بعد عامين من عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، تبدو الحرب في غزة أقرب إلى نهايتها من أي وقت مضى، غير أن الشرق الأوسط لن يعود إلى ما كان عليه قبلها أبدا، وفق ما ذكره موقع "أكسيوس". بدأت حرب غزة بأكبر مذبحة لليهود منذ الهولوكوست، واستمرت بأسوأ عمليات القتل والتشريد للفلسطينيين منذ نكبة عام 1948، إلا أن تخطى العدد الإجمالي لشهداء فلسطين الآن إلى أكثر من 67 ألف شهيد، وحتى لو نجحت مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاليًا لتحقيق السلام وإنهاء المعاناة بمساعدة الوسطاء المصريين والقطريين، فإن المأساة الإنسانية والتحولات الجيوسياسية ستبقى آثارها ممتدة لأجيال قادمة. تراجع مكانة إسرائيل وارتفاع الدعم لفلسطين وجهت إسرائيل منذ السابع من أكتوبر ضربات قاسية لخصومها، لكنها فقدت كثيراً من مكانتها الدولية، ففي المقابل، زاد الدعم العالمي لحقوق الفلسطينيين بشكل غير مسبوق، إذ اعترفت أكثر من 12 دولة إضافية بفلسطين، فيما يعيش الفلسطينيون في غزة في أوضاع من التشريد والجوع، ويواجه نظراؤهم في الضفة الغربية قمعاً متصاعداً. وفي الولاياتالمتحدة، عمّقت الحرب الانقسام داخل القاعدة الديمقراطية خلال انتخابات 2024، وأشعلت موجة احتجاجات في الجامعات، تستند إليها إدارة ترامب حالياً للضغط على المؤسسات الأكاديمية. وبحسب الحكومة الإسرائيلية، قُتل نحو 2000 إسرائيلي في الحرب على جبهات مختلفة، بينما تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين في غزة 67 ألفاً، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، كما استشهد آلاف آخرون في الضفة الغربيةولبنانوإيرانوسوريا واليمن، وشنت إسرائيل غارات جوية على ثماني دول منذ اندلاع الحرب. ومن بين 255 أسيرًا احتجزتهم حماس، عاد 148 منهم أحياءً، وتم انتشال جثث 59 آخرين، فيما يُعتقد أن 20 من أصل 48 أسيرًا متبقين ما زالوا على قيد الحياة. حرب إقليمية أعادت رسم خريطة المنطقة سرعان ما تحولت حرب غزة إلى صراع إقليمي أعاد تشكيل الشرق الأوسط: في إيران: ألحق القصف الإسرائيلي الذي شاركت فيه أمريكا، أضراراً جسيمة بالبرنامج النووي وزعزع أركان النظام. في لبنان: اغتالت إسرائيل زعيم "حزب الله" وكبار قادته، ما قلّص نفوذ الحزب ومهّد الطريق لرئيس مقرب من واشنطن لتولي السلطة بعد عامين من الجمود السياسي. في سوريا: سقط نظام بشار الأسد بعد 50 عاماً في الحكم، وبدأت الحكومة الجديدة محادثات مباشرة مع إسرائيل للمرة الأولى منذ 25 عاماً. في العراق: تراجعت الميليشيات الشيعية الموالية لإيران تحت التهديدات العسكرية الإسرائيلية والضغوط الأمريكية. في اليمن: صمد الحوثيون في وجه حملة جوية أمريكية استمرت عدة أشهر، وأثبتوا أنهم يشكلون تهديداً كبيراً لإسرائيل. في قطر: وحدت غارة إسرائيلية فاشلة ضد قادة حماس مواقف دول الخليج، التي كثفت الضغط لإنهاء الحرب وأبدت غضباً واسعاً من إسرائيل، ومن هذه الفوضى وُلدت خطة ترامب للسلام. قال ترامب في مقابلة مع موقع "أكسيوس": "لقد فقدت إسرائيل الكثير من الدعم العالمي، الآن سأستعيد كل هذا الدعم"، ويعد ترامب الرئيس العالمي الوحيد الذي ما زال يقف علناً إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكداً أن الأخير ذهب إلى أبعد مدى في ملاحقة الحرب. وأظهرت استطلاعات الرأي في إسرائيل أن أغلبية واضحة تريد إنهاء الحرب وإطلاق سراح الأسرى، حتى لو أدى ذلك إلى بقاء حماس، كما أظهرت أن معظم الإسرائيليين يريدون استقالة نتنياهو، الذي يرفض الاعتذار عن الإخفاقات الأمنية أو السماح بإجراء تحقيق مستقل، وينفي اتهامات بأنه يواصل الحرب للحفاظ على مستقبله السياسي. غزة مدمّرة وحماس منهكة على الجانب الآخر، تحولت غزة إلى أنقاض غير صالحة للسكن بعد نزوح سكانها البالغ عددهم مليوني نسمة، وقد دُمرت البنية التحتية وسُوّيت معظم المنازل بالأرض، ورغم أن المساعدات الأخيرة أوقفت انتشار المجاعة، فإن الأزمة الإنسانية تبقى من الأسوأ في العالم. ويشير "أكسيوس"، إلا أن حماس لم تُدمَّر تماماً لكنها هُزمت عسكرياً، إذ فقدت معظم مقاتليها المدربين وأسلحتها الثقيلة، ولم تعد قادرة على تنفيذ هجوم مشابه لهجوم أكتوبر، وللمرة الأولى أبدت استعدادها للتخلي عن السلطة وحتى لنزع سلاحها جزئياً. التطبيع في مهب الريح هجمات ال7 من أكتوبر، أفشلت مسار التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي، وخاصة الاتفاق المحتمل مع السعودية، وتبنت الرياض موقفاً مؤيداً للفلسطينيين بقوة، كما لم يظهر أي زعيم عربي إلى جانب نتنياهو علناً، لكن خطة ترامب لإنهاء الحرب تمثل فرصة لإعادة مسار التطبيع، إذ تدعو إلى مسار موثوق نحو إقامة الدولة الفلسطينية "وهو شرط سعودي أساسي"، ونجحت في إشراك ثماني دول إسلامية في عملية السلام. تصاعد العداء ويؤكد "أكسيوس" أن العداء العالمي تجاه إسرائيل والإسرائيليين واليهود بلغ ذروته بسبب حرب غزة. وفي ظل هذه التطورات، تتجه الأنظار إلى مصر التي تستضيف هذا الأسبوع محادثات سلام غير مباشرة بين إسرائيل وحماس، مدفوعة بقوة من ترامب للتوصل لاتفاق ورغبة من حماس لإنهاء معاناة عامين من الحرب والدمار في غزة، إذ لا يمكن بدء أي عملية لإعادة الإعمار قبل أن تتوقف الحرب.