ثار الكثير من الجدل فى أعقاب ثورة 25 يناير حول ماهية الدولة المصرية بعد ظهور بعض التيارت التى تدعو الى الدولة الاسلامية و الابتعاد عن الدولة المدنية والتى تناثرت حولها الاقاويل من تلك الجماعات والتى تمثل تيارات جديدة و التى لقبت نفسها بالجماعات السلفية او تيارات قديمة وهى جماعة الاخوان المسلمين وخاصة بعد نجاحهم فى الحصول على الأغلبية مجتمعين فى البرلمان المصرى بعد نجاح ثورة 25 يناير . وان كنت لا ارى فارقا بين الدولة المدنية والدولة الاسلامية فالدولة الاسلامية هى محاولة تطبيق الشريعة الاسلامية فى الامور الحياتية ، اما الدولة المدنية فهى مصطلح لا يختلف او يتفق فى تطبيق الشريعة الاسلامية فالدولة المدنية هى مصطلح مناقض للدولة العسكرية او لايحكمها فرد واحد يتحكم بمصالحها وثرواتها فتصبح بالتالى دولة القانون التى يحكمها المؤسسات المختلفة كل فى مجالة وله تخصصة ويتم المراقبة على الجميع من خلال الجهات الرقابية المختلفة . والدولة الاسلامية مصطلح يعيدنا بالذاكرة الى الدولة الدينية التى ظهرت فى اوروبا فى العصور المظلمة والعصور الوسطى والتى تؤمن بوجود الاله او من ينوب عنه وهو البابا او الملك ذلك الشخص الذى لايخطىء ابدا وله قدسية الاديان والذى يسمع فيطاع بدون اى تفكير او محاسبة فى حالة وجود اخطاء فهو اله او ابن اله او مخول له من الله بان يحكم فهل يخطىء شخص كهذا . وقبل هذا ظهرت فكرة التقديس للحاكم فى عصور الفراعنة المختلفة فالفرعون هو الاله او ابن الاله ولا يعارض ولا يحاسب وكان الفراعنة يتفنون فى اظهار قدرات خارقة للشعب من خلال بناء المدافن الخاصة بهم على اشكال الاهرامات وظهورهم فى اعياد تنصيبهم على العرش فى صور مهيبة مثل استغلال تعامد الشمس على الهرم وظهور الفرعون كأن الهرم ينشق عنه من اجل اخافة الشعب وترسيخ فكرة الاله عند شعبه . وحتى عند الفرس والروم فى عصور لاحقة ظلت فكرة الحاكم الاله الذى لايخطىء مرسخة عند الشعوب طوال عمر هاتين الدولتين . وعند ظهور الاسلام وانتشاره عن طريق الفتوحات الاسلامية وظهور العديد من العلماء الذين أثروا علوم الفلسفة والطب والفلك والرياضيات وخلافه من العلوم والتى وصلت أوروبا عن طريق رحلات التجارة و الفتوحات انهارت الدولة الدينية وظهر عصر النهضة الأوروبى . و المقصود هنا هو عدم وجود الحاكم الاله الذى تنادى به بعض الجماعات الموجودة الان وفكرة عدم الخروج على الحاكم وتقديسة والانصياع لاوامرة بدون اى فكر هى مجرد افكار مغلوطة عن الاسلام . فقد قال الحق تبارك وتعالى {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ }آل عمران79 وكذلك فى قصة اختيار الخليفة أبي بكر الصديق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فانعقدت له بيعة الناس – أي اختيارهم -ثم قال لهم في خطبته الأولى: أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.. ومثل ذلك قال عمر بن الخطاب: فإن رأيتم في اعوجاجا فقوموني.. ومن هنا يأتى مبدأ الحاكم الذى يخطىء وكذلك ترسيخاً لمبدأ نطلق عليه فى زمننا هذا بالديمقراطيه واختيار الحكام وأن الشعب هو مصدر السلطات . و أيضاً من أهم مبادىء الدولة الاسلامية والتى تتفق اتفاقاً كلياً مع الدولة المدنية هو مبدأ الشورى و اخذ الرأى فى الامور التى تتعلق بالشعب أو الرعيه ( البرلمان ) يقول الحق تبارك وتعالى:{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159 ، و قال أبو هريرة: "ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله لأصحابه". وقال الدكتور / محمد عمارة فى كتابه الدولة الاسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية : الدولةُ الإسلاميَّةُ دولةٌ مدنيَّةٌ تقومُ على المؤسساتِ، والشورَى هي آليَّةُ اتخاذِ القراراتِ في جميعِ مؤسساتِهَا، والأمةُ فيها هي مصدرُ السلطاتِ شريطةَ ألَّا تُحِلَّ حرامًا، أو تحرِّمَ حلالًا. ويقولُ الشيخُ يوسف القرضاويُّ:إنَّمَا الدولةُ الإسلاميَّةُ إذا نظرنَا إلى المضمونِ لَا الشَّكلِ، وإلى الْمُسمَّى لا الاسمِ «دولةٌ مدنيَّةٌ مرجعُهَا الإسلامُ»، وهي تقومُ على أساسِ الاختيارِ والبيعةِ والشورَى، ومسؤوليَّةُ الحاكمِ أمامَ الأمَّةِ، وحقِّ كلِّ فردٍ في الرعيةِ أن ينصحَ لهذَا الحاكِمِ، يأمرُهُ بالمعروفِ، وينهاهُ عن المنكرِ.. والحاكمُ في الإسلامِ واحدٌ مِنَ الناسِ ليسَ بمعصومٍ ولا مُقدَّسٍ. يجتهدُ لمصلحةِ الأمَّةِ؛ فيصيبُ ويخطئُ. ومن هنا نقول بأن الدولة الاسلامية هى تطبيق واضح للدولة المدنية ، وليس هناك أى داعى لهذا النقاش حول ماهية الدولة ، وكل هذا الجدل عن المادة الثانية للدستور وتلك الدعاية التى جعلت من الاعلان الدستورى أنه المنقذ للدولة ، ليتضح فى نهاية المطاف أن كل تلك الأقاويل وضعت أصحابها فى مأزق شديد فى الفترة الماضية بمحاولة سحب ثقة من حكومة لا يستطيع البرلمان أن يتخذ أى خطوة تجاه محاسبة أى فرد من أفرادها . وفى النهاية أطالب جميع القوى السياسية الاسلامية بالتركيز على مافيه مصلحة الوطن والمواطنين والابتعاد قليلاً عن مصالح الجماعات التى ينتمون لها حتى نعبر هذا المأزق الشديد الذى نعيش فيه ، والذى سيستمر طويلاً اذا ظلت القوى المسيطرة على البرلمان فى ممارسة نفس السياسات . موضوعات بقلم الكاتب... خاضعين .. خانعين.. خداماً لأمريكا