ألبومات ذات صلة

تهطل الأمطار فيهرول المارة إلى جانبي الطريق يختبئون من زخاتها، يحتمون في أشجار الطريق، أو المباني والبلكونات، بينما يدخل عم عبده إلى صندوقه الخشبي على قارعة الطريق، فلا تحميه رقائق الخشب المهترئة منذ عقود، ليغرق داخل صندوقه.
لم يتخيل أحد أن يعيش إنسان داخل صندوق خشبي لا يتجاوز طوله وعرضه مترًا لكن فضّل عم عبده علي محمد الصعيدي، صاحب ال75 عاما أن يتخذ من صندوقه بيتًا، ومأوى، يضعه بالقرب من ميدان الشيخ حسانين بمدينة المنصورة، يسكن الصندوق منذ أن توفيت والدته من 36 عامًا مضت.
ما إن تقترب من الصندوق الصغير تتخيل أن بداخله بعض المهملات، لكن عندما طرق الشيخ إبراهيم حسن، إمام وخطيب مسجد الشيخ حسانين، رد عم عبده من داخل الصندوق، وعرفه من صوته، إذ أنه فقد البصر، عقود قضاها في صندوقه.
"أنا من طهطا محافظة سوهاج وجيت هنا من 36 سنة وعشت جوه الصندوق".. بتلك الكلمات بدأ "عبده علي الصعيدي، يتحدث عن حياته ل"مصراوي" باكيًا، مشيرًا إلى أنه كان يعمل في مجال جمع الفاكهة في ستينيات القرن الماضي برفقة والدته التي ارتبط بها طيلة حياته، حتى توفيت ليقرر مغادرة القرية بلا عودة.
قال "عبده": "كنت عايش مستور مع أمي التي أتذكرها جيدًا ولم تفارقني إلى الآن، وكنت أبلغ من العمر 38 سنة، حتى توفيت، ودعتها إلى مثواها الأخير، وجلست أمام قبرها أقسم بألا أعود إلى تلك البلدة مرة أخرى بعد أن فقدت أغلى وأعز الناس عندي".
وأضاف العجوز عقب تنهيدة صاحبتها بعض الدموع: "بعد مغادرتي للبلدة أصبحت سارحًا في الدنيا وأتنقل من بلد لبلد، وكل مولد أروح فيه علشان أعرف أنام ولا أحد يسألني أنت مين وجاي منين، لحد ما تبعت من كتر اللف في الموالد إلى أن وصلت مدينة المنصورة، ووجدت صندوقًا خشبيًا صغيرًاا فحولته إلى مأوى لي أعيش وأنام بداخله".
وأوضح: "ده بقى بيتي بنام وباكل وبشرب فيها لكن تعبت أوي فقدت نظري ومش لاقي اللي يرعاني لولا بعض الناس هنا في المنطقة بيبعتوا يجيبوا لي أكل وياخدوني الجامع أقضي حاجتي، لكني نفسي في بيت ولو أوضة واحدة وألاقي علاج وأكل وأقول ليا حبايب وأبقى مستور" .
وأكد المسن أنه يعاني من شدة البرد داخل صندوقه الخشبي نتيجة تسلل مياه الأمطار داخله، "حاولت أغطي السقف بمشمع وكراتين علشان يقلل المياه شوية لكن مافيش فايدة، بتمنى أتستر قبل ما أموت والحق بأمي".