مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في مصر يزداد القلق والتوتر لدى المرشحين والناخبين حول مسارات ومآلات العملية الانتخابية وطبيعة التحالفات السياسية وشكل الحملات الانتخابية. كما تتصاعد الخلافات الداخلية في الأحزاب والحركات السياسية وتصل إلى حد الانقسامات والاستقالات الحزبية. وهي ظاهرة عرفتها مصر خلال العقدين الماضيين وتواكبت مع تعدد الأحزاب السياسية التي افتقر بعضها إلى توجه سياسي وعقيدة سياسية واضحة مقارنة بأحزاب اليمين واليسار التي عرفتها مصر منذ إقرار سياسة التعددية السياسية والانفتاح الاقتصادي في منتصف السبعينيات من القرن العشرين. ومع غياب العقيدة السياسية الواضحة للعديد من الأحزاب السياسية في مصر ما بعد 2011، ومع تشابه التوجهات السياسية للعديد من الأحزاب التي سيطرت على المشهد السياسي في الانتخابات البرلمانية منذ ما بعد 2013، انتشرت ظاهرة تغيير الانتماءات الحزبية بين الدورات الانتخابية بل في كثير من الأحيان أثناء انعقاد الدورة البرلمانية (بدون أن يعلن العضو عن ذلك بشكل رسمي). وهو مؤشر يؤكد ضعف العقائد السياسية لدى العديد من الأحزاب السياسية في مصر، الأمر الذي تتضاءل معه أهمية فكرة الانتماء الحزبي ومن ثم الثقافة والكفاءة السياسية. والسؤال الذي يطرح نفسه يدور حول الأسباب التي صبغت المشهد السياسي والانتخابي في مصر بهذه الخصائص التي لا تساعد على نضوج وتطور الحياة السياسية المصرية. وللإجابة على هذا التساؤل كان لابد من العودة إلى فلسفة الانتخابات نفسها. فالانتخابات تقوم على الاختيار. وهذا الاختيار يتأسس على التنافس بين مرشحين يملك كل منهم رؤية لتحقيق الصالح العام تنعكس في شكل برنامج يطرحه ويسعى إلى تحقيقه عند فوزه سواء كان مرشحاً مستقلاً أو مرشحاً عن حزب سياسي. ومنذ الانتخابات البرلمانية في 2015 ظهرت بعض الشروط وتحددت الخصائص للمرشح البرلماني. ولو أردنا ترتيب هذه الخصائص من حيث الأهمية، سنجد أن الكفاءة قد تأتي في المرتبة الأخيرة، تسبقها خصائص أخرى تتمحور حول الملاءة المالية ووجود روابط داخل أروقة البيروقراطية المصرية والتوافق مع التوجه السياسي للأحزاب القومية في المقام الأول. وقد يفسر هذا الترتيب انحسار المشاركة السياسية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، خاصة وأن الناخب عادة ما يبحث عن عامل الكفاءة. وتُعرف الكفاءة لغوياً بأنها قدرة الفرد واستعداده للقيام بعمل معين، وحسن التصرف والأداء. ويعرف الخبراء الكفاءة بأنها فعل الأشياء الصحيحة بالشكل الصحيح. الشيء الصحيح هنا يُعبر عنه بالصالح العام أو تحقيق النفع العام. كما تُعرّف التشغيلية بأنها إنجاز المهام المطلوبة بأقل قدر ممكن من الموارد المتاحة، وتشمل هذه الموارد الوقت، والمال، والجهد. ويعني هذا أن التركيز الأساسي للكفاءة ينصب على "الكيف" أو العملية التي يتم بها تحقيق الهدف، وليس فقط على تحقيق الهدف نفسه. وهنا يجب التمييز في إطار سلوك المرشحين بين الكفاءة والفاعلية. فالكفاءة تركز على الوسائل المستخدمة، أي على العمليات والمدخلات، وتجيب على السؤال: "هل نستخدم الموارد بذكاء؟". في المقابل، تركز الفاعلية على الغايات، أي على النتائج والأهداف. وعلى الرغم من أهمية الفاعلية وضرورتها، إلا أن فهمها يكون مغايراً في سياق الانتخابات، حيث يتم التركيز على الهدف والنتيجة وهو المنصب النيابي. وتتعدد الوسائل للوصول إلى هذا الهدف وتلك الغاية، بحيث قد تعصف بعضها بفلسفة المساواة في الفرصة والتمكين من التنافس الحر. وبالعودة إلى الانشقاقات السياسية والاستقالات الحزبية التي تميز المشهد السياسي الراهن، نلحظ تقدم الفاعلية على الكفاءة، بل وإحلال المكافأة محل الكفاءة. فالمرشح الذي يتم اختياره يشعر بأنه تمت مكافأته على أمور قد لا ترتبط بالضرورة باعتبارات الكفاءة. في حين قد يشعر مرشح آخر بأنه يملك الكفاءة التي تؤهله لأن يكون عضواً في البرلمان، ويؤدي استبعاده إلى استقالته وانضمامه لحزب آخر. فالمكافأة هي وحدها القادرة على تفسير تكالب بعض المرشحين من أجل المنصب البرلماني أكثر من اعتبارات تحقيق الصالح العام. فهل أصبح المنصب النيابي مكافأة منزوعة الكفاءة؟