رغم أنه لا أحد يعرف تاريخ ظهور تلك المهنة بالتحديد ، الإ أننا لا يمكن ان نغفل إعجابنا الشديد بمصنعى المقتنيات والتماثيل الفرعونية ، تلك الصناعة التى تجسد مدى حرفية العامل المصرى وإتقانه لعمله.. الهدايا الفرعونية كانت ولا تزال أحد أهم المنتجات التى تستحوذ على عقل وقلب السياح القادمين إلى مصر .. تلك المهنة الفنية العظيمة ، أصبحت تواجه مصيراً مظلماً هذه الأيام ، خاصة مع دخول منافس شرس ، يسعى للقضاء على إنتاج العامل المصرى، والذى يقلد فى براعه شديده ما جسده اجداده على أرض الواقع .. فبين ليله وضحاها أصبحت الصين شريكاً لنا فى تاريخ أجدادنا ، صنعوا التماثيل والتحف الفرعونية ، وصدروها لبلاد العالم المختلفة ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قاموا بتصديرها لنا ، نحن المصريين ، أصحاب الحضارة الأصليين .. فقد أصبحت الصين من اكبر المنتجين للتماثيل والهدايا الفرعونية فى العالم ، لتتراجع مكانة العامل المصرى وحرفيته الى الوراء أمام جبروت الصناعة الصينية المميكنه .. ظاهرة التماثيل الصينية دفعتنا للبحث فى العالم الخفى لصناعة التماثيل والتحف الفرعونية ، والتى قلما تجد عنها معلومات .. حاولنا خلال رحلة البحث والتى إمتدت لأكثر من مدينة وقرية ،الكشف عن مواطن إنتشار تلك الصناعة ، ومواصفات العاملين بها .. أيضاً حاولنا أن نعرف تفاصيل كاملة عن الفراعنة الجدد ، الذين يحاولون إحياء تراث الأجداد ،قبل أن يندثر تحت سطوة فراعنة الصين .. حيث تنتشر تلك الحرفه فى عدة اماكن منها حى إمبابة بمحافظة الجيزة ومدينة طوخ بالقليوبية وعدد من القرى التابعة لها ، ومدينة القرنه بالأقصر ومنطقة عين شمس ، ومحافظة الأسكندرية .. وبدأنا من مدينة طوخ مع مصطفى السيد ، احد أكبر مصنعى التماثيل الفرعونية وصاحب شركة " جولدن كات "والمتخصصة فى تصنيع التماثيل الفرعونية والمقتنيات الإسلامية .. حيث قال لنا انه يعمل منذ ما يقرب من 14 عام فى هذه الصناعة ، وانه منذ ما يقرب من عشر سنوات بدات المنتجات الصينية تغزو الأسواق المصرية ، لكنها رغم ذلك لم تكن مؤثره ..حيث يفضل السائحون شراء المنتج المصرى المصنوع يدوياً . لكن منذ ما يقرب من خمسة اعوام بدات صناعة التماثيل والتحف الفرعونية الصينى تأخذ مساحة أكبر فى السوق بعد ان تم إستحداث نظام صناعة التماثيل عن طريق ماكينات ليزر ، حيث يتم ادخال صورة للتمثال وتقوم الماكينة بعد ذلك بتصنيعة ليكون جاهزاً خلال دقائق قليلة .. وأضاف بأن المنتجات الصينية أصبحت تحتل مساحة 60% من السوق المصرى ، كما ان دقة التصنيع ورخص اسعارها ووضعها فى علب فاخرة جعلها مطلوبة لدى أصحاب البازارات ، وان كان هناك عيب واحد فيها ، حيث ان عين التمثال أصبحت تشبع عين المواطن الصينى .. مشيراً إلى ان المنتج الصينى تسبب فى ضياع فرصة لتشغيل 10% من الشباب المصرى فى هذه الحرفة الوطنية ،والتى تحتاج الى تركيز عالى وحس فنى ، فقد أصبحت اغلب المنتجات المعروضة فى البازارات وخان الخليلى صينية الصنع ..وأصبحت الورش المصرية تقوم بشد " إسطامبات " على التماثيل الصينى لتقليدها ، بعد ان كانت الإسطامبات يتم تصنيعها يدوياً . وعن عدد الورش الموجودة فى مصر قال انها تصل الى 2000 ورشة منتشرة فى جميع انحاء مصر وان متوسط العمالة بكل ورشة 15 عامل ..