كان على أن أترك المدرسة، لأننا لم نكن نملك ما يسد رمقنا، ولا ملابس لأذهب بها إلى المدرسة، فإذا استطعت كتابة اسمى سأكون سعيدا، من يكتب اسمه فى حارتنا، يحسب متعلما. شيء يتحرك هناك بين السيارات.. انظروا فى عمق الجراج عند آخر عمود، إنه يقوم وينحنى ويختفى بلا صوت.. من يكون.. ليذهب أحدكم ويرى.. هذا.. هو.. لم أفعل شيئا.. والله.. هل كان معه أحد؟ كان وحده.. يحاول النوم فوق شنطة آخر سيارة .. كم عمرك؟ تسع سنوات واسمى صابر غلبان يابيه.. لقمة عيش.. ينام فى بيته.. ويعود صباحا.. قلنا له ذلك.. يابيه.. أبى يضربنى واخوتى وأمى كل ليلة.. دموعه صافية.. لست الوحيد.. رهن اللحظة.. مستسلما لقدر الواقفين حوله.. كل منهم يلهم الآخر.. يدعك عينيه بكفيه ملتقطا أنفاسه فى الشارع الذى جاء منه.. وقميصه الملموم على صدره بورق اللصق لفقده الأزرار.. حافيا لسنوات.. حتى جادت عليه آنسة يوم مسح لها الزجاج الأمامى وهو يبتسم.. بكوتش جديد.. كنت أتحاشى رؤيته.. قلت لها أعطيته لأختى.. هى بنت.. إيذانا ببدء التفاعل وسط هذا النبض.. ما الذى ينبغى اقتباسه منه.. حلم سيظل يناجى الذى آمن به.. وجه أمه متورم من الضرب.. أنا وأخوتى بالحذاء والحزام.. يرفسنى بقدمه حين أحمى أمى.. أين الجيران؟.. يأتى متأخرا من شركة السجائر.. تتدحرج من صدره سجائره المسروقة..عيوننا فى ركن تمضغ الطعام الذى يلتهمه بسرعة ليذهب إلى المقهى.. وردية.. لايحكى لنا شيئا.. أذن أمى صاغية.. يسبها مرات وفمه محشوه بالمضغة.. القرف. تأخرت يا كبير.. القصد.. بالعافية.. التفتيش.. كيس معسل تفاح. تسلم لى.. ادخل على الناصبة. وقف ينتظر الطلبات.. خرج آخر ثلاثة من المقهى.. الهواء المترب فى دوامات الشارع.. وحده.. أغلق نصف الباب الصاج.. الثعابين تظهر من جديد تحت بالات الدخان المتراكمة.. قالوا شيء طبيعى فى مكان بحجم مصنع كبير للدخان.. ماء المطر يغرق البدروم.. مهندس الصيانة الشاب الجديد صعد إلى صهريج العسل عشرين متراعن سطح الأرض.. ياولداه.. نزل بسلم المطافى.. والكل ذيله فى أسنانه.. أرغب فى الصحبة.. أخوتى يستخدمهم صاحب مطعم فى تنظيف الأوانى.. أحب أن أنادى أمى.. تحت كوبرى سموحة ثلاث فتحات، إحداها ضيقة ومهملة ومتربة وتتجمع فيها مياه الأمطار عند نهايتها.. نلتقى أنا والأولاد والبنات والكلاب والقطط، وبعد مرور قطار الحادية عشرة مساء باتجاه القاهرة.. صابر: البوكس عدّى.. رد عليّ؟ ولد أطول: فالح تزاحمنى عند الجامع لتأخذ كيسين أكل.. صابر: انت خطفت الموبايل من الطالبة.. معاك فلوس.. ولد أطول: عم عباس قال لى.. لماّ أبيعه.. ولد بساق خشبية: معاك كرتونتين.. واحدة أنام بيها.. صابر: خذ هذه.. تغطى كرشك.. أنت تمضغ النيلة زى أبويا.. أظلم النفق فجأة.. الكلاب تنبهت.. خائفة من الظلام.. كشافات السيارات تبرق فى سرعتها.. اوعى تتحرك أنت وهو.. ولد أطول: البنات طفشوا من كوبرى سموحة.. ولد بساق خشبية: من أفعالك.. والمطوة.. ولد أطول: وانت خسرت رجلك .. ولد بساق خشبية: كان لازم أنقذ أختى من سواق التاكسى.. صابر: الدكتور قفل الاجزخانة.. أروح أنام أمامها.. ولد أطول: عم عباس قال لى.. كوم الشقافة بكرة سياحة أجنبية.. صابر: بكره مولد سيدى أبو العباس.. يا أبو مطوة.. ولد بساق خشبية: يعنى البوليس مرشق كدا وكدا.. ياأمى.. لاتموتى من ضرب أبى.. سأكبر وأمنعه.. أنام هنا أمام الصيدلية.. عندما يصل الدكتور يوقظنى.. أفتح الأقفال وأنظف المكان وأنقل القمامة.. وأمسح زجاج الفاترينة.. طيب خالص يعطينى النصيب.. أنا صابر.. ابنك.. روقى دمك..عيب عليك تسيب أمك مشغولة عليك، أخوتك ينوبون عنك فى كمدات الماء المهدئة على كتفى.. وحياتى عندك.. الليلة برد قوى.. الله.. اسمع الكلام.. أنت فرحت.. هه.. صوت رضيع متقطع يئن.. تسمرأمام الصيدلية.. دهشة صابر وخيبة أذنيه فى استدارات عينيه فى كل اتجاه.. فجأة.. صوت باب الفيلا الحديد يفتح بجرس.. الخوجاية العجوز تخطو نحو صندوق القمامة.. يا نهار زى بعضه.. تمد ذراعيها داخل الصندوق.. جرى نحوها.. رفعت الرضيع الباكى إلى صدرها.. الذى يئن ملفوفا فى خرق ملوثة.. وأغلقت خلفها الباب الحديد ذا الجرس.. مرّت أمام الصيدلية.. إياك أن تحكى لأحد..أمسكت الكرتونة لأنام.. رأسه بين ذراعيه.. القفل الأرضى للباب يخبط فى رأسه كلما تحرك.. قطار الحادية عشرة يقفز فوق كوبرى سموحة ممسكا برغيف حتى لايوقفه أحد.. يقطع الرغيف من النوافذ .. انتفض مسرعا وقفز داخل صندوق القمامة.. يفتش مكان الرضيع.. ركبت الصندوق امرأة.. حوطت بذراعيها لتمنع خروجه.. وجهها يسد فتحة الصندوق.. ترعبه، تحاصره، تغرقه فى صراخه المكتوم.. سامحينى.. سامحينى..