بعد أقل من شهرين على اندلاع حرب ال12 يومًا بين إيران وإسرائيل، والتي شهدت فيها المنطقة حربًا غير معهودة خاصة بالنسبة للدولة العبرية التي طالتها الصواريخ الإيرانية في قلب مراكزها الحساسة، يعود للواجهة مجددًا إمكانية اندلاع حرب جديدة بين كلا الطرفين، في وقت تتزايد في التصريحات التي تبرهن على ذلك. هل تعود الحرب مرة أخرى؟ وفي هذا الشأن يرى الدكتور إسلام المنسي، الخبير في الشأن الإيراني، في تصريحات خاصة ل "مصراوي"، أن احتمال اندلاع جولة جديدة من الحرب بين إيران وإسرائيل لا يزال قائمًا وبقوة، في ظل التصريحات المتواترة من الجانبين حول الاستعداد لجولة مقبلة. وأضاف المنسي، أن "كافة الأطراف تعي أن عودة الحرب هو سيناريو وارد ومحتمل، بل ومرتقب، حيث تسود حالة من التحفّظ والتأهب. خاصة وأن إيران تعلن رسميًا، على لسان كبار مسؤوليها، أنها تستعد لجولة مقبلة، وإسرائيل أيضًا تُطلق التصريحات ذاتها بشكل واضح ومعلن. وأشار المنسي، إلى أن تصريحات مشابهة صدرت كذلك عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واستمرت منذ انتهاء حرب الأيام ال12 وحتى الأيام القليلة الماضية، ما يعزز من احتمالية عودة التصعيد خلال فترة وجيزة. وحول المدة الزمنية المتوقعة لاندلاع الجولة الجديدة، أوضح المنسي أن تحديد توقيت دقيق صعب للغاية، نظرًا لأن مثل هذه الهجمات عادة ما تُنفذ بشكل مفاجئ، لكنه أشار إلى أن التصعيد يُقرأ في سياق المفاوضات النووية المتعثرة، حيث تسعى الأطراف لممارسة الضغط على إيران للجلوس إلى طاولة التفاوض من موقع أضعف. من جانبه، يقول الدكتور هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، في تصريحات خاصة ل "مصراوي"، إن احتمالات اندلاع حرب جديدة بين إيران وإسرائيل ما زالت قائمة، لكنها ليست ملحة في الوقت الراهن، مشيرًا إلى أن الهجوم الأول الذي استهدف المنشآت النووية الإيرانية أفقد طهران جزءًا كبيرًا من قدراتها النووية. وأضاف سليمان، أنه رغم تعدد الروايات بشأن قدرة إيران على استئناف تخصيب اليورانيوم، فإن المؤشرات تُرجح أن ذلك لن يكون ممكنًا قبل بضعة أشهر، ما يمنح الأطراف مساحة زمنية للمناورة، ويُفسح المجال أمام الجهود الدبلوماسية بشأن البرنامج النووي الإيراني، وعمليات المراقبة التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأوضح أن هذا التأجيل النسبي يوفر نوعًا من "الأريحية الاستراتيجية"، حيث يُتيح إعادة ترتيب الأوراق، ومراقبة سلوك إيران، دون الحاجة إلى قرار عسكري فوري. وأشار دكتور سليمان، إلى أن إسرائيل، رغم عدم استعجالها في تنفيذ الضربة الجديدة، لكنها لا تزال تستعد لها ضمن حساباتها الاستراتيجية، متوقعًا أن يتم إعادة تقييم الموقف بحلول فصل الشتاء بناءً على عدة عوامل، منها: مدى تقدّم المفاوضات المتعلقة بالملف النووي درجة تعنّت إيران في التعاطي مع المطالب الدولية توفّر معلومات استخباراتية حول نشاط نووي سري إمكانية استعادة طهران لبعض قدراتها في مواقع لم تُستهدف سابقًا هل إيران مستعدة للحرب؟ وفيما يتعلق بجاهزية إيران، أوضح المنسي أن الجمهورية الإسلامية ليست مؤهلة للدخول في حرب جديدة في الوقت الراهن، مشيرًا إلى أن، السيناريو سيكون أسودًا بالنسبة لطهران، التي لم تتمكن من تحمل الحرب الماضية؛ حيث كانت الخسائر في أول نصف ساعة فقط كارثية. وأوضح أن، القدرات العسكرية الإيرانية تضررت بشكل كبير وواضح في الجولة الماضية، وهي الآن في طور إعادة البناء. وربما تكون أكثر حذرًا واستعدادًا، لكن من المؤكد أنها لن تكون أكثر قوة. وعن الموقف الإسرائيلي، لفت المنسي إلى أن الجولة الماضية من الحرب كشفت عن هشاشة المنظومة الدفاعية الإسرائيلية، موضحًا أن "القبة الحديدية لم تستطع صد الصواريخ الإيرانية بالكامل، حتى ليوم واحد، ما يعكس أن الهجمات الصاروخية المكثفة تربك الدفاعات الإسرائيلية. وأضاف أن إسرائيل منذ انتهاء الحرب الماضية عملت على تعزيز جاهزيتها، ومعالجة النقص في مخزوناتها الدفاعية، بمساعدة أمريكية، وهو ما يعني أنها ستكون أكثر استعدادًا في حال اندلاع مواجهة جديدة. وتابع، المنسي، أن الحرب ستُكلف الجميع، حتى الطرف المنتصر، لكنها ستظل خسائر نسبية، خاصة بالنسبة لإسرائيل، التي كانت خسائرها محدودة مقابل مكاسب استراتيجية، مثل تدمير جزء كبير من القدرات الإيرانية خلال أيام قليلة. أما سليمان، فيرى، أنه في حال اندلاع حرب جديدة، فإن الضربة المقبلة ستكون مختلفة كليًا عن سابقتها، قائلًا، إنه إذا وقع الهجوم، فسيكون أكثر عنفًا، وربما يُصنّف كضربة لتكسير العظام. إذ من المتوقع أن تستهدف منشآت حيوية بدرجة أكبر، وقد تمتد إلى مواقع شديدة الحساسية تخص الحرس الثوري الإيراني. وأكد هاني سليمان، أن الضربة القادمة قد تُعيد إلى الواجهة فكرة "تغيير النظام الإيراني"، وإن كانت مرهونة بسياق التطورات السياسية والعسكرية المرافقة لها. أما على الجانب الإيراني، فبين سليمان أن طهران ستكون مضطرة للرد، حال تعرضها لهجوم واسع النطاق، مرجّحًا أن يكون ردها متناسبًا مع حجم الضربة الإسرائيلية، وربما يتّسع ليشمل جبهات إقليمية أخرى. الموقف الأمريكي وحول احتمال مشاركة الولاياتالمتحدة بشكل مباشر في حال اندلاع حرب جديدة، أشار المنسي إلى أن "هناك حالة من الغموض المتعمد في الموقف الأمريكي، وهو نهجٌ بدا واضحًا حتى قبيل الضربات الأخيرة". وأكد، إسلام المنسي، على أن الدور الأمريكي، وإن لم يكن مباشرًا، فإنه قد يظل حاضرًا عبر الدعم اللوجستي والعسكري غير المباشر، لكن واشنطن، بحسب المنسي، لا تزال تفضّل التريث، وترك مساحة للمناورة في هذا الملف بالغ الحساسية. أما سليمان، فرجح ألا تكون الولاياتالمتحدة طرفًا مباشرًا في الضربة الثانية، قائلاً، إنه يعتقد أن واشنطن لعبت دورها الكامل في الضربة الأولى، والتي كانت تستهدف بالأساس المنشآت النووية. أما الضربة التالية، فستكون على الأرجح ضربة إسرائيلية خالصة، تُركز على استكمال المهمة عبر استهداف مناطق أكثر حيوية. وأشار، الدكتور هاني سليمان، إلى أن القرار العسكري يظل مرهونًا بتطورات المشهد الإقليمي والدولي، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن المسار التصعيدي لم يُطوَ بعد، بل مؤجل حتى تتّضح معالم السلوك الإيراني في المرحلة المقبلة. واعتبر سليمان أن المرحلة الحالية تشهد ما سماه"جس نبض متبادل" بين الأطراف، في إطار ما وصفه ب"التصعيد البارد" أو "الحرب الباردة"، مشيرًا إلى أن اللجوء للعقوبات الاقتصادية عاد بقوة، كما في الحزمة الأخيرة التي شملت 115 كيانًا وشخصًا، والتي تُعد الأكبر منذ عام 2018.