أيام قليلة تفصلنا عن الحدث الذي ينتظره عشاق الحضارة المصرية القديمة في العالم كله، وهو افتتاح المتحف المصري الكبير المقرر انطلاقه في الأول من نوفمبر المقبل، وسط استعدادات غير مسبوقة. وفي قلب المتحف المصري الكبير، على أعتاب هضبة الجيزة، تقف مراكب الشمس شاهدةً على عبقرية المصري القديم ورؤيته للحياة والموت والخلود، ومراكب الشمس أصبحت أيقونة رئيسية في المتحف المصري الكبير. وتقع مراكب الشمس ضمن القاعات المغلقة؛ مثل قاعة توت عنخ آمون، ولها موقع متميز في السردية الثقافية لمصر الحديثة. فهى تجمع بين عبقرية الماضي وابتكارات الحاضر، وبين الرمز الديني والتقنية المتحفية، وبين جدل العلماء وانبهار الزوار. وفي تجربة فريدة في المتاحف العالمية، يمكن للزوار أن يشاهدوا ترميم وإعادة تركيب المركب الثانية من مراكب الشمس، على أيدي المرممين والخبراء الأثريين لمدة ثلاثة أعوام كاملة إلى أن ينتهي العمل بها. يُعد هذا المتحف أحد أبرز المتاحف النوعية في العالم؛ حيث يضم قطعتين أثريتين نادرتين يُعتبران من أقدم وأضخم الآثار العضوية التي وصلت عبر آلاف السنين، وهما مركب خوفو الأولى والثانية. ولأول مرة في التاريخ، سيتم عرض المركبين الملكيين جنبًا إلى جنب في موقع واحد داخل المتحف الكبير. وقد تم بالفعل نقل مركب خوفو الأولى من منطقة أهرامات الجيزة إلى المتحف في أغسطس 2021، بعد أن قُطعت مسافة 7.5 كيلومتر داخل هيكل معدني ضخم بواسطة عربة ذكية تعمل بالتحكم عن بُعد، لضمان الحفاظ على هذا الأثر العضوي الفريد الذي يبلغ طوله أكثر من 42 مترًا. واستُكملت أعمال تأهيلها وتجهيزها للعرض المتحفي وفق أعلى المعايير العلمية. أهمية مراكب الشمس ورمزيتها في الحضارة المصرية القديمة وتُعد مراكب الملك خوفو من أعظم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين، إذ يعود تاريخها إلى أكثر من 4600 عام، وتُمثل رمزًا مقدسًا في العقيدة المصرية القديمة. فقد آمن المصريون القدماء بأن الإله "رع" يبحر في مركب الشمس عبر السماء نهارًا ويعود لرحلته في العالم السفلي ليلًا، ولذلك رافق الملوك مراكبهم الجنائزية لتأمين رحلتهم الأبدية. ويُجسِّد متحف مراكب خوفو داخل المتحف الكبير هذا المفهوم الديني والفلسفي في تجربة بصرية تجمع بين الإيمان القديم والعلم الحديث؛ حيث يعرض أقدم أثر عضوي محفوظ في العالم "مركب خوفو الأولى" إلى جانب المركب الثانية التي تم اكتشافها بجوار هرم خوفو. وبذلك تنتهي أكبر عملية لكشف واستخراج ثانٍ أكبر أثر عضوي في العالم. تم استخراج نحو 1765 قطعة خشبية من الحفرة التي وُجد فيها المركب، وكانت عبارة عن 13 طبقة داخل الحفرة، والتي سيتم عرضها للمرة الأولى جنبًا إلى جنب في موقع واحد. وسوف يُتاح للزوار مشاهدة عملية إعادة تركيب المركب الثانية مباشرة، حيث تُعرض الألواح الخشبية وهي تُجمع وتُركب تدريجيًّا في تجربة تفاعلية فريدة. التجربة البصرية للزائر تبدأ الرحلة من ساحة خارجية تحاكي مجرى نهر النيل في فكر المصري القديم، حيث يقف تمثال الإله "حابي" رمز الفيضان، محاطًا بعشرة تماثيل للإلهة "سخمت" كرمز