مع شمس كل يوم تزداد الجريمة تعقيداً نتيجة التقدم الرهيب إلكترونياً وعلمياً والذي يُطوع حسبما يرغب مستخدموه ولأجل أهدافٍ منها الفاسد كما فيها الصالح، ما نتج عنه صعوبة حل ألغازها وفك شفراتها وحلحلة عقدها، والتوصل إلى مرتكبيها وطرق تنفيذها وآليات مواجهتها، ما يستوجب تطوير ودعم المؤسسات الموكل إليها مكافحة الجريمة، ومنها مصلحة الطب الشرعي المتمثل دورها في إقامة الدليل الفني إثباتا أو نفيا. قبل نحو 100 يوم استيقظ أهالي قرية الحواتكه بأسيوط على نبأ وفاة القس دانيال يوسف كاهن كنيسة العذراء وإصابة 4 شمامسة آخرين بحالة تسمم بعد شربهم من مياه راكدة يقدمونها كقربان داخل الكنيسة، وفتحت السلطات تحقيقات موسعة جراء الحادث غير أن نتائج تقرير الطب الشرعي لتوضيح أسباب الحادث لم تصدر حتى الآن من مصلحة القاهرة، نتيجة ضعف إمكانيات وقلة أجهزة فرع أسيوط. ورغم مرور أعوام لم يعرف أحد نتائج عينة سائق قطار الموت وأين فُحصت؟ ولا قضية سفاح بني مزار الذي برأته المحكمة وطالبت بضبط الجاني الحقيقي، وكيف انتقل إلى منازل ضحاياه ال10 وذبحهم ليلاً دون صراخ، ومذبحة أولاد علام، ومجزرة البداري ونتائج مستشفى بدراوى وشبهة فساد أسطوانات الأكسجين فيها، ولماذا ذهبت العينات إلى إنجلترا، وما هي نتائجها؟ و.... مروراً بالقس دانيال الذي لم يرد تقرير نهائي بشأن وفاته حتى الآن، ونتيجة لذات السبب المتعلق بضعف إمكانيات معامل الطب الشرعي بالأقاليم تأخر إعلان النتائج التي آثرت على سير التحقيقات ومن ثم تعطل العدالة الناجزة. وَمِمَّا لا يمكن إغفاله أهمية دور الطب الشرعي كأحد أركان تحقيق العدل، ففي الخارج يتم فحص الحمض النووي للمومياوات الفرعونية التي عفا عليها الزمن رغم مرور آلاف السنين وهنا تعجز أجهزتنا أحياناً عن تحليل وتحديد الحمض النووي في بعض الحوادث رغم سلامة العظام. وكثير من قضايا الرأي العام في الجنوب، ومعظم القضايا التي تُفحص تركيزاتها بالنانوجرام، تُرسل للفحص في القاهرة بسبب ضعف الإمكانيات. وعلى سبيل المثال ورغم أن معمل كيماوي أسيوط مُختص بفحص قضايا المخدرات والسموم بمحافظات الصعيد( المنياوأسيوط وسوهاج والوادي الجديد وقنا والبحر الأحمر والأقصر وأسوان) تنقصه أجهزة في غاية الأهمية والدقة مثل HPLC و GCMass. وفي هذا الصدد، وصلني مقترح من أحد خبراء الطب الشرعي لتطوير المصلحة دون إرهاق ميزانية الدولة أو تكليفها أي أعباء مالية أضعه بين يدي وزير العدل للتصرف حياله ودراسته، "الطب الشرعي في مصر ينقسم لأربعة أقسام هي أبحاث التزييف والتزوير، والمعمل الكيماوي يختص بفحص قضايا المخدرات والسموم، والقسم الميداني ويهتم بأسباب الوفاة ونسب الإعاقة، والمعمل الطبي ويختص بفحص السائل المنوي والبصمة الوراثية والأنسجة و... وتنحصر معوقات الطب الشرعي في ضعف الأجهزة وانعدامها أحياناً في الأقاليم، وعدم مواكبة التطور العلمي، وقلة فروع الأقسام وضيق مساحتها، ورغم زيادة عدد القضايا والجرائم بشكل مرعب نتيجة للزيادة السكانية لا يحدث توسع أو تطور يواكب تلك الزيادة. واعتمد المقترح على تفعيل بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية إذ انه سيمنح تطوير المصلحة كلياً بعيداً عن الميزانية العامة وتخفيفاً عن كاهل الدولة في الأعباء الحالية متمثلة في وزارة العدل ويعد مورد غير تقليدي للتطوير، يتطلب فقط تطبيق وتفعيل المواد من رقم 313 إلى 322 بالفصل العاشر في الكتاب الثاني من قانون الإجراءات الجنائية، وهو ما يكفى لحل جميع معوقات ومعضلات الطب الشرعي عبر إنشاء صندوق تطوير الطب الشرعي بقرار يصدر من وزير العدل ويعمم على أقسام المصلحة المختلفة بكتابة قيمة تقديرية للفحوص الفنية في نهاية التقرير ويعتبر من المصروفات الجنائية. وعن كيفية استغلال تلك الأموال في عملية التطوير يتم إنشاء صندوق تحت مسمى صندوق تطوير الطب الشرعي وتوضع فيه تلك الأموال، ويكون تحت إشراف وزارة العدل وعضوية رئيس قطاع الطب الشرعي ونوابه للأقسام الأربعة، وتوضع له بنود الصرف وتشمل شراء الأجهزة، وصيانتها ومستلزمات تشغيلها، وتدريب الخبراء داخليا في المراكز البحثية وخارجياً في حال وجود فائض، وافتتاح فروع للأقسام المختلفة فيما يعرف بمجمع الطب الشرعي. إذا تم تطبيق المواد سابقة الذكر وصدر قرار من وزير العدل سينافس الطب الشرعي المصري نظرائه في أوروبا وأمريكا واليابان وسيصير مؤسسه وصرحاً يشار له بالبنان". انتهى نقل المقترح وبقيت عدة تساؤلات عن سبب تأخير تقارير المعامل خاصة في الأقاليم، ولماذا لا توفر وزارة العدل الأجهزة المطلوبة والمعدات الحديثة بالتزامن مع تشييد وبناء عشرات المحاكم والأبنية؟ وماذا قدمت وزارة العدل للأقاليم خلال العشر سنوات الأخيرة؟ ولماذا لا يُخاطب كبير الأطباء الشرعيين ونوابه الوزارة بمعوقات العمل في معامل الصعيد؟ ولماذا توقف مشروع تدريب خبراء الطب الشرعي بألمانيا رغم تحملها كافة النفقات والتكاليف؟