماعي الاقتصادي. استطلاعات الرأي تعطي حزب العمل برئاسته الحالية 20 مقعدا. وتعطيه 30 في حال تعاون مع ليفني في الحزب نفسه. لكن المراقبين يرون صعوبة في أن يستعيد الحزب دوره السابق. ويرون أنه من الممكن أن يحسن وضعه الحالي، وأن ترتيبه بالخريطة الحزبية التي تولدها الانتخابات القادمة رهن بما سيظهر من أحزاب وحركات على أبواب تلك الانتخابات. موفاز و«كاديما» قيل الكثير في الأيام الماضية عن إمكانية دخول موفاز على خط الاتفاقات بين الكتل والأحزاب القائمة أو التي ستتشكل، لكن الثابت برأي المراقبين، أن حزب كاديما نفسه مستهدف عند تشكيل حزب المركز المفترض، إذ يراهن من سيؤسسه على إمكانية مغادرة عدد واسع من قيادات الحزب وكوادره باتجاه الحزب الناشئ. وخاصة أن هناك تململ داخل الحزب تجاه أداء موفاز الذي أدخل كاديما في صفقة مفاجئة مع نتنياهو إلى الائتلاف الحكومي ثم غادره أيضا بشكل مفاجئ مما أوحى للكثيرين بأن موفاز لا يمتلك البوصلة التي تؤهله لأن يكون زعيما لحزب. وربما يدرك موفاز الوضع الصعب الذي يعيشه، لذلك نقل عنه أنه مستعد لأن يخلي مكانه في رئاسة الحزب في حال قرر إيهود أولمرت العودة. وقرأ المراقبون في ذلك أنه محاولة من موفاز لأن يخفف الخسائر المتوقعة في حال خاض الانتخابات على رأس الحزب. هذا إلى جانب توقعات بأن تتم الدعوة داخل الحزب إلى انتخابات داخلية وتجري الإطاحة به من على رئاسة «كاديما». وفي هذه الحالة تكون الخسارة قاضية. لبيد أسس الإعلامي الإسرائيلي يئير لبيد حزبا جديدا أسماه «يوجد مستقبل» قبل عدة أشهر في وقت كان يتصاعد فيه الحديث عن انتخابات مبكرة. وقد لاقى حزبه تأييدا واسعا من قبل أوساط النخبة في إسرائيل. لكن نشاطه خبا بعد أن توقف الحديث عن انتخابات مبكرة. بعد حسم موضوعة الانتخابات المبكرة، بدأ اسم لبيد وحزبه يتردد في سيناريوهات تشكيل حزب مركز. وتراوح الحديث ما بين انضمام لبيد إلى الحزب الجديد وما بين إبداء التعاون معه. وفي كلتا الحالتين يقف لبيد وحزبه في مواجهة بنيامين نتنياهو. وربما من المبكر الحديث عن مستقبل الحزب ما لم تتبلور التحركات الحزبية على أبواب الانتخابات القادمة. هل تحصل مفاجأة؟ من المبكر الحديث عن مفاجآت تحصل في مسار التحضير للانتخابات الإسرائيلية القادمة، وبالتأكيد في نتائجها، طالما أن قطار هذه الانتخابات لم ينطلق فعليا بعد. ولا يعرف كم من المحطات يمكن أن يمر بها قطار الانتخابات على الرغم من الفترة القصيرة المتبقية على إجرائها. السؤال الأهم: هل سيلجأ بنيامين نتنياهو إلى مناورة يخلط فيها أوراق خصومه ومنافسيه باعتبار أن الملفات التي يرفعها كعنوان لحملته الانتخابية تبدأ وتتمحور في موضوعة الأمن؟ من المتوقع بحسب المراقبين أن يواصل نتنياهو خطابه التصعيدي ضد إيران وملفها النووي. وستكون الحالة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة على رأس استهدافاته الأمنية. ولا يستبعد المراقبون أن يقوم نتنياهو ومؤسسته الأمنية باستفزاز الحالة الفلسطينية في قطاع غزة لاستدراج ردات فعل من المقاومة الفلسطينية ويعيد تقديم المشهد الأمني على حساب جميع الملفات المطروحة في إسرائيل من أجل أن يثبت للجمهور صحة أولويات الخطاب الذي يقدمه بانتخابات.. وبدونها. وبالتأكيد ستلعب نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية دورا في الاصطفافات الحزبية في إسرائيل، وستظهر هذه النتائج قبل بدء الانتخابات الإسرائيلية بأكثر من شهر ونصف الشهر. عوامل كثيرة ستظهر في الطريق إلى انتخابات الكنيست القادمة. .. وإلى الآن يراهن نتنياهو وفريقه على أنهم الجانب الأقوى في المعادلة الحزبية.. في إسرائيل .