للحماية. ومن هناك، يدخل الزائر إلى قاعات العرض التي تروي قصة المراكب عبر شاشات تفاعلية وعروض رقمية ثلاثية الأبعاد "3D"، تُحاكي رحلة الشمس في السماء، وتشرح مراحل بناء المراكب واستخدامها في الطقوس الدينية عند المصري القديم. كما تم تصميم القاعة على ثلاثة مستويات، تمكِّن الزائر من مشاهدة المركب من الأعلى والأسفل والوسط، لتتجسد أمامه كأنها تبحر بالفعل. تفاصيل متحف مراكب خوفو داخل المتحف الكبير يشمل تصميم المتحف من الخارج محاكاة نموذج مطابق لإحدى الحفر الأصلية التي اكتُشفت فيها المراكب، بنفس الأبعاد والمقاييس، مع عرض 18 كتلة حجرية أثرية كانت تُستخدم لتغطية الحفرتين، وتحمل نقوشًا أصلية تضم رسوم الجرافيتي التي سجلها العمال المصريون القدماء، إلى جانب مقاسات الأحجار وخراطيش الملوك "خوفو" و"رع"، لتمنح الزائر تصورًا واقعيًّا ودقيقًا. وفي داخل المتحف، هناك سرد متكامل لقصة المراكب والملك خوفو؛ حيث يبدأ الزائر رحلته من منطقة الاستقبال، حيث تُعرض مجموعة من المعلومات التمهيدية حول أهمية نهر النيل، ودوره في الحياة والمعتقدات المصرية القديمة، إلى جانب عرض لتاريخ منطقة أهرامات الجيزة، وسياق اكتشاف مركب خوفو الأولى، وحالتها الأصلية، والتقنيات التي استُخدمت في نقلها وترميمها. ويتناول العرض مراحل استخراج مركب خوفو الثانية، وأعمال الترميم، إضافة إلى معلومات شاملة عن الملك خوفو، والمهندس الذي صمم الهرم الأكبر، والعمال الذين أسهموا في بناء هذا الصرح التاريخي الخالد. ما مركب الشمس؟ مركب الشمس هي إحدى سفينتي الملك خوفو، اكتُشفت عام 1954 بجوار الهرم الأكبر في الجيزة، وتُعد من أقدم وأضخم السفن الخشبية في التاريخ، إذ يبلغ طولها نحو 43.6 مترًا. صُنعت من خشب الأرز اللبناني، وكانت تُستخدم رمزيًّا في رحلة الملك إلى العالم الآخر، وفقًا للمعتقدات الدينية الفرعونية. تم العثور على المراكب مفككة إلى 651 قطعة أثرية، موزعة بعناية داخل 13 طبقة، وتم ترميمها وإعادة تجميعها على مدار 25 عامًا، على يد الخبير المصري أحمد يوسف مصطفى، وبلغ طول المركب بعد ترميمه 43.4 مترًا، وعرضه 5.9 مترًا، ليصبح واحدًا من أضخم المراكب الأثرية المكتشفة على الإطلاق. وبعد عملية نقل دقيقة استمرت 48 ساعة في أغسطس 2021، استقرت المركب داخل قاعة عرض مخصصة في المتحف المصري الكبير، صُممت خصيصًا لتوفير بيئة مثالية لحفظها وعرضها. وتُعرض المركب باستخدام تقنيات عرض متقدمة تتيح للزوار رؤية تفاصيلها الدقيقة من زوايا متعددة، في تجربة تفاعلية تحاكي رحلتها عبر الزمن. يتزامن عرض مركب الشمس مع افتتاح المتحف المصري الكبير في احتفالية تمتد لثلاثة أيام، بحضور قادة وزعماء من مختلف دول العالم، ويُفتح المتحف للجمهور في 4 نوفمبر، ليبدأ فصل جديد في استكشاف الحضارة المصرية القديمة. اقرأ أيضًا: تقنيات تُجسّد روح المقبرة الأصلية.. تفاصيل جديدة عن قاعتي توت عنخ آمون بالمتحف المصري الكبير طقس ال5 أيام.. الأرصاد: شبورة ونشاط رياح وارتفاع الحرارة على هذه المناطق 5 قرارات لحل أزمة نقص "بنج الأسنان".. التوزيع بنظام "الكوتة الأسبوعية"