تتراوح أجورهم ما بين 450 جنية الى 1000 جنية شهرياً .. بعد ان كان عدد العماله فى الورشة الواحدة يصل الى 30 شخص . وعن سر نجاح المنتج الصينى فى مصر قال يرجع ذلك لعدة أسباب أولها رخص المواد الخام ، التصنيع بأجود أنواع السليكون والبوليستر ، طريقة تغليف المنتج الفاخرة جداً .. مصطفى اكد على أن الصناعة المصرية كانت وحتى وقت قريب مطلوبة بشكل كبير سواء أكانت تحف أو ملابس فرعونية أو فضيات ، وان هناك العديد من المعارض المختلفة فى الدول الأجنبية كانت تحضر لمصر لشراء تلك المصنوعات قبل أن تقوم الصين بتصدير إنتاجها لمختلف دول العالم . وعن عقبات التصدير قال ان هناك تشديد فى تصدير التماثيل الفرعونية خوفاً من التهريب ، رغم ان تصدير تلك التحف امر هام جداً وله أثار إقتصادية جيدة . وعن المواصفات التى تعمل تلك الورش بها قال انه لا توجد اى مواصفات يتم الإلتزام بها ، كما لا توجد أى قواعد تحكم هذه الصناعة ، ولا توجد تسعيرة لكل قطعة يتم إنتاجها ، فالأمر لا يزال فى إطار العمل الفنى العشوائى ..فكل ورشة لديها قسم للصب واخر للتلوين ، واخر للتغليف ، ومعرض للمنتجات الخاصة بها .. مصطفى أكد انه لا توجد جمعية أو رابطة تضم الحرفيين العاملين فى تلك الصناعة ، كما انه لا توجد أى وسيلة تواصل مع المجلس الأعلى للأثار ، وانهم يسعون للعمل تحت مظلة المجلس ، لكنهم لم يجدوا الطريق المناسب لذلك ، خاصة فى ظل إغراق السوق المصرى بمنتجات صينية تحتاج الى وقفة من الجهات المسئولة عن حماية التراث المصرى .. وعن متوسط الإنتاج الشهرى للورشة قال انها تنتج ما يقرب من 1000 قطعة تتراوح أسعارها ما بين 75 قرش الى 120 جنية ، وهناك أوقات يتم بيع المنتج بسعر التكلفة أو بأقل من السعر وهى فترات ركود السياحة وذلك لتغطية نفقات الورشة وأجور العمال .. لكن القطعة التى يتكلف إنتاجها 10 جنيهات تطرحها الصين بنفس سعر إنتاجها فى مصر ، او بأقل من ذلك ، فى محاولة لفرض المنتج الصينى .. وعن المواد المستخدمة فى صناعة التماثيل والتحف قال " الجبس ، والسليكون ، والبوليستر ، والفيبر ". وعن أكثر التماثيل المطلوبة فى السوق قال توت عنخ امون وايزيس. وعن أكبر مستوردى المنتجات الصينية قال ان هناك شخص سورى يدعى " توكل " وأخران هم زكريا راغب ورضا عبد المسيح هم المسيطرون على السوق الأن ، بعد أن أغرقوه بالمنتج الصينى . ما سمعناه من مصطفى السيد كرره أخرون فى نفس المدينة ، لكننا إتجهنا الى منطقة أخرى ، حيث تنتشر تلك الورش بمنطقة إمبابة ..حيث يضم شارع الوحدة ومنطقة خلف السكه الحديد ما يقرب من 70 ورشة أغلبها أغلق أبوابة بسبب المنتج الصينى .. أحمد عبد الله أحد أصحاب الورش بمنطقة إمبابة ، بدأ حديثه معنا قائلاً " منهم لله اللى سابوا الصين تعمل كده فينا ".. أحمد يعمل بهذه الحرفة منذ عشرون عاماً ، ولا يعرف له مهنة أخرى غيرها ، وقال ان معظم الورش فى منطقة إمبابة أغلقت أبوابها بسبب المنتجات الصينية .. وأضاف بان المنتج الصينى أصبح يستخدن " فرش " للمنتجات اليدوية التى ينفذها العاملون فى الورش المصرية فهى طريق أسرع لإنتاج القطع الفرعونية .. وأضاف : اليدوى محتاج شغل والصين بتنتج أسرع وأفضل من الشغل اليدوى ، وفيه شركة إسمها " شاك " بتستورد التماثيل الصينى وبدخلها السوق المصرى . أحمد طلب ان توفر الحكومة لهم الماكينات الخاصة بصناعة التماثيل على ان يتم تسديد ثمنها على أقساط شهرية ، وأضاف بانه كان لدية 10 عمال أصبحوا الأن ثلاثة عمال فقط بسبب قلة المبيعات وإرتفاع سعر المواد الخام .. أحمد قال ان إنتاج 1000 قطعة تباع بمبلغ 7 الأف جنية ، تحتاج مواد خام عبارة عن 2 برميل بوليستر ويصل سعرها الى 5 الأف جنية بالإضافة الى الجبس وأجرة العمال ، وان التكلفة اعلى بكثير من العائد من وراء بيع تلك القطع ، ولا حل أمام أصحاب الورش الإ إغلاقها .. فالمنتج الذى يتكلف 10 جنيهات تطرحة الصين ب8 جنيهات فقط ، لإرغامنا على التوقف عن العمل . الصناعة المصرية اصبحت إلى زوال ، وأصبح المصير الذى ينتظر أكثر من 20 ألف عامل هو الضياع ..